في مسرحية "المتزوجون"وقف الفنان سمير غانم يحكي لزوجته قصة بطولته في إنقاذها من الغرق في المجاري عندما سقطت سيارتها في البالوعة، وقال: أنا سمعت هيصة قلت أروح أتفرج زي بقية الناس، فجأة لقيت نفسي في المستشفى، أموت وأعرف مين اللي زقني". تلك الرواية الكوميدية التي ضحكنا عليها كثيرا تتكرر الآن في مصر في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير. الشعب كان "طهقان" و"قرفان" و"زهقان" من مبارك ونظامه، سمع إن فيه ناس، مش عارف هما مين، ولا أهدافهم إيه، طالعين في مظاهرة يوم 25 يناير بيقولوا "إصلاح حرية عدالة اجتماعية"، خرج بعض الناس معاهم. في يوم 28 يناير، طبيعي الناس كلها طالعة تصلي الجمعة في المساجد، هتف قادة الثورة: الشعب يريد إسقاط النظام، خرج بعض المصلين معاهم، رايحين فين يا أخوانا؟، رايحين التحرير، طيب نروح معاكم، خلونا نخلص من النظام اللي قرفنا 30 سنة. 18 يوم وتنحى مبارك، الله أكبر، نجحت الثورة، سقط رأس النظام، يلا نبني بلدنا. لا النظام لم يسقط. لسه شفيق، طيب سقط شفيق. لا لسه أمن الدولة. طيب هنخليه الأمن الوطني. لا لسه الداخلية زي ما هيه. طيب وزير جديد وتغيير شامل في القيادات. لا عاوزين الجيش يسلم السلطة. طيب نعمل انتخابات. لا إحنامش جاهزين. عاوزين نمد الفترة الانتقالية. طيب نأجل الانتخابات شوية. لا مبارك يتحاكم. طيب جبناه وحطيناه على سرير في القفص. لا لسه عاوزين جدول زمني لتسليم السلطة. طيب نعلن نظام الانتخابات. لا مش عاجبنا النظام ده، مش عاوزين انتخابات بالنظام الفردي خالص. طيب وإيه مشكلته؟. علشان هيجيب الفلول. طيب ولو الشعب اختار الفلول في انتخابات نزيهة هو حر هي مش ديمقراطية ولا إيه؟. لا المسار ده مش عاجبنا، عاوزين نصححه. يخرب بيوتكم، تصحيح ايه ده، البلد ولّعت. لا مش إحنا اللي عملنا كده، دي كائنات فضائية اكتشفنا أنها على اتصال بالفلول هي اللي عملت كده. معلون أبو الفلول، يا عم ما إحنا كنّا مرتاحين من الهم ده، يا أخي زهقتونا، خليتونا نقول فين أيامك ياريس؟؟. هذا هو الحوار الهزلي اليومي الذي أصبحنا "ننام ونصحى" عليه منذ تنحي مبارك. الطرف الذي يحاول أن يرمي كل "بلاوي" البلد على الفلول والثورة المضادة وأتباع النظام البائد هم بعض عناصر ائتلاف شباب الثورة وبعض الحركات الأخرى وعلى رأسها 6 إبريل، والطرف الثاني للحوار هو الشعب المطحون الذي سار خلف هؤلاء من أجل إسقاط النظام، ولكن الهدف لم يكن مبارك ونظامه فقط، بل هو أوسع من ذلك، الهدف هو مصر، التي خرجت من ثورتها سريعا، وبأقل قدر ممكن من الخسائر، وهذا لم يعجب بعض المتآمرين ومنهم من دعوا إلى الثورة وقادوها ووهم أنفسهم الذين دعوا إلى مليونية تصحيح المسار، وعندما فشلت فشلا ذريعا، تحركوا بقيادة الالتراس إلى مقر وزارة الداخلية وإلى السفارة الإسرائيلية وإلى مديرية أمن الجيزة والسفارة السعودية، وحدث ما شاهدناه جميعا. لماذا تحدث تلك الأحداث المؤسفة كلما اقتربنا من موعد الانتخابات؟، رأيي بصراحة أن الائتلافات والحركات الثورية رصيدها يقترب من "الصفر" لدى الشارع، ولن يكون لها دور في البرلمان، ومرشحها في الرئاسة وجوده في الشارع معدوم تقريبا، وبالتالي فالبرلمان سيكون للإخوان، محترفو السياسة وأحد أقوى عوامل نجاح الثورة، وفلول الوطني وممثلين للأحزاب القديمة، وسيذهب منصب الرئيس لواحد من المؤسسة العسكرية أو "فل"، مفرد فلول، من النظام السابق، أو مرشح إسلامي، وألف مليون سلامة لبعض الحركات الثورية التي ستنضم لطابور البطالة السياسية لأن أجندتها مقتصرة تقريبا على المليونيات والاحتجاجات وهي طريقتها الوحيدة للتواصل مع الشعب. نعود لحادث السفارة الإسرائيلية مرة أخرى، هناك نقطة "فاصلة" من وجهة نظري المتواضعة لم ينتبه إليها الإعلام المصري "المضلل" بكسر اللام، وهي الاستغاثة التي أطلقتها إسرائيل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لحماية سفارتها في القاهرة. يعني الهدف بمنتهى الوضوح تصوير مصر على أنها غير قادرة على حماية السفارات والمصالح الأجنبية وهو ما يستدعي التدخل الأجنبي، وهو السيناريو الذي حدث في ليبيا، مع اختلاف الأسباب، ويريد المتآمرون تكراره في مصر بصورة أخرى. ممكن يطلع واحد "حافظ مش فاهم" يقول وفين الشرطة والجيش من اقتحام السفارة؟، مش دي مهمتهم برده إنهم يؤمنوها؟. ولو الشرطة والجيش استخدموا القوة في التعامل، تبقى دي قوة مفرطة واللي مات شهيد واللي ضربه يستاهل الإعدام!!!. عندما قامت أمريكا بغزو العراق عام 2003، لم تفعل ذلك فجأة، ولكن كانت المؤامرة منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، وتدمير الجيش العراقي في حرب الخليج عام 1991 ثم تدمير العراق كدولة لمدة 12 عاما حتى جاء موعد الغزو، وسقط العراق. أقول رأيي وهذا اجتهاد، إن أصبت لي أجران، وإن أخطأت فلي أجر الاجتهاد، والله يعلم أنه من قلب محب لمصر. مصر أكبر من مبارك ونظامه والمجلس العسكري والحكومة والائتلافات ومن الثورة نفسها. يا ولاد مصر المخلصين، خدوا بالكم منها، وشغلواعقلكم شوية، وبلاش تمشوا ورا ناس عاوزه تغرق البلد، فيه "شعرة" بين إسقاط النظام وإسقاط الدولة، الشعرة دي واضح جدا دلوقتي مين عاوز "يقطعها"، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.