تواجه دول مجلس الخليج الست، بالإضافة للعراق، تحديات قوية فى أهم بند فى ميزانياتها وهو تصدير البترول والنفط، فى ظل تغير توجهات الغرب نحو الاستعاضة عن البترول ومشتقاته والصناعات الخاصة به مثل البتروكيماويات، إلى الغاز الطبيعى والطاقة المتجددة والنظيفة فى المستقبل القريب، على إثر التغيرات المناخية وارتفاع نسبة الانبعاثات الحرارية والكربونية المحيطة بالأجواء. وقد عاشت دول الخليج العربى والشرق أوسطية فترة ازدهار طويلة فى علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة، وذلك انطلاقاً من المميزات التى يتمتع بها النفط العربى نظراً لقلة تكلفة استخراجه لقربه من الأرض بخلاف الغاز الحجرى، وقرب الشرق الأوسط من أوروبا نظراً لإطلاله على البحر المتوسط المواجه للقارة والشواطئ الأوروبية، فضلاً عن النفوذ الأوروبى فى المنطقة منذ عهود الاستعمار القديم التى استمرت لمئات السنين، ومن ثم أصبح لدي الأنظمة السياسية الأوروبية الدراية الكافية بأسرار المطبخ السياسى العربى فى هذه الدول، مع تمتع الشركات الأوروبية والأمريكية بامتيازات واسعة فى استغلال حقول البترول فى أراضى الشرق الأوسط والجزيرة العربية. فى ظل الوضع السابق تمتعت الدول العربية بنفوذ سياسى فى أروقة الأنظمة الأوروبية، وبناء عليه استشعرت الدول الغربية الخطر من الدول العربية التى كونت منظمة «الأوبك» لمنتجى ومصدرى البترول، فاتجهت الدول الغربية لتكوين منظمة الطاقة الدولية.. وقال وزير الخارجية الأمريكى الأسبق كسينجر: إننا لابد أن نتبني سياسة للطاقة خاصة بنا نستبدل فيها البترول العربى بالطاقة النووية مثل إنشاء أكثر من 400 محطة نووية لتوليد الكهرباء فى الولاياتالمتحدة، والمتجددة وتشجيع وتمويل إنتاج البترول فى دول خارج الإقليم العربى والخليجى. وعلى إثر ذلك تراجعت استخدامات الطاقة البترولية من 2009 إلى 2014 بنسبة 80% فى أوروبا والولاياتالمتحدة المستوردين الأساسيين لبترول الخليج، فضلاً عن فرض الدول الأوروبية لضريبة مرتفعة على صادرات النفط ومشتقاته تصل لأكثر من 6% وفى بعض الدول سجلت 50% مثل ألمانيا وإنجلترا. ومع التراجع فى استيراد البترول العربى حدث عجز فى موازنات دول الخليج، فضلاً عن مواجهة الدول المنتجة للبترول العربى أزمة انخفاض أسعار البترول عالمياً من 115 دولاراً للبرميل إلى 50 و45 دولاراً، ما دفع أنظمة دول الخليج إلى توجيه اقتصاداتها نحو التقشف ورفع الدعم عن المواد البترولية واللحوم، والحد من النفقات، وسجل صندوق النقد الدولى فى تقريره 2015 تراجع فائض الموازنات فى دول التعاون الخليجى الست من 182 مليار دولار فى 2013 إلى 24 مليار دولار فقط فى 2014، وسجلت السعودية والبحرينوعمان عجزاً فى موازناتها منذ الأزمة المالية العالمية فى 2009، وتصل هذه الأزمة إلى حد عدم استطاعة اقتصاديات هذه الدول سداد مرتبات موظفى الدولة، خاصة مع زيادة الدين الحكومى، كما هو الحال فى البحرين. ويتوقع البنك الدولى استمرار الخسائر الخليجية خلال الستة شهور القادمة فى مجال النفط والبترول مع استمرار انخفاض أسعاره إلى 45 دولاراً للبرميل، لتصل إلى 215 مليار دولار بعد أن سجل عام 2015 خسائر تصل إلى 280 مليار دولار. ومن هذا المنطلق توجهت دول الخليج هى الأخرى إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات ناحية الطاقة المتجددة والنظيفة، بدأت بالشراكة مع دول الاتحاد الأوروبى فى 1988، فى المجالين الاقتصادى والتجارى، الذى يتركز حول تجارة البترول والغاز ثم تطوير هذه الاتفاقية إلى التجارة الحرة فى 2005، إلا أنها لم تنفذ على أرض الواقع حتى الآن بعد حظر الدول الأوروبية استيراد البترول ومنتجاته بصفة عامة. وكذلك الحال فى الولاياتالمتحدة بعد اكتشافها للغاز الصخرى فى أراضيها، وتستغني به عن البترول والغاز الخليجى، ومعها كندا وأستراليا، ومن ثم توجهت دول الخليج إلى الدخول فى شراكة مع الشركات الأمريكية فى إنتاج واستخراج الغاز الصخرى، كما تضمنت اتفاقيات الخليج مع الاتحاد الأوروبى دخول الشركات العربية مع مثيلاتها الأوروبية فى إنتاج الطاقة المتجددة، والعكس بدخول الشركات الأوروبية فى استثمارات فى الطاقة فى الأراضى العربية الخليجية فى مجال الطاقة الشمسية التى تتمتع بها دول الخليج. كما توجهت بعض الدول العربية فى إدخال عناصر للطاقة المتجددة فى استهلاكاتها للكهرباء مثل الطاقة الشمسية باعتبارها أبرز وأهم مصادر الطاقة المتجددة فى دول الخليج، وبادرت دولة الإماراتالمتحدة بإنشاء شركة «شمس دبى» التى وضعت استراتيجية دبى المتكاملة للطاقة الممتدة حتى عام 2030، مع تنويع المصادر 2030، وقد أنتجت بالفعل دبى طاقة متجددة بنسبة 7% حتى عام 2020، وانتقل نفس المشروع إلى البحرين والسعودية التى قررت إنتاج 13 ميجاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2032 لتلبى أكثر من 30% من حاجة المملكة من الكهرباء. كما اتجهت دول الخليج العربى إلى إنتاج الطاقة النووية، وتم إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة فى 2010، كما أنشأت قطر أكثر من 60 محطة كهرباء شمسية تمكنها من إنتاج 200 ميجاوات من الطاقة الشمسية، وفى عمان صدرت أول رخصة لهيئة تنظيم الكهرباء باستخدام الخلايا الكهروضوئية فى ولاية مزيونة بسعة 303 كيلو وات.