ميريل ستريب هى أيقونة وسر إبداع فيلم الافتتاح لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى من خلال إطلالاتها المختلفة فى فيلم ريكى وفلاش Ricki and the Flash؛ فالتجربة التى تقدمها ميريل فى هذا العمل مختلفة تماماً عن أعمالها السابقة، وأعتقد أن هذا الفيلم كان سيفقد الكثير ويتحول إلى فيلم متوسط القيمة فى حالة قيام ممثلة أخرى بالدور، لأن قدرة «ستريب» على إحداث عنصر المفاجأة للمشاهد للشخصية التى تؤديها هى السر الحقيقى لهذا الفيلم، فالمخرج جوناثان ديم الحاصل على جائزة الأوسكار 1991 كأفضل مخرج عن فيلم صمت الحملان؛ كان موفقاً عند اختيار ميريل ستريب للدور لأنها أعطت للشخصية التى تؤديها مذاقاً إنسانياً مختلفاً، فى هذا الفيلم تلعب ميريل ستريب دور «ريكى» كاسم شهرة لمغنية روك أما اسمها الحقيقى (ليندا)؛ ومع أول مشهد فى العمل تنسيك «ستريب» عمرها الحقيقى الذى جاوز 66 عاماً بهذا القدر من الحيوية والرقص والغناء والأحاسيس المفعمة بالانطلاق.. إننا أمام قيثارة تعزف على قيثارة، امرأة تتداخل عندها الحدود ما بين فنانة ضحت بكل شىء من أجل موسيقى ال «روك»، ومفلسة، وبين الأم التى تلبى أول نداء لأمومتها؛ والمخرج عزف فى البداية على حالة البؤس التى تحياها فهى تغنى وتسعد المحيطين، ويتعامل معها مستمعوها كنجمة، ولكنها نجمة فى حالة جمهورها ثابت ومحفوظ بالاسم، وما تحصل عليه لا يكفى لمعيشتها فتعمل فى «سوبر ماركت»؛ تطبق عليها قوانين العمل فى هذا المكان بكل ما فيها من قسوة وعدم آدمية بأن الزبون دائماً على حق؛ وأن الابتسامة هى الرد على أى سخافة أياً كانت (طبعاً هذا غير مطبق فى مصر).. إنها نجمة «روك» من نوع خاص، حياتها ليس بها الصخب المعتاد لحياتهم.. وكالمعتاد ميريل ستريب لها قدرة على نقلك من حالة إلى الأخرى بسرعة نطقها للكلمات فبمجرد تلقى مكالمة من زوجها السابق يخبرها بأن ابنتها تتعرض لأزمة نفسية حادة؛ نجدها تتحول من مغنية الروك إلى الأم التى ترحل لإنقاذ ابنتها. تسافر من كاليفورنيا إلى إنديانا بوليس، المدينتان هذان المكانان مختلفتان فى كل شىء؛ الرؤى الاجتماعية وطبيعة البشر وربما هذا ما أراد المخرج توصيله لنبتعد عن شخصية «ريكى» بكل ما تمثله من مغنية روك لننقل إلى ليندا الأم؛ ويعطى المخرج لقطات دقيقة للمكان، الذى يعيش فيه الزوج السابق وأولادها لأن المكان يلعب دوراً فى بناء المعنى، ويشير إلى تصرفات الشخصيات الموجودة به، وربما نتعرف إلى شخصية زوجة الأب قبل أن نراها من تلك اللوحات التى تشير إلى كونها إنسانة منظمة وتعتنى بكل شىء، وتتناسق معه، وبصمتها ليست فى المكان فقط ولكن الأشخاص أيضاً أنها مسيطرة على المظهر والمزاج الشخصى للموجودين بالمنزل، وللهوس بالدواء الذى تعانى منه تلك الأسرة لذلك لم يكن غريباً أن المحاولة الانتحارية للابنة كانت بالأدوية، وحالة التبدل فى شخصية البنت من رافضة للأم التى تركتها من أجل تحقيق حلم الغناء تتبدل إلى علاقة إنسانية فسرها السيناريو بأنها تحت تأثير المخدر، وهذا تفسير منطقى لتبدل لحظات الصدام، إلى حالة من الوئام، وخاصة أن البنت توافق على الذهاب إلى الكوافير وتبديل ملابسها الرثة رغم أنها تعانى من اكتئاب مزمن؛ أما حالة الشرخ الإنسانى التى حدثت بين الأم وأولادها بعد تركهم لها نشاهدها بكل تفاصيلها من خلافات تمنع تنظيم عشاء عائلى حميم، الكل يتبادل الاتهامات مع الأم ويحاول جرحها بكل قسوة، حتى الابن المرحب بوجودها نجده يحاول التنصل من فكرة دعوتها إلى حفل زواجه، ولكن الأم تحاول جاهدة تعديل الموقف واحتواء الجميع.. تعود ليندا إلى البيت مع الزوج السابق وبأداء أغنية موجعة تعزف على مشاعر مازالت موجودة لديه تجاهها وتظهر رغبة البنت فى التمسك بالأم لإنقاذه وكأن كل واحدة منهن تعالج الأخرى، وإذا كان الفيلم يعبر عن الانطلاق داخل الأم المتمثل فى انتمائها إلى «روك» رمزاً للتعدد الثقافى، إلا أنها تجد صعوبة فى تقبل العلاقات المثلية لابنها..المخرج جعل فرقة ريكي؛ مستنبطة من روافد أفريقية ولاتينية، وهنود وأفرو - أمريكيين وبيض يزينهم الوشم ليعبر عن هذا المزيج من التداخل فى شخصيتها. والفيلم من تأليف ديابلو كودى كاتبة وصحفية أمريكية من مواليد 14 يونية 1978 حاصلة على جائزة الأوسكار وجائزة بافتا عام 2007 لأفضل نص سينمائى عن فيلم جونو.. وشارك فى الفيلم «مامى جومر» وهى ابنة ميريل ستريب فى الحقيقة، وهى معرفة بدورها كإيميلى أوينز فى المسلسل التليفزيونى الطبيبة إميلى أوينز، ويلعب كيفين كلاين، دور الزوج وهو حاصل على جائزة الأوسكار 1988 لأفضل ممثل مساعد عن دوره فى فيلم «سمكة اسمها واندا»، أما سباستيان ستان، فيلعب دور الابن وهو ممثل رومانى أمريكى بدأ مسيرته الفنية عام 2003، معروف بدور باكى بارنز فى فيلمى كابتن أمريكا، المنتقم الأول وكابتن أمريكا: جندى الشتاء، ويشارك ريك سبرينجفيلد، بدور عازف الجيتار الذى يصغرها سناً ويحبها ويعيش مأساة ترك أولاده ورفضهم له.. وفى الواقع أن أجمل ما فى الفيلم هو اكتشاف الممثلة الفائزة بجائزة الأوسكار مرات عدة، ميريل ستريب موهبتها فى موسيقى الروك فلقد برعت فى دور الأم التى تركت عائلتها للسعى وراء حلم الروك آند رول، ومع أن «ستريب» قامت بالغناء سابقاً أمام الكاميرا فى أفلام مثل «ماما ميا» فإن الممثلة الكبيرة تقول إنها لا تشعر بالثقة إلا عندما تغنى بالأفلام، وحول الشخصيات التى قدمتها سابقاً، قالت للصحفيين فى العرض الأول للفيلم قبل أيام: «هن مختلفات، كل شخصية مختلفة.. فى كل مرة قمت بالغناء كان الأمر مختلفاً لأنهن نساء مختلفات»، و«لا أعتقد أن لدى الجرأة للغناء أمام الناس.. ضعنى داخل إحدى الشخصيات وأنا سأغنى»، ولقد تعلمت «ستريب» عزف الجيتار من أجل الفيلم، الطريف أن بعد نجاحها فى التمثيل مع ابنتها قالت مازحة: «سأقدم كل فيلم من الآن مع بناتى». ومن أجمل ما فى الفيلم حالة التشابك الإنسانى بين الأم التى ولدت والزوجة التى ربت فكلتاهما ترى أنها صاحبة الفضل على الأولاد، وإن كنت ستتعاطف فى ذلك المشهد مع الاثنين وخاصة أن زوجة الأب مورين «أودرا آن مكدونالد» أدت الدور بإنسانية عالية وهى ممثلة ومغنية أمريكية ولدت فى يوم 3 يوليو 1970 فى مدينة برلين عاصمة ألمانيا؛ مثلت فى عدة مسلسلات ومسرحيات وأفلام مثلت فى مسلسل ممارسة خاصة والذى عرض من 2007 إلى 1013 وقد فازت بجائزة تونى 6 مرات، ورغم إجبارها «ريكى» على الرحيل من المنزل إلا أنها ترسل إليها دعوة لحضور حفل زواج ابنها ولأن «ريكى» لا تستطيع تحمل نفقات الذهاب، لذلك يبيع حبيبها أفضل جيتار يملكه لدفع ثمن التذاكر، ويسافر معها إلى حفل الزفاف حيث تغنى للعروس والعريس، كهدية زواج لينتهى الفيلم والجميع يرقص كتعبير عن المصالحة وذوبان الجليد بين الجميع على الطريقة المصرية!