منير شاش.. مات يا رجالة! بقلم :عباس الطرابيلي منذ 19 ساعة 41 دقيقة هل هذا هو قدر كثير من الذين خدموا هذ الوطن؟ أن يموتوا ولا يتذكرهم أحد.. أم أن حظهم أن ماتوا وسط أحداث جسام تبتلع الكثير من الأحداث والأشخاص.. واللواء منير شاش واحد من هؤلاء. فقد مات هذا الرجل العظيم بينما مصر تعيش أحداث ثورة عظيمة هي ثورة 25 يناير.. ثم إنه مات بينما مصر كلها تتابع أحداث محاكمة حسني مبارك وأقطاب نظامه كلهم.. أيضا مات الرجل ومصر علي عتبات شهر رمضان، وهو شهر يهتم به كل المصريين، أكثر من اهتمامهم بأي شيء آخر.. أو أي حدث آخر.. ولا أعرف كيف أن خبر موت هذا الرجل قد فاتني.. ربما مات وأنا - أحيانا - أقاطع الصحف المصرية ولا أجري وراءها بحكم أن بعضها خرج تماما علي المآلوف. ** وليست هذه هي الحالة الوحيدة التي يعرفها التاريخ المصري الحديث ففي عشرينيات القرن الماضي مات أشهر أدباء أوائل هذا القرن مات مصطفي لطفي المنفلوطي صاحب تلك الروايات الرومانسية التي عشقناها وكنا نحفظ كلماتها عن ظهر قلب ولكن أحدًا لم ينتبه لوفاة هذا الأديب العظيم لأن حدثًا رهيبًا وقع يومها.. هو محاولة اغتيال زعيم الأمة وبطل ثورتها العظيمة ثورة 19.. أقصد محاولة اغتيال الزعيم سعد زغلول بالرصاص.. فاهتزت مصر لهذا الحدث من اقصاها إلي اقصاها ولم تعر أي اهتماما بأي خبر آخر.. مثل وفاة المنفلوطي صاحب العبرات والنظرات ومجدولين وغيرهما من روائع الأدب العربي. ** وحادث وفاة آخر.. هو الدكتور محمد حسين هيكل باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس تحرير صحيفة السياسة وصاحب كتب: محمد وكذلك الفاروق عمر.. وولدي ثم تلك الثلاثية العظيمة مذكراتي في السياسة المصرية.. وهو الذي أنصف فؤاد باشا سراج الدين أثناء محاكمته الشهيرة أمام محكمة الثورة.. إذ رغم اختلافهما في كل شيء.. ورغم معرفته أن فؤاد باشا هو صاحب فكرة التخلص من هيكل باشا عندما كان رئيسا لمجلس الشيوخ.. رغم ذلك إلا أنه شهد لصالحه وقال يا ليت كل ساسة مصر كانوا مثل سراج الدين. المهم أن هيكل باشا توفي ومصر مشغولة بأحداث العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، وهو العدوان الذي تآمرت ثلاث دول هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لضرب مصر واقصاء عبدالناصر.. والأهم هو استرداده قناة السويس التي كان عبدالناصر قد أمم شركتها العالمية يوم 26 يوليو 1956.. وفي وسط كل هذه لأحداث مات هيكل.. ولم يقرأ الناس إلا خبرًا علي عمود واحد بوفاته. ** المهم أن اللواء منير شاش مات في مثل هذه الظروف.. وبالتالي قد تكون الصحف قد نشرت خبر وفاته علي عمود.. فات علي ولم أقرأه وكان يجب أن تقف كل أقلام مصر وقفة عسكرية وتضرب تعظيم سلام لهذا الرجل الذي رحل في صمت.. ثم أنني تعجبت: لماذا لم يقف كل أبناء سيناء - وبالذات شمال سيناء - ويقرأون الفاتحة علي روح هذا العظيم الذي رحل.. ويجتمع أبناء الشمال تحت زيتونة منير شاش التي كان الرجل قد تعود أن يجلس تحتها ويبحث معهم مشاكلهم وكيفية حلها واقتراح الحلول التي يجب أن تصدر من السلطة المركزية في القاهرة.. ان كانت فوق سلطاته. ومنير شاش هو أشهر من حكم محافظة شمال سيناء التي حكمها لمدة 14 عامًا واستطاع أن يحل مشاكل كثيرة كانت قد تراكمت وخاض معركة تمليك الأرض للسيناوية وانتزع من يوسف والي قرار تمليك الأرض لمن يزرعها ولمن يسكن عليها وقدم العقد الأزرق لمن استطاع منهم. ** ولا ينكر أحد أن هذا الرجل هو الذي قاد عملية زيادة مساحة الأرض المنزرعة في شمال سيناء وقاد عمليات التنمية السياحية والاقتصادية والصناعية.. وخاض معارك رهيبة لتوصيل المرافق من طرق وتوصيل مياه النيل لمعظم مدن شمال سيناء.. وانشئت في عهده الكثير من المدارس والعيادات حتي بات كل شيء في شمال سيناء ينطق باسم منير شاش. ** وإذا كان منير شاش قد وضع سيناء علي الخريطة الإعلامية فإنه بلا جدال كان يمتلك أكبر ملف عن سيناء وتنميتها والنهوض بها.. وهنا أقول إن الرجل تعرض لمؤامرة كبري لإبعاده عن محافظة شمال سيناء.. حتي وإن لوحوا له بمنصب كبير في مقر مجلس الوزراء يرعي شئون تنمية سيناء.. وظل الرجل يرفع لواء سيناء ويطالب بجعلها مشروع مصر القومي.. ويتحدث هنا وهناك.. ويشارك في كل مؤتمرات تنمية سيناء.. ولكن القضية كانت أكبر من صوته. ** ومنير شاش الذي كان أصغر ضابط بين الضباط الأحرار لثورة يوليو 1952 وكان وقتها برتبة ملازم ظل مرتبطا بسيناء طوال عمره.. وهنا أتعجب كيف لم نطلق اسمه علي أي قرية من التي أقامها في سيناء.. وإذا كانت مصر قد كرمت اللواء بحري فواد أبوذكري لأنه أحد أبناء سيناء فأطلقت اسمه علي أحد أهم شوارع العريش.. فإنني أطالب باطلاق اسم اللواء منير شاش علي أحد الشوارع المهمة في شمال سيناء حتي يعرف كل من يعمل أن عمله لن يذهب هدرًا. ويرحم الله اللواء منير شاش الذي أحببته كثيرًا والذي أعطي لسيناء كما لم يعط أي مصري آخر.