يبدو أن الحظ العثر سيظل ملازمًا لشركات قطاع الأعمال العام ولمدة طويلة، إذ إنه ما كادت الشركات تستعد لالتقاط أنفاسها بعد نحو 5 سنوات صعبة منذ ثورة يناير حتى بدأ المزيد من الأزمات يلم بها ويلحق أعمالها على عدة أصعدة. شركات قطاع الأعمال العام وفقاً للأرقام استطاعت تحقيق معدلات متوسطة من الأرباح بعد تراجع دام لعدة سنوات وفقاً للإحصائيات، فإن قطاع الأعمال العام استطاع تحقيق 3٫9 مليار جنيه أرباحاً عام 2009، ثم حقق فى 2010 ما يوازى 4.9 مليار جنيه، وفى 2011 حقق 4 مليارات جنيه، ثم جاء الانهيار الأكبر عام 2012 عندما هبطت الأرباح المحققة لتصل إلى 2.5 مليار جنيه فقط، وكان السبب وقتها هو انخفاض حجم أعمال الشركات بعد الثورة وتراجع ضخ الاستثمارات الجديدة، فضلاً عن ارتفاع حجم المطالب الفئوية فى الشركات، الأمر الذى انعكس على إجمالى عوائد الشركات، حيث أصبحت الرواتب والمكافئات تلتهم فى بعض الشركات أكثر من 60% من الإيرادات وهو الأمر الذى يؤكد وجود خلل مالى فى أى شركة. وجاء العام الحالى ليكون فرصة لاستعادة الشركات جزءًا من وضعها المالى القديم، إلا أن آخر إحصائيات تشير إلى أن إجمالى أرباح الشركات لن يزيد علي 2.6 مليار جنيه هذا العام، حيث صرح مؤخراً أشرف سالمان وزير الاستثمار بأن تقارير أداء شركات قطاع الأعمال العام، أشارت إلى ارتفاع صافى أرباح القطاع إلى 1.2 مليار جنيه فى الفترة من يوليو إلى أكتوبر 2015، مقابل 397 مليون جنيه عن نفس الفترة من العام المالي السابق بمعدل تطور بلغ 197%. كما أظهرت نتائج الشركات عن فترة الأربعة شهور يوليو/أكتوبر 2015 من العام المالي الجاري لإجمالي الشركات التابعة، تطور رقم إيراد النشاط الجاري للشركات التابعة إلى ما يقرب من 19 مليار جنيه، بنسبة زيادة بلغت 17% مقارنة بذات الفترة من العام السابق. وحققت الشركات التابعة للشركات القابضة للنقل البحري والبري والقابضة للتشييد والتعمير أعلى معدلات تطور في الربحية، بينما جاءت أعلى زيادة في إيرادات النشاط في شركات التشييد والتعمير والصناعات الكيماوية. المشكلة أن انخفاض عوائد الشركات كانت له عدة أسباب أهمها «الدولار» الذى أدى إلى عدة مشكلات فى الشركات، أولها فى شركات الأدوية التى كاد ارتفاع الدولار يؤدى إلى توقفها عن العمل بسبب أن الشركات تنتج وتبيع الأدوية أحياناً بأقل من سعر التكلفة وتشترى المدخلات بأسعار أكبر وكلما ارتفع سعر الدولار زادت أسعار المدخلات المواد الخام، ومع استمرار بيع الأدوية بأسعارها المخسرة كما يحدث منذ سنوات فإن أرباح الشركات تتآكل ومشاكلها تتفاقم وأصبحت العمالة بها مهددة، فقد يتسبب الوضع فى غلق خطوط إنتاج إذا استمرت أسعار الأدوية التى تنتجها مصانع وشركات الحكومة تباع بأقل من سعر التكلفة، رغم ارتفاع أسعار المواد الخام وأجور العمال وتكاليف التشغيل. الأمر الذى تسبب فى خسائر بلغت 250 مليون جنيه العام المالى الماضى، وهو الأمر الذى أصبح مرشحاً للتزايد، خاصة بعد ارتفاع أسعار الدولار وتكلفة استيراد بعض المواد. على جانب آخر، أشار مصدر بالشركة القابضة للصناعات الكيماوية إلى أن الدولة تحاسب شركات السماد التابعة لقطاع الأعمال العام على استهلاك الغاز بالدولار، وهو ما سوف يتسبب أيضاً فى ارتفاع تكلفة الإنتاج، خاصة أن الغاز فى حالة شركات السماد ليس فقط طاقة تشغيل بل هو أحد مدخلات الإنتاج، وتوقع المصدر أن يكون الأثر سلبياً على شركات السماد الثلاث.. وقال: إن قرار الحكومة برفع أسعار السماد الذى صدر منذ فترة ولاقى استحساناً من شركات السماد لمساهمته فى الحد من خسائر الشركات سيكون تقريباً بلا أثر فى الفترة القادمة بعد أن تسبب ارتفاع الدولار فى التهام تلك الزيادة. وبسبب استيراد قطع الغيار من الخارج، فمن المتوقع أن تشهد شركات نقل الركاب مشكلة أيضاً قد تؤدى إلى خسائر بسبب ارتفاع تكلفة استيراد قطع الغيار بعد ارتفاع الدولار. وفى قطاع النقل البحرى كان الأمر صعباً بالتأكيد، خاصة فى حالة مثل شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، التى ناضلت من أجل السماح لها بتحصيل مقابل بعض خدماتها بالدولار، إلا أن ظروف الدولة الأخيرة دفعت الشركة لاتخاذ قرار بالسماح لعملائها بسداد قيمة الخدمات التى تقدمها لهم بالعملة المصرية بدلاً من الدولار. بررت مصادر بالشركة هذا الاتجاه بأنه مساهمة من الشركة فى تقليل الطلب على الدولار، واستجابة لتوجهات الحكومة بخفض الطلب على الدولار ومساهمة الشركات التابعة للدولة فى هذا الأمر.. وقال مصدر بالشركة: إن هذا القرار يأتى على الرغم من قيام الشركة بسداد معظم مصروفاتها بالدولار مثل قيمة الوقود المستهلك ورسوم الهيئة العامة للاستثمار وبعض رسوم هيئة ميناء الإسكندرية. يذكر أن شركة الإسكندرية للحاويات كانت تعرضت لهجوم منذ فترة عندما قررت بدء تطبيق التعريفة المعلنة من 2008 بشأن تحصيل بعض خدماتها بالدولار، وشنت بعض التوكيلات الملاحية هجوماً على شركة الإسكندرية بسبب بدء تحصيل التعريفة على خدمتين فقط من بين 14 خدمة تقدمها الشركة بالدولار بدءاً من فبراير الماضى، وهو ما لم يستمر طويلاً، حيث عادت الشركة إلى وقف تحصيل مقابل الخدمات بالدولار، نظراً للأزمة التى تعرض لها الاقتصاد المصرى بسبب ارتفاع الدولار. شركات الاستيراد التابعة للدولة عانت أيضاً بسبب أسعار الدولار، كما أشار مصدر مسئول بإحدى الشركات، فإن الأرباح التى تحققها الشركات من صفقات الاستيراد لا يمكن مقارنتها بأرباح القطاع الخاص، إذ إن شركات الدولة تراعى عدة أبعاد مهمة فى عمليات الاستيراد، أهمها البعد القومى وأن السلع التى تهتم بها أغلبها سلع استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها. وكشف المصدر أن الشركات أحياناً كثيرة لا تحقق هامش ربح نظراً للاهتمام أولاً بتوفير السلع، خاصة السلع التموينية واللحوم والدواجن بأسعار مناسبة، مؤكداً أن ارتفاع الدولار تتحمله تقريباً الشركات وحدها وأن مقارنة نسبة التغير فى أسعار اللحوم المستوردة والدواجن والزيوت لا يقارن بنسبة ارتفاع الدولار، وأكد أن الدولة تفعل هذا حتى لا يتحمل المواطن الفرق ولكن فى النهاية تتأثر الشركات، وتأتى نتائج أعمالها فى النهاية إما بأرباح قليلة أو خسائر. كان قطاع السياحة والفنادق التابعة للدولة المستفيد الوحيد من ارتفاع الدولار، نظراً لأن وجود السياحة يعنى ارتفاع حجم الليالى السياحية فى مصر، وبالتالى زيادة الإنفاق على الإقامة ومن ثم يعد ارتفاع الدولار فى صالح القطاع، ولكن للأسف تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث إنه مع ارتفاع الدولار توقفت السياحة أو كادت على خلفية حادث تفجير الطائرة الروسية فى سيناء، الأمر الذى أدى إلى توقف السياحة الروسية والإنجليزية إلى مصر مما انتهي إلى توقف مورد مهم من موارد الدولار، التى كانت تعوض جزءاً ولو بسيطاً من فاتورة ارتفاع الدولار التى يتحملها قطاع الأعمال العام.