وسط احتفالية خاصة بدار الأوبرا المصرية يحضرها وزير الثقافة حلمي النمنم ولجنة من النجوم تختتم اليوم الدورة 37 لمهرجان القاهرة السينمائى الذى حظى بقدر كبير من التنظيم والنجاح، وتعلن الجوائز التى تنافس عليها مجموعة كبيرة من الأفلام المتنوعة والمميزة من مختلف الاتجاهات الفنية، والعديد من الدول، ويبدو أن الجوائز هذا العام ستكون من نصيب أعمال سينمائية عزفت بكل إحساس على المشاعر الإنسانية، ولعبت فيها التفاصيل الحياتية دوراً مهماً فى قربها من المشاهد. «الوفد» ترصد الأفلام السبعة الأقرب إلي التتويج الليلة في ختام المهرجان. عندما تغرد أوجاع الإنسانية فى «1944» فيلم «1944» من الأفلام التى حظيت بقدر كبير من الثناء عند عرضها وهو الأقرب لاقتناص إحدى الجوائز المهمة كتتويج لعمل فنى مميز يعزف على المشاعر الإنسانية عندما تورطت أستونيا رغم إعلانها الحياد منذ بداية الحرب، داخل خنادق الجنود ستجد قصصاً وأحاسيس إنسانية معبرة عن العام الأخير من الحرب العالمية الثانية فوق الأراضي الأستونية، الرجال يتقاتلون على الحدود بين أوروبا وروسيا، بعضهم تم تجنيده في الجيش الأحمر الروسي، والبعض الآخر جند في الجيش الألماني النازي، قام بإخراج الفيلم «إلمو نوجانين»، وكتب السيناريو الكاتب «ليو كوناس»، وقام بالاشتراك في بطولة الفيلم كل من النجوم «كريستجان أوكاسكولا» و«كاسبر فيلبرج» و«مايكن شميدت» و«هندريك كالمت» و«كارل أندريس كالمت» و«مارت بيوس» و«بريت بيوس»، يبدأون في حرب ومكافحة بعضهم والاختيار بين واجبهم وأصدقائهم وأحبابهم. من المعروف أن المخرج «إلمو نوجانين» من استونيا، عرف باقتباساته الرائعة من المسرحيات الكلاسيكية، ورشح لجائزة الأوسكار عن فيلمه «1944» كأحسن فيلم أجنب لم يعتمد إلمو نوجانين على الإخراج الضخم للمعارك في فيلمه «1944» بل ركز على جانبين من الصراع أحدهما بين أخوين يحارب كل منهما في صفوف أحد معسكري الحرب والآخر صراع داخلي لدى كل منهما حول عبثية القتال.. إنها ويلات ومعاناة شعب استونيا أثناء الحرب العالمية الثانية عندما انقسم أبناء البلد الأوروبي بين جنود الجيش الأحمر وجنود النازي، هناك وسط الدمار تفاصيل إنسانية دقيقة في حياة مجموعة من الجنود الاستونيين، ويعد النص السينمائي عن الصراع الداخلي للجنود في صورة مونولوجات وسيلة لتقديم وجهات نظر مختلفة حول الحرب، وعندما تنتهي الحرب ويذهب الجميع ليضمد جراحه ويكتشف أنه لا مكان له فى أسرته، ومن أشد المشاهد ألماً الجندى الذى أخذ من عروسه بعد الزفاف ويحلم بالعودة إليها، وعندما يعود يكتشف زواجها وإنجابها فينتحر على الفور. «من ضهر راجل».. صورة طبق الأصل من ماضي أبيه وسط هذا الزخم من الأفلام العالمية تواجدت السينما المصرية فى ثلاثة أعمال الأقرب فيها للجوائز فيلم «من ضهر راجل» الذى حظى بنسبة مشاهدة عالية ويدور عن أب فقير يجد في الملاكمة سبيلاً إلى الهرب من فقره هو وأبيه، إمام الجامع الذي رباه وحده بعد وفاة أمه، لكنه يكتشف ماضي أبيه الملوث لتنقلب حياته رأساً على عقب، يهجر الملاكمة ويتحول تدريجياً إلى صورة طبق الأصل من ماضي أبيه. «مادونا» من «كان» إلى «القاهرة»! «مادونا» فيلم كورى برؤية أنثوية لمأساة إنسانية لامرأة من الميلاد إلى الممات..وهو من أجمل الأفلام المقدمة فى المسابقة الرسمية والعازفة بأحداث مغرقة فى التفاصيل والإنسانية والفيلم الكوري «Madonna» عرض من قبل فى مسابقة «نظرة ما» «Un Certain Regard» بالدورة ال 68 لمهرجان «كان»، و«مادونا» هو عمل له مقوماته الخاصة جداً فى كل من النمط البصري للصورة بكل مقوماتها ومفرداتها، إلى جانب البنية السردية التى تستغرق معك فى أدق التفاصيل للبطلة من طفولتها إلى موتها، لقد نجحت الرؤية البصرية لمدير التصوير على التركيز على ضبابية المشهد من خلال ظلال باردة وزوايا الكاميرا التى تزيد بالإحساس بعدم الراحة، وكأنك مقدم على مشاهدة أحد أفلام الجريمة أو الرعب.. والسيناريو وجه نظر المشاهد فى البداية إلى أنك مقدم على رؤية مؤامرة فى المستشفى تحاك ضد البطلة المسجاة على سريرها فى انتظار إعلان موتها إكلينيكياً لنزع قلبها، ولزيادة الإثارة استخدمت المخرجة الفلاش باك الطويل من وقت إلى آخر للتعرف على الوجه الآخر لتلك العاهرة التى أصيبت فى حادث طريق ما عرضها إلى إصابة مميتة، والمسماة مادونا، لنعيش مأساتها منذ الصغر بسلسلة متواصلة من الإهانات التى تتعرض لها بكل قسوة ووحشية، لتظهر مدى ضعفها، وعجزها أمام هذا السيل من الإساءات التى لحقت بها. وكل مشهد تضيفه المخرجة من الفلاش باك يعطيك انطباعاً بأنك مقدم على رؤية جريمة مكتملة الأركان، خاصة أن المحركة للأحداث هى فتاة تدعى «هي ريم» تعمل ممرضة، تعالج مريضاً مشلولًا، بينما يحاول ابن المريض «سانج وو» الغني غناء فاحشاً، والفاسد إلى حد فعل أى شىء من أجل مصلحته الشخصية التى تكمن فى إبقاء أبيه على قيد الحياة من أجل المال، لأن والده قد تبرع بعد وفاته بثروته الطائلة للجمعيات الخيرية، ومن هنا يبدأ الصراع غير المعلن وغير المبرر من قبل «ريم»، وهى امرأة في الخامسة والثلاثين، كل المعلومات المقدمة عنها أنها وجدت عملاً في مستشفى في رعاية متخصصة لرجل مشلول في جناح «vip»، وهذا الرجل هو مالك المستشفى، وظل ابنه «سانج وو»، لمدة عشرة أعوام عاملاً على إبقائه حياً بأي وسيلة، لذلك أجرى العديد من عمليات زرع القلب التي تفشل باستمرار، لذلك من المبرر دراميا لشخصية «سانج وو» أن يفعل أى شىء للحصول على قلب امرأة مجهولة تحتضر كتبرع لوالده، حتى لو كان ذلك برشوة كل الموجودين بالمستشفى لكتابة تقرير يؤكد الموت الإكلينيكى لمادونا، أما «هي ريم» التى تبدو عملية للغاية ولا دور للمشاعر الإنسانية فى حياتها، فكل ما تفعله من أجل المحافظة على مادونا تحت جهاز التنفس يجعل المشاهد متعجباً، خاصة أنها سيدة شبه ميتة حتى لو اكتشفت أنها حامل وعلى وشك الولادة، وأنها يجب أن تنقذ الطفل لأن شخصية الممرضة بعيدة تماماً كما تبدو عن اتخاذ الموقف إلا لو كان هناك سبب آخر، فتدخل فى مغامرة للبحث عن خلفية هذه المرأة، تكتشف «هي ريم» أن المرأة كانت عاهرة تشتهر باسم «مادونا» مرت بالعديد من التجارب المأساوية، وحالة البحث تظهر الجانب الخفى لمادونا من طفلة كانت تهان بشكل مستمر من قبل صديقتها فى المدرسة ليس فقط لفقرها وسمنتها المفرطة فى الطفولة، ولكن لخوفها الدائم من كل شىء ووحدتها. ومن أجمل المشاهد الإنسانية التى برعت فيها المخرجة تقديم حبات المطر المتساقطة على شعر مادونا فتملأ وجهها باللون الأسود إثر ذوبان صبغة شعرها الرديئة ما جعلها مجالاً للسخرية من أقرانها. وتستكمل المخرجة استخدام أسلوب الفلاش باك لنرى اغتصابها من قبل سائق رغم عذريتها وحالة القسوة والعنف التى عاملها بها المغتصب، تلك الحادثة التى حولتها إلى عاهرة بالشكل الكلاسيكى للدراما فى السينما التقليدية، ومع هذا يظل المشاهد متعاطفاً معها، خاصة أنها تحاول المحافظة على حملها بكل الطرق رغم ما تتعرض لها من أذى نفسى وجسمانى. ثم تستخدم المخرجة فلاش باك متوازياً لحياة «هي ريم» لنكتشف السبب المنطقى لإصرارها على الدفاع عن جنين مادونا من خلال مشهد غاية فى القسوة، لنرى أنها كانت حاملاً من علاقة غير شرعية وقيامها بالولادة بمفردها على أحد الشواطئ المهجورة، ثم وضعها للجنين فى شنطة سفر مع حجر كبير والقذف به فى البحيرة للتخلص منه!.. مشهد استخدم فيه مدير التصوير بمساعدة الإضاءة الخافتة لزوايا تجعله أكثر قاتمة ووحشية، مع صمت خيم على المكان كأنه شاهد على تلك الجريمة البشعة للممرضة «هي ريم» التى تحاول التكفير عنها بإنقاذ طفل مادونا! «مدام كوراج».. «علواش مازال كما هو» مازالت السينما العربية قادرة على تقديم سينما مميزة لها مفرداتها الخاصة، وهذا ما نراه فى فيلم من إخراج مرزاق علواش، الذى تناول قصة «عمر» الشاب المراهق الموجود فى عشوائيات ضاحية مستغانمبالجزائر، المدمن لأقراص يطلق عليها «مدام كوراج»، الموجودة بكثرة بين الشباب وهو لص متمرس، لذلك يسرق عقد «سلمى»، ولكنه يعجب بها، ويتعقبها.. إنه عمل يقدم واقع الجزائر، وفيه يظهر علواش، كعادته في أفلامه الأخرى، منتقداً المجتمع الجزائري، والبؤس والتهميش الاجتماعي، مستعرضاً حياة المهمشين واللا منتمين. «مينا» تسير.. مأساة أفغانستان فى صورة طفلة نموذج رائع لفتاة أفغانية عمرها 12 عاماً تقاوم مصاعب الحياة، معبرة عن حياة آلاف الأطفال، خاصة الفتيات في بلد يعاني الحرب منذ عقود طويلة، تعيش الفتاة «مينا» مع والدها وجدها المريض بعد أن توفيت والدتها إبان حكم حركة طالبان لأفغانستان وتتحول مع الوقت إلى ربة المنزل والمعيلة للأسرة في ظل إدمان والدها للمخدرات وجلوسه دون عمل.. ورغم اضطرارها للخروج يومياً إلى السوق لكسب ما يكفي دواء جدها وإطعام الثلاثة إلا أن «مينا» تصر على الذهاب للمدرسة والتعلم لأنها تؤمن أن «التعليم هو طريقك لمعرفة نفسك ومن ثم طريقك لمعرفة الله» يتوفى الجد وتبحث «مينا» عن أبيها حتى تجده في أحد أوكار المخدرات وهو في حالة انتشاء، وتحاول عبثاً إفاقته لدفن أبيه لكن دون جدوى وتتحمل هي عبء الجنازة بمساعدة الجيران وأصدقائها ممن يبيعون بضاعتهم في الشارع. يزيد من معاناة «مينا» شخص اسمه «بشير» هو مثل الأخطبوط يمد أطفال الشوارع بالبضائع التي يبيعونها في الأسواق ويقتسم معهم الربح كما يتاجر في المخدرات ويبيعها لوالد «مينا» الذي يدفع له من الأموال الشحيحة التي تتكسبها الفتاة. تبحث «مينا» عن مخرج تخلص به والدها من سيطرة «بشير» فلا تجد سوى الذهاب للشرطة والإبلاغ عنه بوصفه انتحارياً، وبالفعل يقتل «بشير» على يد رجال الأمن لكن ما كانت الفتاة الصغيرة تظنه حلاً لمشكلاتها تحول إلى كابوس أكبر. يعلم سكان المنطقة والبائعون في السوق أن «مينا» هي من أبلغت عن «بشير» فينبذونها ويرفض الجميع التعامل معها لأنها في نظرهم «واشية» وتوصد في وجهها جميع أبواب الرزق، وبعد أن يدرك الأب تماماً أن «الدجاجة التي تبيض ذهبا» لن تأتي بمزيد من الأموال وبعد وفاة الجد الذي كانت ترعاه لا يجد حرجاً في بيعها لعريس مسن قد يتجاوزه في العمر حتى يقبض مهرها وينفقه على المخدرات. لم تجد «مينا» ملاذاً سوى الهرب من هذه الزيجة وترك البيت لكن المصير الذي ينتظرها ليس أفضل مما هربت منه فهي الآن في طريقها للتحول إلى شحاذة في طرقات كابول. الطريف أن جميع المشاركين في الفيلم من الهواة وممثلي المسرح في أفغانستان وليس بينهم أي محترف بمن فيهم البطلة. الفيلم من إخراج وتصوير وسيناريو يوسف باراكي «26 عاماً» وسبق عرضه في مهرجان برلين السينمائي الدولي، الفيلم تعرض إلى معاناة أفغانستان. «الشمس الساطعة» و«حياتنا اليومية» الفيلم من إخراج داليبور ماتانيتش، ويدور حول ثلاث قصص من ثلاثة عقود زمنية مختلفة في قريتين متقاربتين في البلقان، يجمعهما تاريخ طويل من الكراهية العرقية. الفيلم شارك في مهرجان كان السينمائي هذا العام وفاز بجائزة لجنة التحكيم في «un certain regard» بالإضافة لمشاركته في العديد من المهرجانات الدولية وفوزه بإحدى عشرة جائزة أخرى كأفضل فيلم، وكذلك عن الإخراج والتمثيل. قال النقاد الدوليون عن الفيلم: إنه سيمفونية عن الحرب التي بدأت في يوغسلافيا عام 1991 حتى 2001، فعلى الرغم من أن الفيلم تدور قصصه عن الحب، إلا أنه خلف القصص والشخصيات سنجد أشخاصاً ناجين من الحرب، يربطهم جسر من الألم، والشعور بالذنب، والرغبة في الخلاص.. وهناك فيلم «حياتنا اليومية» من البوسنة، وإخراج أنيس تانوفيتش، فى المسابقة الرسمية للمهرجان، كما تم ترشيحه للمشاركة فى جائزة ال«أوسكار» عن فئة «أفضل فيلم أجنبى» لعام 2016. «بولينا» نظرة مختلفة للاغتصاب بولينا امرأة مختلفة مستحيل أن تجد نموذجاً مماثلاً لها فى الحياة تترك مهنتها كمحامية ناجحة في بوينس آيرس للمشاركة في النشاط الاجتماعي في وطنها على الحدود بين الأرجنتين وباراجواي والبرازيل، بعد أسبوعين من العمل في أحد الأحياء العشوائية المهمشة تتعرض لاعتداء وحشي من قبل إحدى العصابات، على الرغم من قسوة الاعتداء لا تهرب باولينا، ولكنها تزداد إصراراً على البقاء وتحدي كل الصعاب فى تلك الأحياء الشعبية المهمشة، الفيلم شارك في مهرجان كان السينمائي الدولي لعام 2015 وحاز جائزتين أهمهما «جائزة أسبوع النقاد الكبرى»، كما شارك في مهرجان ميونيخ الدولي. ويستعرض صدمة ما بعد الاغتصاب، والتعقيدات النفسية التي تمتد من الضحية إلى المحيطين بها من أقاربها وأصدقائها، ثم إلى الجناة.. والمخرج قام بعرض تلك القصة بطريقة غير تقليدية، فكانت المواجهات الدائمة بين بولينا ووالدها، الذي كان معترضاً على قراراتها طوال الوقت عظيمة، كما أجبرت بولينا علي أن تعترف أخيرًا بعمق ألمها في مشهد النهاية.. المخرج سانتياجو ميترا ولد في بيونس آيريس في الأرجنتين عام 1980، درس في جامعة السينما، عام 2004 شارك في إخراج الجزء الأول من فيلم «الحب».. وقد عرض الفيلم ضمن أسبوع النقاد في مهرجان فينسيا، في عام 2006 بدأ في الكتابة للسينما والتليفزيون، حيث قام بتأليف ثلاثة أفلام عرضت كلها في مهرجان «كان»، وهي «ليونارا 2008» عرض في المسابقة الرسمية، و«كارنشو 2010» و«الفيل الأبيض 2012» عرضا في قسم «نظرة ما».