كثر الحديث هذه الأيام عن السينما المستقلة، وأكد البعض أنها الحل الوحيد للخروج من أزمة السينما المصرية، بعد الارتفاع الشديد في تكلفة الافلام التي يلعب بطولتها أي من نجوم الشباك، وكانت بعض الافلام التي تنتمي لتيار السينما المستقلة، قد نالت عدة جوائز في مهرجانات عربية وعالمية خلال الاشهر القليلة الماضية ومنها فيلم »ميكروفون« للمخرج أحمد عبد الله، وفيلم الحاوي للمخرج إبراهيم البطوطي، وعن مستقبل السينما المستقلة في مصر قدمت قناة »نايل سينما« حلقة من برنامج »ستوديو مصر«، استضافت فيها بعض السينمائيين" المخرج أحمد رشوان وإبراهيم البطوطي" وبعض المهتمين بقضايا الإنتاج السينمائي، وأدارت النقاش المذيعة ماجدة القاضي، واختلف بعض الحضور حول مصطلح السينما المستقلة، واستغرق الكاتب خالد الخميسي مساحة كبيرة من وقت البرنامج في تأكيد رفضه لمصطلح السينما المستقلة لأنه من وجهة نظره مصطلح أمريكي والافضل استبداله بمصطلح السينما البديلة! وسواء استقر الأمر علي تسميتها بالسينما البديلة أو المستقلة فهي تعني السينما قليلة التكاليف التي لا تستسلم لفكرة الاستعانة بالنجوم، وتقدم أفكارا جديدة غير نمطية، وبعيدة عن الموضوعات التجارية المستهلكة، وهي سينما تلقي تقديراً واحتراماً من المهرجانات العالمية، ولكنها حتي الآن لا تجد فرصاً للعرض في دور السينما المصرية، التي تسيطر عليها شركات الإنتاج الكبري التي تفضل الافلام التجارية علي رداءتها لأنها من وجهة نظر تلك الشركات تحقق إيرادات مرتفعة حتي لو كانت من عينة »ولاد البلد«، و»اللمبي 8 جيجا«! ونظراً للصحوة المفاجئة التي يعيشها برنامج استوديو مصر، وخطته في طرح القضايا السينمائية بأسلوب يحمل قدراً واضحاً من الجدية والمتعة، فقد اختار أن يفتح في الحلقة التالية من البرنامج التي أذيعت مساء الجمعة، باب المناقشة حول مستقبل السينما التسجيلية تحت عنوان »سينما بلاشباك تذاكر«، وكان من ضيوف البرنامج الفنان محمود حميدة، ومدير التصوير سعيد شيمي، والمخرج عز الدين سعيد والناقد عصام زكريا، والمخرجان الشابان مني العراقي صاحبة فيلم "طبق الديابة"، وفوزي صالح مخرج فيلم "جلد حي " وهو الفيلم الذي أنتجه محمود حميدة وفاز مؤخرا بجائزة من مهرجان الدوحة تربيكا، وأدرات ماجدة القاضي الحديث عن أهمية السينما التسجيلية والافلام القصيرة وجهة تمويلها، والازمة المزمنة في عرضها، وانتهي النقاش لأن فرصة العرض الوحيدة أمام تلك الافلام هي شاشه التليفزيون وهنا تم الاتصال برئيس الاتحاد اسامة الشيخ الذي أبدي حماسه الشديد لعرض الافلام التسجيلية المميزة علي قناة نايل سينما، والمساهمة ايضا في تمويلها وعندما سألته المذيعة عن الجهة التي يلجأ اليها من يملك مشروعا لفيلم تسجيلي قال لها يا إما يروح لقناة السينما أو يجيلي شخصيا، وهنا لابد وأن تدرك ان المشروع لن يتم، لأن قناة السينما التي يرأسها عمر زهران ليس بها من يستطيع الحكم علي المشروعات السينمائية المقدمة واختيار الجيد بها لإنتاجه، ثم أن رئيس الاتحاد نفسه غير مهيأ لهذه المهمه، فجدوله مزدحم بمسئوليات جسام ومشاكل لا حصر لها ثم إنه دائم الأسفار، بما يعني أن فكرة تمويل الافلام التسجيلية سوف يظل حلما لا يتحقق إلا إذا تم تخصيص إدارة مستقلة لتقديم للإشراف علي الافلام التسجيلية، وهنا طرح الناقد عصام زكريا مشكلة لم تكن في حسبان أطراف المناقشة، وهي كيف يمكن ان تتصرف رقابة التليفزيون مع الافلام التسجيلية التي تتسم موضوعاتها بالجرأة والصراحة وكشف مشاكل المجتمع وعيوبه، بدون محاولات لتجميل الحقيقة التي قد تسبب للمسئولين حرجاً وإزعاجاً، وحاول المخرج عز الدين سعيد وهو يعمل موظفا في التليفزيون أن يؤكد أن كل شيء تمام وأن الرقابة في التليفزيون أصبحت علي درجة من الوعي والنضج ويمكن أن تسمح بتمرير أي افكار تقدمها الافلام التسجيلية حتي لو كانت تحمل صدمة للمجتمع وتكشف عيوبه، ولكني اؤكد له أن هذا لن يحدث والرقابة التليفزيونية لم ولن تتغير إلا إذا تغيرت اشياء كثيرة في مصر! وهذا لن يحدث إلا بعد أن يأذن الله بالتغيير الجذري! وأذكره بما حدث مع الناقد والمخرج الراحل سامي السلاموني الذي قدم في نهاية الثمانينيات فيلما تسجيليا قام بتصويره سعيد شيمي كان يحمل اسم "الصباح" من إنتاج أفلام التليفزيون "ايام ممدوح الليثي"، وقد تم منع عرض الفيلم نهائياً علي شاشة التليفزيون المصري رغم أن الفيلم من إنتاجه، بحجه أنه يسيء للشعب المصري، ليه يا سيدي؟! عشان المخرج قدم مشاهد زحام وسائل المواصلات في الساعات الاولي من الصباح، واكتظاظ أتوبيسات النقل العام بكتل من البشر، والمصيبة أنه قدم ايضا مشاهد تصور تجمهر الناس علي عربات الفول المدمس، وعربات الكارو وهي تحمل أكوام الزبالة وتتهادي وسط هذا الزحام اليومي وتتساقط محتوياتها في الشارع مرة أخري! ويقال إن وزير الاعلام الاسبق صفوت الشريف شعر بالغضب الشديد وصب لعناته علي ممدوح الليثي، الذي استوعب الدرس جيداً، وقدم بعد ذلك عشرات الأفلام التسجيلية عن جوامع القاهرة ومآذنها ومعالمها الأثرية فيما يشبه الاعتذار، ومنع سامي السلاموني من دخول مبني التليفزيون مرة اخري! وسلملي علي مستقبل الفيلم التسجيلي!!