تفتح أزمة الدولار ملفات جدل متعددة حول السلع المستوردة التى تُمثل أكبر ضغط على العملة الأجنبية. وتأتى قضية تزوير الفواتير الخاصة بتلك السلع للتهرب من الرسوم الجمركية كإحدي وسائل تلاعب المستوردين لإدخال منتجات وسلع من مُختلف دول العالم إلى مصر بأسعار غير حقيقية. المشكلة المتصاعدة ساهمت فى ارتفاع حجم الواردات إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال العام الماضى وساعدت فى كساد شديد للسلع المحلية المثيلة، وهو ما دفع الحكومة والقطاع الخاص إلى ضرورة الاتفاق على أسعار استرشادية لكافة السلع المستوردة حتى يُمكن كشف ضرب الفواتير. المهندس مجد الدين المنزلاوى رئيس لجنة الجمارك باتحاد الصناعات كشف وقائع التزوير المُتعددة فى فواتير الاستيراد، وقال إن اللجنة تلقت شكاوى عديدة من الشركات الصناعية حول ادخال سلع ومنتجات من الصين ودول جنوب شرق آسيا إلى مصر بفواتير «مضروبة» حيث تحمل أسعارا تقل عن 10% من القيمة الحقيقية للسلع . وأوضح أن الغرض من ذلك هو تقليل ما يتحمله المستوردون كرسوم جمركية عن السلع التى يقومون باستيرادها. والحل كما يكشف «المنزلاوى» هو عمل أسعار استرشادية لكافة السلع التى تتضرر الصناعة المحلية من وارداتها وتقديمها إلى مصلحة الجمارك لكشف أى عمليات تزوير للفواتير من خلال المطابقة بين الأسعار الاسترشادية والأسعار الواردة فى الفواتير. وقال: إن هذا الإجراء يتسق مع قواعد اتفاقية الجات ولا يُشكل خروجا عنها ويساعد على الحد من فاتورة الواردات الكبيرة التى تتكبدها مصر. الشركات الأجنبية المصدرة إلى مصر خاصة فى الصين تعلم برغبات المستوردين فى التهرب من الجمارك فتمنح بعضهم فواتير من نسختين الأولى تضمن القيمة الحقيقية للسلعة والثانية تتضمن أسعارا وهمية تجانب الحقيقة وتتعارض مع المنطق. أحد الأمثلة الواضحة على تزوير الفواتير يتضح فى قطاع صناعة الأقلام الجاف حيث يبلغ عدد المصانع المحلية 6 مصانع وهى بالكاد تغطى نصف احتياجات السوق المحلى، وتلك المصانع هى: مصانع بيك، ساكوم بلاست، بداية، سيسب، يسران، العربية للتصنيع. والحكاية كما يوضحها خالد أبوالمكارم رئيس المجلس التصديرى للكيماويات ورئيس شعبة صناعة البلاستيك فى مذكرة رسمية أن الآونة الأخيرة شهدت اتساع عمليات استيراد واسعة للأقلام الجاف المصنوعة فى الصين، وكان مما آثار دهشة موظفى الجمارك بميناء العين السخنة أنهم وجدوا سعر القلم الواحد يبلغ سنتا امريكيا بما يعادل 7 قروش، بينما يباع فى المكتبات بجنيهين. ومع تكرار الوقائع اضطرت وزارة المالية إلى مخاطبة مصانع إنتاج الأقلام فى مصر لسؤالهم عن تكلفة تصنيع القلم الواحد، وكانت المفاجأة أن أقل تكلفة يُمكن تصنيع قلم بها هى 75 قرشا. ورغم ذلك فإن أحد أصحاب مصانع الأقلام - رفض نشر اسمه - قال: إن الاسعار الاسترشادية لا يتم تطبيقها بصرامة داخل الجمارك. ويقول: إن غرفة الصناعات الكيماوية رصدت منذ فترة صفقة استيراد 25 مليون قلم من الهند بسعر 250 ألف دولار وهو ما يعنى أن القلم الواحد سعره سنت واحد، مشيرا إلى انه لا يمكن أن تكون التكلفة الحقيقية للمنتجات المستوردة هى نفسها المدونة عليها لأن تكلفة الانتاج الفعلية تتجاوز عشرة أضعاف ذلك السعر. ويبلغ إجمالى إنتاج الأقلام الجاف فى مصر حوالى 125 مليون قلم سنويا طبقا لبيانات اتحاد الصناعات. جمال السمالوطى رئيس غرفة صناعة الجلود كان شاهدا على عمليات تهرب عديدة دفعته إلى تقديم عدة بلاغات باسم الغرفة إلى إدارات التهرب الجمركى بوزارة المالية . طبقا لشهادته فإن الفواتير الخاصة بأسعار الأحذية المستوردة فى الجمارك غير منطقية بالمرة . وعلى سبيل المثال فإن السعر المدون فى فواتير الاستيراد للحذاء المستورد من الصين يبلغ 90 سنتا بينما يتم بيعه فى السوق المحلى بأسعار تتراوح ما بين 100 و150 جنيها للحذاء الواحد. كذلك الحال فى الحقائب الجلدية النسائية وهى من المنتجات الأعلى مبيعا فى قطاع الجلود، وغالبا لا توجد منها صناعات محلية. يؤكد «السمالوطى» أن الحقيبة الجلدية (الحريمى) كانت تدخل إلى مصر بسعر 1.5 دولار للقطعة الواحدة ثم تباع بعد ذلك بسعر مائتى جنيه فى محلات وسط البلد. تلك الوقائع دفعت الغرفة إلى تشكيل لجان فنية من المتخصصين فى الصناعة لتقييم سعر حقيبة تم التحفظ عليها فى الجمارك مصنوعة من جلود مُختلطة وقادمة من الصين . سلطات الجمارك تشككت فى السعر المُحدد وهو دولار واحد للحقيبة وطلبت تقريرا من غرفة الجلود عن قيمتها الحقيقية . والمفاجأة أن اللجنة حددت قيمة الحقيبة طبقا لأسعار المدخلات فقط دون اضافة ربح ب50 جنيها وهو مع يعنى أن سعرها المدون فى الفاتورة المصاحبة مُحدد بنحو 10% فقط من سعرها الحقيقى، بغض التهرب من الجمارك. حكايات التهريب من خلال ضرب الفواتير مزدهرة بصورة واسعة فى قطاع الأدوات المنزلية والاوانى ومستلزمات المائدة. محمد المهندس نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية وأمين عام جمعية القاهرة لتشكيل المعادن يؤكد أن باب الاستيراد العشوائى مفتوح بشكل أكبر، لأنه يسهل تقديم فواتير وهمية للتهرب من رسوم الجمارك. وحسب وصفه، فإن ظاهرة « تزوير الفواتير « عامة ومعروفة لدى مختلف الجهات الحكومية سواء الجمارك أو الرقابة على الواردات والصادرات، لكن لا يتم التعامل معها بالحسم المطلوب. ويؤكد «المهندس» أن دولة الصين هى الدولة الاولى فى خدمة توفير فواتير وهمية للمستوردين المصريين لمساعدتهم على التهرب من الجمارك كنوع من المساندة فى زيادة هوامش أرباحهم. والحل فى تصوره هو ضرورة تطبيق أسعار استرشادية لكافة السلع المستوردة بمنتهى الصرامة والجدية واعتبار الفواتير الملازمة للسلع المستوردة كأن لم تكن حفاظا على حقوق الدولة وحماية السوق من منتجات عديدة تدخل لتنافس الصناعة المحلية. كذلك الحال بالنسبة للمهربين فى قطاع المنسوجات يستخدم وسائل عديدة من بينها ضرب الفواتير وهو ما يؤدى إلى إهدار نحو 15 مليار جنيه سنويا كجمارك على هذا القطاع وحده. الرقم المذكور أكده سيد البرهمتوشى نائب رئيس غرفة الصناعات النسجية وأحد مستثمرى قطاع الغزل والنسيج فى مدينة العاشر من رمضان حيث يقول إن كل ثلاثة جنيهات ربح للمهربين، يقابلها جنيه خسارة على خزينة الدولة، فرسوم الجمارك وضريبة المبيعات تدور فى قطاع النسيج حول 35 و40 % . ويرى «البرهمتوشى» أن كثيرين كانوا يعملون تجارا صغارا فى قطاع الملابس منذ سنوات قليلة وتحولوا الآن الى مليارديرات بسبب تهريب الاقمشة واستغلالها فى إدخال منتجات محظورة.