النفايات الطبية الخطرة مسئولية من؟ «2» بقلم : دكتور طارق عباس منذ 34 دقيقة 22 ثانية تناولت في مقالي السابق يوم الاثنين الماضي في نفس الصفحة بهذه الجريدة - التي أشرف بانضمامي لصفوف كُتابها- موضوع النفايات الطبية الخطرة بوصفه كارثة بيئية وصحية تعرض حياة المواطن المصري للخطر، لما تحويه تلك النفايات من مواد سامة ومعدية، باثولوجية وكيميائية وصلبة مما يستوجب منتهي الحذر والدقة في التخلص الآمن السريع من تلك النفايات، وهو ما لا يحدث مطلقاً علي أرض الواقع، فالمحارق التي يتم بواسطتها التخلص من تلك النفايات تعمل في الوضع الطبيعي بين درجتي 900: 1200 درجة مئوية بينما تعمل في مصر بين درجتي 400: 500 درجة مئوية، من المفترض ان المحارق تبني بعيدة عن التجمعات السكانية بحد أدني ثلاثة كيلو مترات إلا أنها في الغالب موجودة بقلب التجمعات السكانية وداخل بعض المستشفيات كما هو الحال بمستشفي صدر إسنا، بالإضافة إلي ذلك نجد أن معظم المحارق إما معطلة أو متهالكة أو محملة بنفايات طبية تفوق قدرتها الاستيعابية أو غير موجودة أصلاً، ففي مدينة طنطا يوجد 11 مركزاً طبياً تابعا لوزارة الصحة ونحو 12 مركزاً للغسيل الكلوي وعيادات ومستوصفات، ومع ذلك لا توجد محرقة واحدة بالمدينة، أما في محافظة الجيزة فلا وجود إلا لعدد محدود من المحارق بمستشفي البدرشين ومستشفي بولاق الدكرور ومستشفي الشيخ زايد، وهي غير كافية لاستيعاب أطنان النفايات خاصة إذا علمنا أن مستشفي 6 أكتوبر يوجد به 650 سريرا، 3000 مريض متردد، 250 عملية جراحية يومياً، ومع ذلك لا يوجد به محرقة نفايات، مستشفي الحوامدية، العمرانية، صدر إمبابة، حميات إمبابة، أم المصريين، أبوالنمرس، كلها مستشفيات تنتج نفايات لكنها بلا محارق نفايات، فإلي أين يتجه كل هذا الفائض من تلك البلاوي؟. من الواضح ان هناك علي ضفاف مآسي الناس ومحنهم، يقف أبالسة الشر معتادو الصيد في المياه العكرة طعماً في أن يُربحوا أنفسهم مهما كانت خسائر الآخرين، هناك من يتلقف تلك الموبقات ويقوم ببيعها لبعض التجار بسعر يتجاوز 3000 جنيه للطن ليتم فرزها وتصنيعها وتدويرها لتخرج إلينا ثانية في صور منتجات يتهافت الناس عليها دون أن يخطر ببالهم أنهم يشترون مرضهم بأيديهم، فمن القطن الملوث بالدماء وملاءات الأسرة والشاش وحفاضات الأطفال والمسنين تُصنع الدباديب أو يُصنع حشو المراتب والمخدات والمفارش، ومن البلاستيك تصنع الملاعق والأكواب والأطباق والأكياس إلخ، ومن الأساطر البولية تُصنع أنواع من البالونات يقوم الأطفال بنفخها وتناقلها من يد إلي يد، لتكون شاهدا علي قلوب قست واستحلت براءة الأطفال من أجل حشو البطون ونفخ الجيوب. يا سادة لا يصح ونحن في الألفية الثالثة أن يكون إجمالي عدد المحارق في القطاع الحكومي والخاص والجامعي 150 محرقة علي الرغم من الحاجة إلي 410 محارق حسبما جاء في تقرير وزارة الصحة الأخير، لا يصح أن يكون إجمالي النفايات الخطرة الصادرة عن المنشآت الطبية يزيد علي 35 ألف طن سنوياً، يتم إحراق القليل منها ليكدس الباقي إلي أن يأتي المسعدون بشقائنا لينتهكوا صحتنا بشرائهم تلك المخلفات الطبية ثم تقديمها إلينا علي أنها صناعة مصرية. إن عصر النوم في العسل قد ولي وانتهي وآن أوان احترام الإنسان كقيمة كعقل كجسد له الحق في الصحة والعافية، له الحق في بيئة نظيفة تضمن سلامته من الأمراض والأوبئة، له الحق في أن يعيش في مدينة خالية من أية نفايات طبية، فهل نحلم بمثل ذلك اليوم؟ [email protected]