طلب العفو للرئيس السابق هو خبر يسهل تصديقه حتي وإن كان مجرد شائعة، الأحداث كثيرة ومتلاحقة ومتعاقبة.. تمر أمامنا في سرعة جنونية رغم خطورتها وعمق تأثيرها علينا وعلي البلد.. ولكن هذا هو حال الفترة التي نعيشها الآن.. فالصحف تطالعنا كل يوم والتليفزيون أيضاً بتصريحات هي أقرب إلي التكهنات منها إلي الأخبار، ثم يقال لنا إنها مجرد شائعات، لا ندري بالضبط من الذي أطلقها ولماذا أطلقها!!.. آخرها كان طلب العفو عن الرئيس السابق.. انطلقت التساؤلات.. ما المقصود بالعفو؟ وهل العفو قبل أم بعد المحاكمة؟ وهل ينفع قانوناً العفو قبل المحاكمة؟ وأيضاً هل ينفع قانون العفو بعد المحاكمة؟ ولماذا أصلاً العفو والمفروض أن من مصلحة من يشعر بأنه بريء أن يحاكم؟! علي الأقل ليثبت براءته بصورة رسمية.. ومن واجب كل مواطن يتم التحقيق معه أن يمثل أمام القضاء ليحاكم محاكمة عادلة!! ومن هو ياتري المعني بأن يعفو؟ هل هو المجلس الأعلي مثلاً؟ ولكننا نعلم أن المجلس الأعلي قد عهد إلي القضاء منذ البداية بجميع المحاكمات بما فيها محاكمة الرئيس السابق وأسرته، وعلي هذا فمن غير المنطقي أن يعرض عليه أحد مسألة العفو هذه!! من المقصود إذن باتخاذ إجراءات العفو؟ هل النائب العام؟ هل النيابة العامة؟ هل القضاء؟ أم أن المعني بالعفو عن »الرئيس« هو الشعب؟!! لا أحد يستطيع أن يتدخل في عمل أي من الجهات المعنية أو المسئولة عن محاكمة الرئيس السابق، أما لو كان المقصود هو الشعب، فتلك قضية أخري!! فلا أحد يستطيع اليوم أي بعد ثورة يناير أن يوجه هذا الشعب إلي فعل شيء علي غير إرادته، لا يمكن أبداً وتحت أي ظرف أن يحدث ذلك حتي لو دفع حياته ثمناً لحريته.. وميدان التحرير خير شاهد علي ذلك!! خيالي يصور لي ضرورة عمل استفتاء حول ذلك العفو عن »الرئيس«، منتهي الديمقراطية!! ولكن هناك تساؤلات من نوع جديد، هل هو استفتاء كما هو معروف بنعم أو لا؟ وإن كان كذلك فمقابل ماذا سوف يصوت الشعب بنعم؟ مقابل استرداد الأموال؟ أموال الداخل أم الخارج أم الاثنين؟ وما المبالغ التي يمكن لمصر استردادها من الخارج؟ ومن يضمن التنفيذ بدون اتفاقية موثقة ماركة »سيب وأنا أسيب«؟ أم تراه عفواً كده والسلام كنوع من أنواع الهبة أو المن أو التفضل علي »الرئيس«؟ وهل سيوافق الشعب أصلاً علي إجراء الاستفتاء؟ دفعتني رغبتي في الهروب من خيالي لأن أدخل علي المواقع الإلكترونية ومن بينها »تويتر« و»فيس بوك« فقد أردت أن أتعرف علي آراء هذه الشريحة من المواطنين المصريين ممن يتعاملون مع الإنترنت!! دخلت لا أدري هل سعدت بدخولي هذا أم شقيت؟ لاحظت أن أغلبية الناس علي مختلف أعمارها تريد توصيل رسالة إلي »الرئيس«!! بأسلوب ساخن ساخر يتحاورون حول ماعانوا منه خلال الثلاثين سنة الماضية.. هي فترة حكم النظام السابق.. ثلاثة أجيال.. كهول وشباب وأطفال.. الكهل وقتها هرم الآن وعجز خلاص.. يعني ضاع شبابه ومرت سنين عمره دون أن يتذوق طعم الحرية أو الكرامة ولا حتي عرف يقوم بمسئولياته تجاه أسرته أمام نفسه وأمام المجتمع والأهم أمام الله!! الإحساس بالعجز طارده ثلاثين سنة!! الجيل الثاني هم أبناؤه اللي كانوا في سن المراهقة ثم كبروا وأصبحوا شباباً.. فصدرت الأوامر باغتيال الحماس ودفن العزيمة ووأد المطالب المشروعة حتي من قبل أن تولد!! والجيل الثالث هم الأطفال الأبرياء الذين أصبحوا مراهقين، وهؤلاء نشأوا في مناخ النفاق والتطييب والتصفيق في برامج »التوك شو« التي يشار لهم فيها بحركة من رأس مقدم البرنامج أو مقدمته، فتضج القاعة بالتصفيق دون أن يعرفوا لماذا أو لمن هم يصفقون!! ومن الواضح أن ذلك كان بمثابة تدريب علي السمع والطاعة العمياء دون إدراك ما يدور حولهم!! ضياع * ضياع * ضياع للأجيال الثلاثة.. وهذا هو الضغط الذي ولد الانفجار الذي رأيناه في مصر كلها يوم 25 يناير.. صورة لا تبشر بأي خير لو تم إجراء استفتاء للعفو!! هل هناك تصور آخر كي يحصل الرئيس السابق علي العفو؟ ولكن كيف والشعب يصرخ في وجه »الرئيس« بأنه مات مقتولاً علي يديه.. مات من الجوع ومات من المرض ومات من الخوف ومات من التعذيب.. ومات من القهر.. واللي فضل عايش لسه.. حايموت من الحسرة علي مصير هذا الوطن من اللي بيجري فيه!! ولكن أليس من بطن الظلام الحالك يولد الفجر المنير؟ ليست عبارات إنشائية، ولكن قد يكون الحل داخل المشكلة نفسها وفي انتظار من يمد يده ليسحبه منها.. وهل أكون واهمة أو خيالية لو تصورت أن الرئيس السابق هو صاحب هذه اليد؟ هل يستطيع أن يعيد إلي مصر ما افتقدته في الثلاثين سنة التي حكم فيها؟ هل يستطيع أن يعوضها عن خسارتها في ريادتها وسمعتها وشهداء ثورتها وأيضاً أموالها؟ أيوة آخر حاجة هي المال.. وأسهل استرداد هو استرداد المال!! إذا أراد الرئيس أن يتذكره هذا الوطن وهذا الشعب وتظل صورته في الأذهان، كما يتمني قائد الطلعة الجوية في انتصارات أكتوبر 73 عليه أن يقود الآن طلعة أخري لا تقل أهمية عن الجوية.. فهل يستطيع أن يسحب فلول وبقايا وأشلاء النظام السابق المتناثرة هنا وهناك؟ فبتراجع البلطجية ستختفي مظاهر الفوضي التي بسببها تتآكل عظام هذا الوطن!! هل يستطيع أن يقضي علي الفتنة الطائفية التي تشتعل نيرانها كلما أطفأها العقلاء المخلصون من المسلمين والمسيحيين؟! هل يستطيع أن يوقف الإضرابات الفئوية التي لحقت بها مؤخراً المهنية؟! هل يستطيع أن يجعل عجلة الإنتاج تدور حتي يزدهر الاقتصاد؟ يا سيادة الرئيس السابق.. افعل شيئاً من أجل الوطن الذي عشت فيه وتمنيت كما قلت أن تدفن في أرضه.. افعل من أجله شيئاً وأنت مازلت علي قيد الحياة!! التي مهما طالت فهي قصيرة.. لعل عفو الله يأتي أسرع من عفو الناس!! افعل شيئاً لهذا الوطن الذي سلم نفسه لك فأخذت منه كل ما يمكن وما لا يمكن أيضاً!! وليعفو عنك الله والوطن.. أما الشعب فسوف ينتظر حتي ترفع عن مصر اليد التي تحاول أن تسرق منها ومنا لقبها الغالي »أم الدنيا«!! ولعلنا نتذكر ما جاء في الآية الكريمة »قل له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشي« فهل يستطيع؟!!