فينيسيا الإسكندرية.. بالرغم من الجمال الخلاب الذى تتمتع به منطقة المكس التى استطاعت أن تجذب خيال المؤلفين والمخرجين حتى تكون جزءاً من أعمالهم الفنية منها فيلم «بلطية العايمة» وفيلم «رسائل البحر»، والعشرات من الأعمال الفنية.. وعندما تقف أعلى كوبرى المكس متأملاً تجد المنظر الرائع، حيث تنتشر رائحة اليود وتصطف المراكب والقوارب الصغيرة أمام كل منزل فى مشهد يذكرك بمدينة فينيسيا الإيطالية، مشهد لا يعكر صفوه سوى ماسورة مياه ضخمة، يخرج منها سائل أقرب إلى لون «الحليب» النقى، ذى رائحة نفاذة وكريهة تختلط بمياه الترعة. ورغم تلك المزايا الطبيعية، إلا أنها تحولت إلي أخطر بؤر للتلوث، حيث كشف أحدث تقارير وزارة البيئة بعنوان «تقييم الأثر البيئي والاجتماعي» أن منطقة المكس بغرب الإسكندرية تعتبر من أخطر المناطق الصناعية بالمدينة لقيام المصانع والشركات بإلقاء مخلفاتها في مياه البحر، وتشمل شركة مصر للكيماويات والإسكندرية للحديد والصلب والنصر لدباغة الجلود والمجازر والصناعات البترولية والإسكندرية للبترول ومصر للبترول، بالإضافة إلي وجود 60 مدبغة خاصة تتمركز في منطقة المكس، وجميعها تلقي مخلفاتها الصناعية السائلة بما تحملها من ملوثات كيماوية ومعادن ثقيلة وملوثات أخري دون معالجة في خليج المكس، مما أثر بالسلب علي نوعية المياه بالمنطقة وأصبح يمثل بؤرة تلوث شديد بغرب الإسكندرية، بالإضافة إلى انخفاض نسبة الملوحة بشكل كبير. ورصدت التقارير تركز أنواع مختلفة من القمامة بكميات متفاوتة بلغت كثافتها القصوى فى شواطئ المكس، بالإضافة إلى وجود تلوث الصرف الصحي شديد طوال العام فى منطقتى خليج المكس والدخيلة، أرجعه أحد التقارير إلى إلقاء مياه الصرف، غير المعالج جزئياً ومياه الصرف الزراعى. وعن تلوث «ترعة الخندق»، التى تحوى بيوت الصيادين، بالصرف البترولى.. يقول عبدالعليم محمود الكابتن، صاحب مركب صيد: شركات البترول بترمى الصرف بتاعها على المياه لحد ما السمك أغلبه طفش.. وأضاف الترعة دى كانت كنزاً، دلوقتى ما فيهاش ولا حتى سردين، حيث إن الشركات بتبدأ ترمى الملوثات من 12 بالليل لحد الساعة 3 الفجر. ويضيف محمد الفار، المتحدث باسم نقابة الصيادين بالإسكندرية، أن خليج المكس مصب رئيسى لثلاثة أنواع من الصرف الملوث، فهو مصب رئيسى لمياه الصرف الصحى والصناعى والزراعى، مما أدى إلى تقلص حجم الثروة السمكية، بالإضافة إلى عدم وجود مظلة تأمين صحى للصيادين، خاصة بعد إصابة الصيادين بأمراض باطنية وجلدية وأمراض الكبد والكلى بسبب المياه الملوثة. ويقول مجدى عيسى، شيخ صيادى المكس: منذ 20 عاماً نطالب بإنشاء ميناء ترسو عليه السفن، فلا يوجد رصيف إلى الآن، رغم أنها أقدم المناطق فى الإسكندرية.. وأضاف وقت النوة الأخيرة التى تعرضت لها الإسكندرية كانت المراكب بتتقلب فى المياه وفيه 3 مراكب كبيرة غرقت كل واحدة منها قوتها 160 حصاناً وسعرها يتعدى 250 ألف جنيه، وتم تشريد أسرها وأصحابها. كما قال شيخ صيادى المكس: لا تلوموا الصيادين الذين يهاجرون أو يقومون باختراق المياه الإقليمية للدول المجاورة، فمشاكل الصيادين لا تحصى بسبب غلاء المعدات وعدم وجود دعم حكومى. ويضيف: طالبنا أكثر من مرة بإنشاء الميناء الخاص بالمكس، حتى تحتمى السفن بداخله وقت حدوث الأعاصير والنوات والأمواج المرتفعة، مثل نوة القاسم الأخيرة، إلا أن أحداً لم يستمع إلى شكوانا. وأضاف: حددنا المكان المخصص لإقامة الميناء ووضع الحواجز أكثر من مرة، خاصة أن الهيكل الأساسى موجود وهو عبارة عن مجموعة جزر منخفضة، تتخذ شكل نصف دائرة تحيط بالشاطئ، وكل ما نطلبه هو وضع مجموعة من البلوكات والحواجز الصخرية، مثل الموجودة فى الميناء الشرقى، حتى تحمى الصيادين من الأمواج المرتفعة، التى تتسبب فى انقلاب مراكبهم فى المياه. ويقول سعيد محمدين، صياد: كله بييجي يقف على الكوبري ويصور الجمال من هنا، إزاي عاوزين يمشونا ويقولك علينا عشوائيات ويجيبوا لنا أوامر إزالة، وكل فرد عايش هنا فى المنطقة بيدفع إيجاراً لهيئة الثروة السمكية، وهما عاوزين يمشونا من هنا علشان يعملوها منطقة استثمارية (سياحية). ويقول أحمد سلامة، مدير جمعية البشر والإحسان للتنمية: «قمنا بتقديم شكوى للمسئولين والمحافظ، وذلك بسبب ارتفاع نسبة (اليود) فى المياه بناء على ما ذكره معهد العلوم خلال زيارته لمنطقة المكس، حيث أكد الخبراء أن صرف مخلفات الشركات الكيماوية سيؤدى إلى تلوث المياه، مما جعلها من الأسباب التى لها تأثير واضح على الأسماك وأيضاً على جلد الإنسان الذي لا يستطيع الاقتراب منها». وأضاف «سلامة»: «المياه التى تأتى من تصافي الأراضي الزراعية تكون محملة بالمواد الكيماوية، وهذا يؤدى إلى هجرة الأسماك، فالمجرى المائى يعتبر شريان الحياة بالنسبة لمنطقة المكس». يقول هيثم نصار بريك، مرشح الوفد لمجلس الشعب بدائرة الرمل: يعانى أهالى وصيادي المكس الأمرين، فالتلوث البيئي الناتج عن صرف العديد من المصانع فى البحر مصدر رزقهم أودى بحياة الأسماك وكما لو كانت تكاتفت كل المصانع بتلوثها ضدهم فيصب فى الصرف الصحى للمكس الذى يصب بدوره فى البحر، وبعد أن كان الصرف الصحى يصرف فى الترعة أصبحت هذه الشركات تستخدم مياه الصرف فى التبريد وتعيدها للصرف ملوثة بالمواد الكيمائية محملة بمادة الكبريت المسرطنة، وأهالي المنطقة لم تتحمل الرائحة المتسربة من الصرف وأبخرة المصانع، ويعانى الأطفال من أمراض مزمنة، وفوق هذا قضت الملوثات على مصدر رزقهم، وكان الاقتراح العبقرى من الحكومة هو نقلهم من أماكنهم إلى مناطق صحراوية.. القضية خطيرة وتتعلق بمستقبل وحياة الآلاف!!. أطالب هاني المسيري محافظ الإسكندرية بزيارة المنطقة لإنقاذ الأهالي من الموت المحقق ومعاقبة المصانع المخالفة.