لم تكتف دول الاتحاد الأوروبى بالإطار السياسي والزخم الإعلامي الذي صاحب عقد قمة المناخ الاخيرة في فرنسا، بل تعدت تلك المرحلة وخصصت ثلاثة أبواب كاملة فى الدستور الأوروبى الحديث الذى تمت كتابته فى 2004 و تم تعديله عدة مرات آخرها فى 2009، و تبدأ الأبواب الثلاثة فى الدستور من المادة 6 حتى المادة 174 بما فيها مادة عامة رقم 308، وهو ما يشكل انقلابا اقتصاديا واستراتيجيا، ليس في أوربا فحسب وانما أيضا في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا أيضا. وكان الهدف الأساسى من ذكر وتسجيل تفاصيل قضية الطاقة فى وثيقة الدستور الذى يشمل دول الاتحاد الأوروبى، هو تحويله مع مرور الوقت إلى ما يسمى «بالوثيقة الخضراء»، بمعنى أن يتحول مستقبل هذا الاتحاد الدولى إلى «بيئى» أو يراعى فيه الجانب الحفاظ على البيئة بشكل أساسى، كما تم وضع أسس لمبدأ «التنمية المستدامة» النظيفة، والربط بين السياسات البيئية والاقتصادية والاجتماعية فى نفس المواد، مع تحويل هذه العلاقة المتشابكة إلى مجموعة من الإجراءات والمخصصات المالية، والتى تتحقق من خلالها إعادة توزيع للموارد بشكل عادل ومتوازن، وتقديم خدمة الطاقة بأسعار فى متناول الشعوب الأوروبية. أقيم حوار مجتمعي طويل فى دول الاتحاد الأوروبى قبل الخروج بمواد هذا الدستور الخاصة بالطاقة فى شكلها النهائى، وأدير هذا الحوار بشكل علمى وأكاديمى ترأسه فى ذلك الوقت الدكتور «أندرياس كريمر» مدير المعهد البيئى فى برلين، وتزامن ذلك مع جهود مؤسسات الاتحاد الأوروبى فى خلق بنية تحتية من مصادر الطاقة الطبيعية أو المستدامة، تمهيدا للانتقال إليها بشكل تدريجى بعد الانتهاء من مرحلة استخدام البترول ومنتجاته والذى وصل حجم استخدامه فى أوروبا إلى 77% عام 2009 والطاقة الذرية والتى وصل استهلاكها إلى 14%، والمذكورة فى اتفاقية «يراتوم» والتى تم الإشارة إليها فى المواد الدستورية الخاصة بالطاقة، ولا تزال مسألة استخدام الطاقة الذرية كأحد مصادر الطاقة النظيفة محل خلاف بين الدول الأعضاء، وهناك احتمال كبير لتعديل المواد الخاصة بها، نظرا لعدم استخدام كل دول الاتحاد الأوروبى لمثل هذا النوع من الطاقة نظرا لتكلفته العالية وحجم المخاطرة. هناك 2 سيناريو لحل مشكلة الطاقة النووية، أحدهما الانتظار لحين انتهاء العمل باتفاقية «اليوراتوم» أوتوماتيكيا مثل انتهاء فترة العمل بالفحم فى 2014، أو تعديل هذه الاتفاقية حسب متطلبات كل مرحلة، ولكن هناك توقعات قوية بإنهاء العمل بالطاقة الذرية أو التكنولوجيا النووية قريبا نظرا للضغوط التى تتعرض لها مؤسسات الاتحاد الأوروبى من منظمات المجتمع المدنى والضغوط الشعبية المناهضة للطاقة النووية. كما نصت المواد الخاصة بالطاقة فى الدستور الأوروبى على الانتقال تدريجيا من استخدام الغاز الطبيعى وهى المرحلة الحالية،و الأكثر خطورة لما لاقته من توترات فى علاقة الأوروبيين بروسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعى على مستوى العالم، والأقرب فى المسافة بينه وبين أوروبا، مما جعل الأوروبيين يتكالبون على الغاز السورى كأحد البدائل، ومثيله القطرى فى بعض الأحيان. وطرحت دول الاتحاد الأوروبى بديلا آخر وهو التحول نهائيا إلى الكهرباء النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة والتى لا تمثل سوى 9% من حجم استخدام دول الاتحاد الأوروبى لها الآن، وتركز المؤسسات الغربية فى المرحلة الحالية فى الانتقال بشكل تدريجى إلى الطاقة المتجددة عن طريق الطاقة الشمسية وقوة الرياح، والذى من المفترض أن يمثل 20% من حجم الطاقة المستخدمة فى أروربا بحلول 2020، طبقا للتعديل الدستورى فى المادة 29 فى 2009 ،إلا أنه اختيار غير متوافر فى القارة الباردة العجوز، مما دفع الأوروبيين إلى البحث عن مصادره خارج حدودهم مع الدول الشرق أوسطية والإفريقية. وكان الاتحاد الأوروبى وضع فى اعتباره نقطة التعاون مع الدول المصدرة للطاقة خارج حدوده و الدول الوسيطة التى تقع فى وسط المسافة لحين وصول منتج الطاقة إلى الأراضى الأوروبية، ومن هنا نصت وثيقة «اوروبا 2020» الخاصة بالطاقة على ضرورة تحسين علاقة دول الاتحاد الأوروبى بجيرانها من الدول الأخرى، بل وامتدت إلى إدخالهم طرفا فى سوق الطاقة المحلية المشتركة بين الدول الأوروبية، وذلك لضمان تبادل المصالح الاستراتيجية بين الطرفين الأوروبى والآخر، وحتى تضمن أوروبا تحقيق مبدأ «الأمان» فى توفير الطاقة بشكل مستمر، ومن هذا المنطلق جاءت دعوة الاتحاد الأوروبى لمصر الممثلة للقارة الإفريقية، صاحبة اكبر مصادر للطاقة النظيفة والمتجددة فى العالم، كما جاءت دعوة أوروبا لباقى دول المنطقة المماثلة تمهيدا لإشراكهم فى سوق الطاقة المحلية الأوروبية. وتهدف كل هذه المساعي الغربية إلى تحقيق مبدأ «الأمان» فى مصادر الطاقة اللازمة لاستمرار الحياة فى كافة أشكالها فى القارة الأوروبية، والتى نص عليها الدستور الأوروبى، خاصة فى ظل التغيرات المناخية الباردة و التى تهدد بقاء شعوب الأرض فى سلام. ومن بين أهم مواد الدستور الأوروبى الخاصة بالطاقة: المادة 6: و تنص على ان دول الاتحاد الأوروبى تنتهج سياسة موحدة فى الحفاظ على البيئة تترجم إلى حزمة من الإجراءات الأعمال، والنابعة من السياسة البيئية الأوروبية لتحقيق التنمية المستدامة. المادة 174 فقرة 1: وهى مادة تصب فى سياسة الطاقة والتى تتضمن الاستهلاك الحذر والرشيد لمصادر الطاقة، مع الحفاظ على البيئة وتحسين أجوائها. المادة 175 فقرة 2: ترجمة التدابير البيئية إلى مخصصات مالية موحدة مثل توحيد الحد الأدنى من الضريبة المفروضة على الطاقة التى تحافظ على البيئة،ضمان توفير كميات و انواع الطاقة اللازمة فى دول الاتحاد فى كل الأوقات. المادة 308: وهى التى تعطى الحق لمؤسسات الاتحاد الأوروبى وحدها التصرف ووضع السياسات وتنفيذها وإلزام كل دول الاتحاد بتنفيذها، وليس لأية دولة حرية التصرف فى مسألة الطاقة وإدارتها منفردة. وكل ما سبق يتم تحقيقه فى ضوء السوق الأوروبية المشتركة والمحلية فيما بينها فى مجال الطاقة فى الحاضر والمستقبل. المادة 167 فقرة 3: والتى تنص على مبدأ «تحقيق الأمان» فى توفير كميات وأنواع الطاقة اللازمة فى كافة انحاء دول الاتحاد الأوروبى، مع مراعاة مبدأ الاستهلاك الحذر و الرشيد للطاقة، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى، وتقوم مؤسسات الاتحاد فى إدارة قضية الطاقة بكافة جوانبها. وهذه المادة تم تعديلها فى الدستور الأوروبى فى 2007. كما وضعت دول الاتحاد الأوروبى فى عام 2009 خطتين ممتدتين إحداهما قصيرة الأجل حتى 2020، و الأخرى طويلة تمتد إلى 2050، تتخللها مرحلة وسطية فى 2030، وتضمنت الخطة الأولى 4 أهداف طبقا لتقرير المفوضية الأوروبية وهما: التقليل من انبعاثات الغاز المضرة بالمناخ العالمى بنسبة 20%، والوصول إلى استخدام الطاقة المتجددة فى كافة نشاطات الدول الأوروبية بنسبة 20% أيضا، واستخدام مثل هذه الطاقة النظيفة بنسبة 10% فى المواصلات العامة، وأخيرا الحد من معدل استهلاك الشعوب الأوروبية للطاقة بنسبة 20% أيضا. أما فى عام 2050 طبقا لتقرير مجلس المناخ الأوروبى، فستصل نسبة التقليل من الانبعاثات من 20% إلى 80%، التحول من استخدام الكاربون فى كافة النشاطات على مستوى أنحاء الدول الأوروبية إلى 95%، والامتناع عن استخدام الطاقة النووية والحارقة بنسبة 80%.