يواجه المركز القومي للسينما، أزمات متفرقة تحول دون قيامه بالدور المنوط به، مع تراجعه عن أداء مهامه، كممثل شرعي للإنتاج السينمائي الحكومي، سواء كان مباشراً، أو من خلال الدعم الموجه من وزارة المالية، للتجارب السينمائية غير الهادفة للربح، والذي لا يعلم أحد عنه شيئاً، حتي المسابقة التكميلية، التي أطلقها المركز بداية هذا العام، أصبح مصيرها غامضاً، بعد انتهاء لجنة القراءة من وضع تقريرها، الذي يتضمن أسماء الأفلام الفائزة، ولكن لم يعتمدها أي من وزيري الثقافة السابق أو الحالي، إضافة إلي فشل المركز حتي في تنظيم مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، الوحيد الذي ينظمه المركز بشكل مباشر، مع توافر مخصصاته في الميزانية السنوية ل «القومي للسينما»، وأهميته كأحد المهرجانات النوعية المتفردة في المنطقة. وتتعدد أزمات المركز القومي للسينما، خاصة مع ميزانيته التي يذهب أكثر من 90% منها لصالح رواتب العاملين، ولا يتبقي سوي 5 ملايين جنيه، تخصص للإنتاج المتوقف أيضاً، باستثناء تجارب محدودة امتدت لعدة أشهر، خاصة أن الكاميرات المخصصة للأفلام لا تزيد علي 5 كاميرات متواضعة، لتسود حالة من الموات في أروقة المركز، خاصة مع تغير القيادات، الذي وصل إلي تولي 3 رؤساء للمركز خلال عام 2015 فقط، ومع استقالة الدكتور وليد سيف، في شهر مايو الماضي، بعد عدة أشهر قضاها في صراعات داخلية، مع جبهات المصالح المختلفة، تولي المخرج محمد عزيز المسئولية، ليودع المركز الشهر الماضي، ويسلم الدكتور أحمد عواض الرئاسة، والأمر نفسه ينطبق علي وزارة الثقافة، وقطاع الإنتاج الثقافي الذي يتبعه المركز، مع تغييرات حقيبة الثقافة في الحكومة الأخيرة، من جابر عصفور، إلي عبدالواحد النبوي، وحتي حلمي النمنم، وتغير قيادة الإنتاج الثقافي، الذي تولي مسئوليته المخرج خالد جلال مؤخراً، وكل هذا ساهم في تعطل مسيرة المركز، الذي انتعش جزئياً مع تولي وليد سيف، قبل أن يدخل في سبات عميق مرة أخري. ولا يتحمل الرئيس الحالي للمركز، مسئولية إخفاقات من سبقوه، كما أنه لا يمكنه الإمساك بكل مفاصل المركز في الأيام الأولي لرئاسته، وقد لا يتمكن من تحييد «شلل» الرؤساء السابقين والسيطرة عليها أبداً، مع الصراعات الداخلية التي توحشت، وأصبحت أحد معوقات الإنتاج، ولكن السؤال الأهم هو: ما الخطة التي يحملها أحمد عواض للمركز القومي للسينما؟.. وحتي نشر هذه السطور لم يعلن «عواض»، عن أي خطوة قد يتخذها في الفترة المقبلة، كما أنه طلب في مكالمة هاتفية أجرتها «الوفد» معه، في الأيام الأولي لتوليه المنصب، منحه فرصة لدراسة أركان هذا الكيان، وهذا حقه بالطبع، وفيما يخص مهرجان الإسماعيلية، الذي تأجل أكثر من مرة لأسباب مختلفة، آخرها لنهاية ديسمبر الجاري، أكد أن إقامته ما زالت قيد الدراسة، قبل أن يعلن محافظ الإسماعيلية عن إلغاء دورة هذا العام، دون حتي الرجوع للمركز، وهذا أيضاً حقه، مع عشوائية المركز القومي للسينما، التي علقت أزماتها علي «شماعة» الإقامات، كما نفي «عواض» مسئوليته عن تأخر إعلان نتيجة المسابقة التكميلية لدعم السينما، مشيراً إلي أن كافة الأوراق رفعت لوزير الثقافة لاعتمادها قبل إعلانها رسمياً، قبل مجيئه بفترة، وهو ما لم يحدث حتي الآن. ومع عدم إلمام أحمد عواض بدواخل المركز، الذي لا يجعله قادراً علي تقديم إجابات شافية، خاصة فيما يتعلق بعثرات تنظيم مهرجان الإسماعيلية، والمسابقة التكميلية للدعم، وكلاهما من الأمور الملحة، لجأنا لرئيسي المركز السابقين، للتعرف علي الخطوات التي اتخذت، ومدي مسئوليتهما عن عرقلة مشروع إقامة المهرجان، أو إعلان مسابقة دعم السينما. وأكد الدكتور وليد سيف، الرئيس الأسبق للمركز، أنه استقال في 12 مايو الماضي، وكان يعد للمهرجان قبل أشهر، ولكن واجهته عقبة حجز الفنادق لصالح العاملين بالإسماعيلية في مشروع قناة السويس الجديدة، مشيراً إلي أن هذا الأمر دعاه لتأجيل المهرجان من شهر يونيو لشهر أكتوبر، لأن الغرف المتوافرة حتي في القرية الأوليمبية لم تزد علي 40 غرفة، لافتاً إلي أن الغرف الأساسية المطلوبة للمشاركين تزيد علي 100 غرفة، إلي جانب باقي الغرف للوفود الصحفية والإعلامية. وقال «سيف»: «لم ندخر جهداً لتوفير أماكن للإقامة، حتي أن جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، تحدث إلي محافظ الإسماعيلية أكثر من مرة، وكان هناك اتفاق مبدئي مع الفندق المجاور للقرية الأوليمبية، لتوفير الإقامات في المكانين، هو ما دفعنا لاختيار شهر أكتوبر، حتي تتوافر الغرف المتاحة، ولم يتم توقيع هذا الاتفاق حتي التقدم باستقالتي، ولكن الجوانب الفنية كانت معدة سلفاً، بعد استقبالنا 500 فيلم من مختلف الدول، وتشكيل لجنة لمشاهدة واختيار الأفلام، شاهدت بالفعل نحو 100 فيلم، وطالبت رئيس الإنتاج الثقافي بتشكيل مكتب اتصالات للتفاوض مع صناع الأفلام، ولكن سيد خاطر رئيس القطاع وقتها لم يتعاقد مع جهة لتشكيل هذا المكتب، المعني بالتفاوض مع صناع الأفلام المتقدمة للمشاركة، وهو ما أوقف العمل حتي رحيلي، ولا أعرف الأسباب الحقيقية وراء تأجيل المهرجان مرة أخري». وفيما يخص المسابقة التكميلية لدعم السينما، أكد وليد سيف، أنه أعلن عنها وتلقي المشاركات، لمحاولة استغلال مبلغ ال 8 ملايين المتبقية من ال 20 مليوناً التي تمنحها وزارة المالية لهذا الغرض، لأن القانون يفرض صرف كامل المبلغ قبل الحصول علي دعم جديد، لافتاً إلي أن هذا كان وراء الإسراع في فتح الباب أمام السينمائيين، للتقدم لدعم وزارة الثقافة للسينما، حتي ننهي المبلغ للمطالبة بمخصصات جديدة، مشيراً إلي أنه ترك المركز قبل أن تنتهي لجنة القراءة من اختيار السيناريوهات الفائزة بالدعم. وقال المخرج محمد عزيز، رئيس المركز السابق: «تسلمت مسئولية المركز من الدكتور وليد سيف، وكان هناك 500 فيلم من 50 دولة مختلفة، وكانت هناك لجنة مشاهدة مشكلة دفعت ب3 عناصر جديدة إليها، وبالفعل تم اختيار نحو 45 فيلماً، كما فتحت الباب أمام التقدم للمهرجان لشهر واحد، للحصول علي أفلام جديدة، وتلقينا 50 فيلماً، وأجرينا اتصالات مع شخصيات سينمائية دولية مرشحة للجنة التحكيم، ولكن مسألة الإقامة شكلت أزمة بالنسبة لنا». ورد «عزيز» علي أسباب اعتذار أكثر من شخصية عن تولي إدارة المهرجان لعدم جاهزيته، قائلاً: «لم أرشح شخصيات عديدة لتولي منصب مدير المهرجان، ولكني رشحت الناقد عصام زكريا، الذي اعتذر بالفعل بعد شهر رمضان لانشغاله بأمور أخري، وأنا احترمت انشغاله، وجاء ترشيح المخرج سعد هنداوي بعدها، الذي أبدي ترحيباً وحماساً شديداً، وعقدنا بالفعل جلسات عمل عديدة، قبل أن يعتذر فجأة عن المهرجان، لأنه لم يكن يعلم أن الاعدادات للمهرجان بدأت بالفعل، وأن لدينا 500 فيلم ولجنة تحكيم، وهو ما دفعنا أنا ووفاء الحكيم مسئولة العلاقات العامة، والناقد فاروق عبد الخالق، للقيام بمهام مدير المهرجان». وتابع «عزيز»: «أرسلت خطاباً لوزير الثقافة بتأجيل المهرجان لشهر ديسمبر، لتضاعف أسعار الفنادق مع الميزانية الضعيفة التي لا تزيد علي مليون و200 ألف جنيه فقط، ولم تتوافر غرف كافية في القرية الأوليمبية، وحتي رحيلي عن المركز لم تتوافر غرف كافية، وسلمت كل الملفات للدكتور أحمد عواض، وتناقشنا في الأمر، ولكن سقوط الطائرة الروسية أجل استكمال النقاش، والأمر بأكمله في يد الرئيس الحالي». وعن تعثر الإعلان عن مسابقة الدعم، قال «عزيز»: «قبل رحيلي عن المركز، كانت لجنة القراءة انتهت من اختيار الأفلام الفائزة، ولكن الإعلان عن النتائج لا يأتي إلا بعد اعتماد وزير الثقافة لها، لتصدر بشكل رسمي، وبالفعل رفعت لمكتب الوزير، الذي يحيل النتائج للمستشار القانوني لإبداء الرأي فيها، قبل عرضها علي الوزير لاعتمادها، فالقرار في عهدة مكتب الوزير منذ 20 سبتمبر الماضي، وسيعلن بعد انتهاء الشئون القانونية من دراسة سلامة الإجراءات، وقد يرجع سبب التأخير لتغيير المستشار القانوني للوزارة». وحول أسباب اعتذاره عن تولي منصب مدير مهرجان الإسماعيلية، قال المخرج سعد هنداوي: «رشحني لتولي إدارة المهرجان رئيس المركز محمد عزيز، وكنت مستعداً للقيام بمهام هذا المنصب، ولكني وجدت أن هناك لجنة مشاهدة مشكلة بالفعل، واختارت أفلام لا أعرف مستواها، وهذا ليس طعنا في أشخاص، ولكن مدير المهرجان، هو المعني بهذه التفاصيل الفنية، ويجب أن يقوم بتشكيل لجان المشاهدة، لأنه سيتحمل تبعات اختياره، واعتذاري كان بديهياً، لأنني سأكمل عمل أشخاص آخرين، وسأتحمل مسئولية أي إخفاقات، وهذا يتعارض مع قناعاتي، والوقت لم يكن يسمح بإعادة تشكيل عناصر المهرجان مرة أخري، فوجدت أن اعتذاري سيكون مفيداً، لخروج الدورة للنور بدلاً من تأجيلها لتنفيذ رؤيتي الفنية». وفيما يتعلق بتأخر المسابقة التكميلية لمسابقة دعم السينما، قال الناقد السينمائي مجدي الطيب، عضو لجنة القراءة: «لا أعرف الأسباب الحقيقية وراء تأجيل إعلان النتائج، خاصة أننا قدمنا محضر الاجتماع النهائي للجنة، وتم إقرار النتيجة وتوقيع الأعضاء عليها، وكان مقرراً أن يرفعها محمد عزيز لوزير الثقافة لاعتمادها حسب اللائحة، وكان من المقرر إعلان النتيجة خلال مؤتمر صحفي، ولا نعلم أسباب التأجيل طوال هذا الوقت، ولكن النتائج موجودة بحوزتنا، ولكننا لم نعلنها احتراماً لقرار المركز ووزير الثقافة». واستبعد «الطيب» أن تكون اللجنة قد تعرضت لأي ضغوط لتعديل النتيجة، كما نفي ربط تأجيل إعلانها، بعدم الرضا عن الأفلام التي وقع عليها الاختيار.