تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بجامعة قناة السويس    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    وزير التعليم يوجه بزيادة إنتاج مشغولات ومستلزمات المدارس الفنية والاهتمام بتسويقها    سوريا.. قرار عاجل من مجلس الوزراء يخص مؤسسات الدولة    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    رئيس جامعة بني سويف يرأس اجتماع مديري الكليات    تراجع أسعار الحديد الاستثماري 1000 جنيه للطن بداية من الغد    الطاقة السعودية: النقاش بشأن التغير المناخي أصبح أكثر واقعية في قمة "كوب27"    سعر اليورو مقابل الجنيه في البنوك اليوم الثلاثاء 30-4-2024    «الشيوخ» يبدأ الجلسة العامة لمناقشة ملف التصنيع الزراعي    بعد تراجع الأوفر برايس .. سعر شيري تيجو 8 العائلية 2024 الجديدة    تحرك برلماني لتطبيق الحد الأدنى للأجور بأجهزة الدولة وهيئاتها الاقتصادية    علاء عابد: زيارة أمير الكويت لمصر تستهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات    «إكسترا نيوز» تبرز ملف «الوطن» عن جهود مصر لوقف العدوان على غزة: وفد حماس في القاهرة    خبير دولي يؤكد أهمية زيارة رئيس مجلس الرئاسة في البوسنة والهرسك إلى مصر    مشاهد صادمة لثوران بركان روانج.. حمم وغيوم ساخنة ورعب بين السكان (فيديو)    بالأرقام.. حجم التبادل التجاري والاستثماري بين مصر والكويت تزامنا مع زيارة الأمير للقاهرة    طارق مصطفى يغيب يومين عن البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    صراع الكبار.. التشكيل المتوقع لريال مدريد وبايرن ميونيخ في دوري الأبطال الليلة    قرار جديد في ليفربول بشأن محمد صلاح.. هل يستمر بالفريق؟    رئيس شركة الأهلي: عبارة "مصلحة المنتخب أهم" حق يراد به باطل    لقب الكونفدرالية ينادي الأبيض.. شوبير يعلق على فوز الزمالك أمام دريمز الغاني    «الأرصاد»: طقس ربيعي مشمس في القاهرة الكبرى اليوم    والدة تسنيم بسطاوي: مش عايزة غير حق بنتي والمتهم قتل فرحتي.. فيديو    السجن 10 أعوام وغرامة 500 ألف جنيه لمتهم بحيازة 861 جرام هيروين في الإسكندرية    حملات أمنية ضد محاولات التلاعب في أسعار الخبز.. وضبط 31 طن دقيق    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    «التعليم»: 38 مدرسة فنية تشارك في معرض «ابدع واصنع»    18 مليون جنيه خلال يوم واحد.. ضربة جديدة لمافيا الدولار    خبير يكشف عدم ذكر ووجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن    الموضوع وصل القضاء.. محمد أبو بكر يرد على ميار الببلاوي: "أنا مش تيس"    باعتبارها معلمًا تنويريًا وحضاريًا.. سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    إيرادات الأفلام.. عمرو يوسف يتفوق على الجميع وتراجع على ربيع وبيومى فؤاد    حكم الوصية الواجبة ومعناها وشروطها؟.. الإفتاء توضح    ما هو الدعاء الذي نهى عنه النبي؟.. «وكيل الأوقاف» يوضح    المصل واللقاح عن "استرازينيكا": لا يوجد سبب يدعو للتخوف أو التوتر    أسهل طريقة لتحضير كيكة البسكويت الباردة.. «جهزيها من غير دقيق وبيض»    الصحة: تطوير مناهج مدارس التمريض والشعب والتخصصات بالمعاهد بالتعاون مع إيطاليا    فصل قضائي جديد في دعوى إثبات نسب طفل لاعب الزمالك السابق    وزير الري يؤكد أهمية دور البحث العلمي في التعامل مع تحديات المياه    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    «مصر للصرافة» تجمع حصيلة من العملات تعادل 8 مليارات جنيه    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت على أطراف المحارق والدخان
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 05 - 2011

طرف الخيط الأول عندما وردت لوزارة الصحة تقارير من 5 محافظات تفيد بتحطم محارق النفايات الطبية الخطرة بالمستشفيات والوحدات الصحية نتيجة اعتراض الأهالى عليها، لم تذكر التقارير الطرق التى لجأت اليها مديريات الصحة فى تلك المحافظات للتخلص من المخلفات الخطرة الموجودة بها، خصوصا أن الأهالى هددوا بحرق وتكسير باقى المحارق، فتوقف الكل عن العمل.
المدة الزمنية المسموح بتخزين النفايات الطبية الخطرة خلالها لا تتعدى يومين، بينما تاريخ التقارير يعود إلى 3 أشهر أو أكثر، فى الوقت نفسه تشير تقديرات وزارة الصحة إلى أن متوسط الانتاج اليومى من النفايات الطبية بتلك المحافظات 13 طنا تقريبا.
كان الاستنتاج أن هناك تكدسا مخيفا للمخلفات الخطرة، أكدته زيارة لمحافظتين من المحافظات التى أرسلت التقارير.
فى الفيوم لجأ المسئولون بالمديرية إلى حرق النفايات الطبية فى الهواء الطلق مع المخلفات العادية، وفى شبين الكوم بالمنوفية تتكدس النفايات منذ 3 أشهر فى انتظار سيارات المديرية التى تأتى كل يوم لتأخذ كمية قليلة منها وتوزعها على المديريات المجاورة.
77 طنا من النفايات الطبية الخطرة يخرج من المستشفيات والوحدات الصحية على مستوى الجمهورية يوميا، وفق تقديرات وزارة الصحة، يتم توزيعه على 175 محرقة نفايات، فالمحرقة هى الوسيلة الآمنة والقانونية التى تستخدمها الوزارة للتخلص من المخلفات الطبية.
القانون يحتم وجود وسيلة للتخلص من النفايات فى كل منشأة طبية، والأهالى يعتقدون أن محارق المخلفات الخطيرة هى بالضرورة ضارة وقاتلة، ووزارة البيئة تؤكد أن تكدس النفايات أو حرقها على المكشوف كارثة بيئية، وبين الأطراف الثلاثة تقف وزارة الصحة بميزانية ضئيلة أمام أخطار بيئية وصحية وإنسانية هى المسئول الأول عنها باعتبارها صمام أمان الصحة فى مصر.
فى الصباح الباكر دخل الكيس الأحمر الكبير تلك الغرفة الضيقة المظلمة، وضعه العامل بجوار عدد من الأكياس الأخرى وأغلق الباب، اليوم دخل الكيس، ولا أحد يعرف متى سيخرج.
أصوات تقترب من الغرفة، تتصاعد الهمهمات لتصبح هتافات، «مش عايزينها.. هانولعها»، تهدأ الأصوات شيئا فشيئا ثم تنطلق فجأة صيحات النصر، مقترنة بصوت سقوط مدوى تتبعه رائحة دخان شديدة، تدخل من شباك الغرفة الصغير لتطغى على الرائحة الكريهة التى انبعثت من الأكياس المخزنة.
اللون الأحمر الذى يميز تلك الأكياس يعنى أن بداخلها نفايات طبية خطرة، والدخان الكثيف انبعث من محرقة النفايات، ليس لأنها تحرق نفايات الوحدات الصحية والمستشفيات بالمحافظة، ولكن لأنها هى التى تحترق.
«حرقناها وحنحرق اللى هيجيب غيرها»، هكذا صرخ أهالى قرية الكعابى القديمة التابعة لإدارة سنورس محافظة الفيوم، أكدوا أن وضع محرقة بالقرب من منازلهم وأراضيهم وزرعهم أمر غير قابل للنقاش،» حتى لو جابوا محرقة تنزل لبن وعسل مش عايزنها».
فى ثوان معدودة تجمع أهالى الكعابية وراحوا يصرخون فى نفس واحد، «الكرنب فسد وماحدش رضى ياكله»، «عملنا تقرير عن طريق مديرية الزراعة بالفيوم وأثبت أن دخان المحرقة خطر على الزرع»، وفى لمح البصر كانت المحرقة سبب كل الأمراض التى أصابت أهل القرية، «أنا مش باشوف بسببها»، «ابنى عنده سرطان فى الدم وبعالجه فى مستشفى 57357 وعنده التهابات رئوية أثبتت التقارير أنها بسبب المحرقة».
شباك التطعيمات الموجود بجوار المحرقة أعطى الأهالى مبررا لتحطيمها، وتساءلوا «إزاى يعنى الطفل يقف عشان يطعم يقوم يشم دخان المحرقة»، لكنهم بعد ذلك عادوا واتهموا المساجين الهاربين من السجون فى أحداث الانفلات الآمنى بتكسير المحرقة، «المساجين اللى خرجوا من ديمو هما اللى كسروها وحبوا يسرقوا الوحدة الصحية الأهالى منعتهم»، الحاجة أم سعيد حسمت الجدل حول المحرقة وأهمية عملها عندما قالت «الوحدة بتطلع شوية نفايات قليلة مستعدين نشيلها على دماغنا ونوصلها لأى محرقة بعيدة عن البلد».
لكن المشكلة أنه لم تبق بالمحافظة محرقة واحدة تعمل، فبعد احتراق محرقة الوحدة الصحية بجرفس وتوقف محرقة وحدة العزب بسبب اعتراض الأهالى أيضا، تكدست مخلفات المستشفيات والوحدات الصحية الأخرى داخل غرف التخزين، وأصبح الخطر داهما دون أن يدرك الأهالى ذلك.
«يجب ألا تزيد فترة تخزين النفايات الطبية بالمنشآت الصحية على يومين»، تأكيد الدكتور إيهاب محمود عطية، كشف عن حجم المشكلة، فالنفايات تخزن حاليا بالمنشآت الصحية لمدة أسبوع على الأقل وقد تزيد إلى عدة أشهر فى مناطق أخرى، بعد اعتراض الأهالى على عمل المحارق وتكسير وحرق أغلبها فى عدة محافظات.
غرفة التخرين
تكدس النفايات داخل غرفة التخزين الصغيرة كان السبب فى مشاكل أخرى، فرائحة النفايات المكدسة كانت وراء استياء الأهالى، «النفايات من كثر تخزينها كانت بتطلع رائحة كريهة جدا والمديرية بتبعت لنا كميات كبيرة من النفايات فوق طاقة المحرقة، أحيانا كان الدود يخرج منها»، هذا ما أكدته إحدى العاملات بالوحدة الصحية.
والنفايات الخطرة كما يعرفها الدكتور ايهاب محمود عطية مدير الإدارة العامة لصحة البيئة هى كل المستلزمات الطبية، التى تلامس المريض والسوائل الناتجة منه، وتكدسها له مشاكل وأخطار أكبر من رائحتها الكريهة، «هذا التكدس يفتح الباب أمام مافيا تعمل فى إعادة تدوير النفايات الطبية، وهو ما يعطى احتمالات بانتقال الأمراض والفيروسات لمن يتعاملون مع تلك النفايات بشكل غير حذر، كما أن إعادة تدوير النفايات الخطرة واستخدامها بعد ذلك خطر آخر».
أضاف عطية أيضا المخاطر البيئية الناتجة عن التكدس، إلى جانب احتمال ظهور أمراض وفيروسات جديدة لا يعرف عنها أحد.
ورغم اعتراف الأهالى بأن تكدس النفايات داخل غرفة التخزين ينتج عنه رائحة بشعة، فإنهم رفضوا تفهم أهمية عمل المحرقة وخطورة تكدس النفايات، «لو جنب بيتكم محرقة هاتسيبوها تشتغل وتموت عيالكم».
«دخان المحرقة كان بيوصل لنا داخل بيوتنا، عيالنا جالها المرض الوحش والزرع نشف من التلوث»، ببعض المبالغة شرح الأهالى مشكلتهم مع المحرقة، بينما أكد البعض الآخر أن أطباء من داخل المستشفيات نفسها قالوا لهم إن المحرقة التى تحرق نفايات خطرة يجب أن ينتج عنها سموم و«بلاوى زرقا»، لكن الدخان لم يكن كثيفا كما يصوره الآخرون.
الإهمال فى التعامل مع النفايات الخطرة كان سببا آخر لتحطيم المحرقة ورفض وجودها، حيث أكد ناصر أنه كان يرى الأطفال وهى تلعب بالسرنجات الفارغة وعلب البلاستيك، «بتوع القمامة كانوا بياخدوا البلاستيك يعملوه أطباق وعلب كشرى»، إلا أن الدكتور محمد ثروت المسئول عن إدارة النفايات بمديرية صحة الفيوم نفى هذا الكلام، وقال: «عندنا رقابة صارمة وشديدة على النفايات».
الانبعاثات التى تخرج من محارق النفايات الخطرة سبب الأزمة الحقيقى تحللها جهتان حكوميتان، كلية العلوم وجهاز شئون البيئة بآلات خاصة لقياس الانبعاثات، تقدر أن الانبعاثات فى الحدود المسموح بها بيئيا أم لا. هذا ما أوضحه الدكتور أنور على السويفى المدير الوقائى بمديرية صحة الفيوم، الذى أشار إلى أن المحرقة تحصل على كل الموافقات البيئية قبل تركيبها، وفى حالة تركيب محرقة غير مطابقة للمواصفات يقوم الجهاز بإغلاقها وتغريم المسئول 20 ألف جنيه.
واستنكر السويفى ما ذكره الأهالى عن حالات إصابة بالسرطان، وقال: «لا توجد حالات مسجلة بذلك المرض بسبب المحارق وبعدين فين المكان اللى ما فيهوش مريض بالسرطان أو أكثر؟، كان الأولى يدعو الإصابة بالربو الشعبى أو أمراض الجهاز التنفسى».
أما الدكتور محمد الرفاعى نائب المدير الوقائى أكد أن المديرية عقدت عدة ندوات للأهالى بهدف التوعية بأهمية المحرقة وتوضيح عدم خطورتها إلا أن الأهالى لم يستجيبوا.
محافظة الفيوم التى تخلو الآن من أى محرقة، تحرق النفايات الناتجة عن مستشفياتها فى المدفن الصحى بكوم أوشيم عن طريق ما يسمى «الحرق عا المكشوف»، وهو الوسيلة الأشد خطورة وتأثيرا على البيئة وصحة المواطنين، وصفها الدكتور طارق عيد نائب رئيس القطاع البيئى بوزارة البيئة ب«الكارثة»، لأنها تؤدى إلى تكون سحابة من الغازات السامة أهمها غاز الديوكسين، تظل عالقة فى الجو لفترات طويلة وتتحرك مع الرياح، واستمرار استنشاقها يؤدى إلى أمراض سرطانية، وأخرى معدية.
«قد يخرج من المحرقة بعض الدخان لكنه ليس بالقدر الذى يصوره الأهالى ولا يسبب الضرر الذى يتحدثون عنه»، فكما يشرح عطية مدير الإدارة العامة لصحة البيئة فإن حرق كيس بلاستيك فى الشارع أكثر ضررا من دخان المحارق، «قد يسمح الأهالى بحرق القمامة العادية فى الشارع رغم أن ما ينتج عنها غازات سامة تؤدى للإصابة بأمراض سرطانية، لكنهم يرفضون المحرقة، التى تخلصهم من نفايات قد يتسبب تكدسها فى كوارث بيئية».
«لما القرية يحصل فيها 3 إصابات بالسرطان فى سنة واحدة يبقى المحرقة هى السبب»، الشيخ أحمد إمام المسجد بقرية الكعابى، برر موقف الأهالى من المحرقة، التى تم تركيبها فى الوحدة الصحية القريبة من قريتهم قبل 6 أعوام، مؤكدا أن حرق وتكسير المحرقة كان الحل الأخير، بعد أن لجأ الأهالى للمركز والمديرية والمحافظ ولم يتغير شيئا، «اضطررنا لحرقها بعد ما جريد النخيل دعا عليهم».
متوسط الإنتاج اليومى من النفايات الخطرة بمحافظة الفيوم وفق إحصائيات وزارة الصحة يشير إلى أن المحافظة تخرج 1248 كجم نفايات يوميا من 7 إدارات طبية موزعة على المحافظة التى لا يوجد بها سوى محرقتين.
لم يختلف الحال كثيرا فى محافظة المنوفية التى يخرج منها 2993 كجم نفايات يوميا من 10 إدارات طبية، فمن داخل مستشفى حميات شبين الكوم، توقفت المحارق عن العمل نتيجة اقتحام الأهالى المعترضين لباب المستشفى وتحطيم وحرق المحرقة الأولى، وتوعدهم بالتعامل مع من يفكر فى تشغيل المحرقة الثانية.
المحارق، التى تعمل ملاصقة لمستشفى صدر شبين الكوم، سببت ضررا بدخانها للمطاعم والمحال والمنازل التى تبعد عنها مسافة لا تقل عن 40 مترا، حسب رواية الأهالى، بينما لم تظهر شكوى واحدة من مريض بالمستشفى.
المحرقة قبل البيوت
«لم يكن هناك أى مساكن محيطة بالمستشفى عند إنشائها ووضع المحرقة فيها»، كلمات المهندس محمود مختار مدير عام صيانة مجمع المستشفيات، أكدت أن المحرقة وضعت داخل المستشفى عام 1997، بحيث تكون بعيدة عن العمران، إلا أن المساكن زحفت عليها حتى أحاطت بها من جميع الجوانب.
لم ينكر المهندس محمود خروج دخان من المحرقة، لكنه قال إن ذلك مرتبط بفتح العامل باب المحرقة لوضع «وجبة» كما يسمون كمية النفايات داخل المحرقة، وهو ما يؤدى إلى زيادة نسبة الأكسجين التى بالداخل فيخرج دخان شديد، لا تتعدى مدة خروجه ال 5 دقائق، وتكسير المحرقة أدى لتكدس النفايات لأكثر من 3 أشهر، يتم التخلص منها ببطء عن طريق إرسالها لمحارق أخرى فى المحافظة.
رغم ذلك بدا تعاطف مدير صيانة المستشفى مع شكوى الأهالى، «مستوى مدخنة المحرقة قريب من مستوى المطاعم المحيطة بنا، وهو ما يضر بهم بشكل مباشر»، حتى إن المار بجوار المستشفى أثناء عمل المحرقة كانت تتساقط عليه نقاط لسائل أخضر هو ثانى أكسيد الكبريت».
«ارتفاع المدخنة هو ما يتحكم فى خروج تلك الغازات»، كما قال المهندس أشرف عبدالهادى المسئول عن المحرقة، موضحا أنه كلما زاد ارتفاع المدخنة زادت درجة تكثف الغازات المنبعثة عن الاحتراق، وهو ما يؤدى إلى تساقطه فى الأسفل مرة أخرى بعد أن يصبح ثقيلا.
ارتفاع مدخنة المحرقة بمستشفى شبين الكوم كان يصل إلى 36 مترا، قبل أن ترفضه المصانع الحربية التى تقوم بصيانة المحارق وتطلب تخفيضه إلى 15مترا فقط، وهذا ما يوضحه خطاب المستشفى للمصانع بطلب تعلية المدخنة بعد اعتراض الأهالى، وكان رد الهيئة القومية للإنتاج الحربى «زيادة ارتفاع المدخنة على 15 مترا يسبب تكثيف داخل المدخنة مما يؤدى لحدوث تآكل وانهيار بجسم المحرقة».
«يجب أن تكون المدخنة أعلى ب3 أمتار من أعلى بناية حول المنشأة الطبية وأن تبتعد عن العمران مسافة لا تقل عن 40 مترا»، هكذا أكد الدكتور إيهاب عطية، لكنه أضاف «فى حالة ارتفاع البنايات المحيطة بالمحرقة بشكل كبير وقرب المساكن منها لا نزيد من ارتفاع المدخنة ولكن ننقلها من المكان».
مظاهرة شبين
مظاهرة أهالى شبين الكوم التى تسببت فى احتراق محرقة وتوقف الأخرى عن العمل كانت فى 25 فبراير الماضى، بينما أكد المهندس أشرف عبدالهادى ان تقرير الادارة المركزية لجهاز شئون البيئة فرع وسط الدلتا بطنطا، الذى وصل المستشفى فى 2 فبراير أفاد بأن نتيجة قياس الانبعاثات المتولدة عن المحرقة مطابقة لحدود القانون رقم 4 لسنة 1994والخاص بحماية البيئة من التلوث، كما أوصى بتشغيل المحرقة.
«لا يمكن قياس مدى مطابقة الانبعاثات للبيئة بشكل دقيق 100%، وبعض المحارق كانت بها مشكلات حقيقية»، قال الدكتور طارق عيد، وأضاف أن قلة وعى الناس وخوفها ساهما مع تلك العوامل فى حدوث المشكلة.
القانون رقم 4 لسنة 1994 نص فى مادته ال 28 على «إنشاء وتشغيل وحدات لمعالجة النفايات عند المصدر، أى المنشأة الطبية، بشرط موافقة جهاز شئون البيئة على أسلوب المعالجة وعلى المواصفات الفنية لهذه الوحدات وبرامج تشغيلها»، ونص هذا القانون هو ما يطرح الإشكالية التى تتعارض فيها مشكلات الأهالى مع السماح بالزحف العمرانى على المنشآت الطبية المزودة بمحارق، بالإضافة إلى تعذر توفير أماكن جبلية أو بعيدة عن العمران فى بعض المحافظات لنقل المحارق اليها.
وتشير تقارير معاينة الأضرار فى مرافق الرعاية الصحية المزودة بالمحارق إلى حدوث تلفيات بمحارق فى محافظات قنا وكفر الشيخ والفيوم والمنوفية والغربية وأسيوط، والسبب كما أوردته التقارير «اعتراض الأهالى على مكان المحرقة داخل الكتلة السكنية»، أما فى أبورديس بجنوب سيناء فقد منع الأهالى سيارات النفايات من الوصول للمحرقة كما أوقفوا العمل بها.
حصر الدكتور طارق عيد الأسباب الفنية التى تسببت فى حدوث المشكلة فى عدم وجود صيانة دورية للمحارق نتيجة عدم وجود ميزانية، والتراجع التكنولوجى، الذى تعمل المحارق وفقا له، وأخطاء التشغيل.
ولتفادى أزمة تكدس النفايات وخطورتها وضعت الإدارة العامة لصحة البيئة خطة لحل مشكلة اعتراض الأهالى على المحارق، يشرحها الدكتور إيهاب عطية قائلا: «فكرنا فى إنشاء مجمعات للمحارق خارج الكتل السكنية، وقد تم فعليا تخصيص قطع أراضٍ لمجمعات بأربع محافظات، الغربية والجيزة والقليوبية وسوهاج، بالإضافة إلى شراء 37 محرقة فرنسية تعمل بقدرة 1طن/يوم، مزودة بفلتر لمعالجة الغازات».
الا أن الأهالى عادوا للاعتراض على المجمعات، ففى قرية دفرة بمحافظة الغربية اعترضوا على مكان مجمع المحارق رغم أنه جزء من قطعة أرض مخصصة كمقلب للقمامة، كما توقف العمل بمجمع محارق المنيا بسبب قيام الأهالى بالتعدى على مقاول الأعمال المدنية، وإجبار العمال على ترك العمل، والادعاء بملكيتهم للأرض المخصصة للمجمع، رغم أنها أرض أملاك دولة قام محافظ المنيا السابق بتخصيصها للمجمع لبعدها عن الكتل السكنية، وكذلك كان الحال مع محافظات حلوان سابقا والفيوم.
لم تكن فكرة إنشاء مجمعات للمحارق سهلة لأن تكلفتها عالية جدا وتحتاج لميزانيات خاصة لم تتوافر بوزارة الصحة خلال العام الماضى، والميزانية تم توفيرها، كما أوضح الدكتور طارق عيد، بعد طلب دعم مادى من وزارة البيئة لمساعدة وزارة الصحة، وقد وافق وزير البيئة على دعم بقيمة 3 ملايين جنيه لم يتم صرفها حتى الآن.
«ولا محرقة فرنسية ولا أمريكية ولا غيره، روحوا حطوها عندكم»، بلهجة حادة وقاطعة ونهائية أكد الأهالى رفضهم للمحارق بشكل عام، فالموقف بدا واضحا سواء فى الفيوم أو المنوفية أو الغربية أو قنا أو باقى المحافظات، التى تعدى فيها الأهالى على المحرقة، وأصبح السؤال يدور حول موقف المحارق الفرنسية الجديدة وكيفية التعامل معها.
«الحل الاستراتيجى هو القادر على تخطى المشكلة وعندما تثبت تلك المحارق كفاءتها لن يعترض الناس»، الرؤية المتفائلة للدكتور طارق عيد ظهرت فى كلامه، لكنه شدد على أن تشغيل المحارق الجديدة بأقصى طاقة وتحليل عينات من الغازات المنبعثة منها هو الفيصل فى الأزمة، مؤكدا أنه إذا ثبت أن تلك المحارق غير مطابقة للمواصفات التى طلبتها الوزارة ستتم محاسبة الشركة الفرنسية.
لم يخرج الكيس الأحمر من الغرفة حتى الآن، ولا تنبئ الصورة بخروجه فى وقت قريب، والمؤكد أن دخان المحارق المتوقفة عن العمل لن يخرج، وستستقبل الغرفة مزيدا من الأكياس الحمراء، إلى أن تنتهى الأزمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.