يشتكي العديد من الناس في هذه الفترة من تأثير الصيف من عدم قدرتهم علي تحمل هذه الحرارة الشديدة وفي الأماكن المزدحمة على غرار الأتوبيسات، القطارات والأسواق الشعبية.. فالحرارة تشتد فيها أكثر الأمر الذي يزيد من تصبب العرق، لاسيما أن الزحمة في مثل هذه الأماكن تولد الاختناق الذي يؤدي بدوره إلى استثارة الأعصاب، ليصبح الغيظ قنبلة موقوتة تهدّد بنشوب الشجارات وهو ما توحي به فعلا السلوكيات العنيفة والغليان الذي يجتاح الشوارع في بعض الأحيان وقد اشتدت موجة الحرارة الشديدة والارتفاع الغريب في مستوي الرطوبة في الفترة الاخيرة ويقول الدكتور أحمد أبو العزايم، استشارى الطب النفسى وعلاج الادمان: هذا أعاد الأذهان الي العلاقة بين الحالة النفسية والتغييرات الجوية. فنسمات الربيع يصحبها هواء منعش وتبعث العواطف الإنسانية الرقيقة، بينما حرارة الصيف وبرد الشتاء حالات ترتبط بالانفعالات النفسية الحادة فمع قدوم فصل الشتاء يشعر كثير من الناس بهبوط مفاجئ في المزاج، قد يؤدى إلى الشعور بتعب مستمر مما يؤدى إلى الإصابة بالقلق، فمن المحتمل أن تكون هذه الأعراض هي بوادر الإصابة بالاكتئاب الموسمي المعروف باسم الاكتئاب الشتوي الموسمي، والخريف مرتبط في الأذهان بالذبول والهدوء والسكون، وجاء العلم الحديث ليؤكد وجود علاقة بين حالة النفس من حيث الاتزان الانفعالي، والمزاج في اعتداله واضطرابه وسلوك الإنسان وتحمل الجسم للعلاج بالأدوية النفسية، وبين التغييرات الجوية من خلال تأثيرات البيئة يتفاعل معها عقل الإنسان والجهاز العصبي، وتكون المحصلة النهائية تغييرات بيولوجية في جسم الإنسان مع حرارة الصيف وبرد الشتاء، وكذلك تغييرات نفسية في عقله تبدو في صورة اعتدال أو اضطراب في المزاج وتوتر أو استرخاء في الانفعال والسلوك .فقد ثبت علميًا أن الجو الحار الرطب يرتبط ارتباطًا مباشراً باضطراب الحالة العقلية، فالشخص العادي يصبح أكثر قابلية للتوتر وتسهل استثارته إذا كان موجودًا في طقس حار مشبع بالرطوبة، وكثير من الناس يفقدون السيطرة على انفعالاتهم وينفد صبرهم خاصة في هذا الطقس الذي يتميز به الصيف في بلادنا هذه الايام، كما أن الجو الحار ونسبة الرطوبة الزائدة تدفع غالبًا إلى الكسل وتحد من النشاط، وهذا ما نجده في البلاد الحارة، بينما يرتبط الجو البارد في البلاد الأخرى بالنشاط والحركة وزيادة الإنتاجية، لكننا نرى أن ذلك لا يجب أن نتخذ منه سببًا نتعلل به لنبرر أن الدول المتقدمة لها مناخ بارد وأن حرارة الجو عندنا تمنعنا من الإنتاج والتقدم. ويعيش العالم حاليًا عصر الاضطرابات النفسية، كما يدل على ذلك الأرقام والإحصائيات التي تؤكد أن ما يقرب من نصف سكان العالم يعانون نوعًا أو آخر من الأمراض النفسية، وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الإصابة بحالات القلق النفسي تصل إلى 30% في بعض المجتمعات، وحالات الهلع والمخاوف المرضية بنسبة 12%، والاكتئاب النفسي بنسبة 7%، والوسواس القهري بنسبة 3%، وذلك بالإضافة إلى مرض الفصام العقلي بنسبة 1% .. وهذه مجرد أمثلة للانتشار غير المسبوق للأنواع المختلفة من الأمراض والاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان في مختلف بلاد العالم، وهنا في هذا الموضوع نتناول بعض الجوانب الخاصة بالعلاقة بين الحالة النفسية وحالة الطقس بمناسبة جو الصيف الحار الذي نعيشه في هذا الوقت. ويشير الدكتور أحمد أبو العزايم إلى وصف بعض العلماء حالات من الهستيريا مصحوبة بارتفاع في درجة حرارة الجسم تم شفاؤها وخفض درجة الحرارة بالعلاج النفسي. وفي الطب العربي يذكر الطبيب ابن العباس المجوسي (384ه) في كتابه «كامل الصناعة الطبية» نوعًا من الحمى سماه «حمى الذبول» من أسبابها الهم والتعب والغم والغضب. ونصح بأنه «ينبغي ألا يدمن الإنسان الغم ولا يستعمل الغضب ولا يكثر من الهم والفكر. واكتشف الباحثون أن معايشة الإنسان للتقلبات الشديدة للطقس، في كل أنحاء العالم، ترفع من مستوى الضغط وتزيده تشنجا، يضاف إلى مشاغله والتزاماته اليومية مع الأسرة والعمل تشمل تقلبات الطقس ثلاثة محاور رئيسية مؤثرة فإضافة إلى التحول من موسم إلى آخر يواجه الفرد صعوبة في التأقلم مع بداية الفترة الانتقالية من البرد إلى الحر أو العكس. وفي ظل ما يشهده العالم من احتباس حراري وكوارث طبيعية متنوعة، صار من الممكن، في كثير من الأحيان، التعايش مع كل الفصول في يوم واحد. تبين أن معظمها كانت تقع في المواسم الحارة وأن العنيفة منها كانت أكثر في المناطق التي تمتاز بدرجات حرارة أعلى مثل (القتل والاغتصاب). أما الأقل عنفا كحوادث السير والاحتيال والسرقة فتكون في المناطق والمواسم الأقل حرارة. وهو ما يعني أن هناك علاقة طردية بين العنف من حيث النوعية والكمية وبين درجة الحرارة من حيث الشدة والفترة الزمنية. إن للحرارة المرتفعة تأثيراً على القدرة الإنتاجية والسلوكية وطريقة التفكير والقدرة على التعلم والاستيعاب حيث تبين أن للحرارة تأثيراً على الحالة النفسية ومن ثم على الأفكار والسلوك مؤدية إلى اضطراب المزاج والشعور بعدم الارتياح وصعوبة التحمل أو الصبر وقلة التركيز، مما يؤدي إلى الاندفاعية والعصبية الفائضة ومن ثم العنف لأي مثير حتى لو كان بسيطا. ومن المعروف أن المرضى الذين يعانون الحمى وارتفاع درجة الحرارة تبدأ لديهم أعراض عقلية في صورة تخاريف وهلاوس، وتتحسن حالتهم وتعود قواهم العقلية للوضع الطبيعي بمجرد انخفاض درجة الحرارة. وتشير الإحصائيات حول أعداد المرضى العقليين المترددين على العيادات والمصحات النفسية في مختلف أوقات العام إلى الارتباط بين فصول السنة وبين زيادة أعداد الحالات، تؤكد الأرقام أن شهور السنة التي تزيد فيها نسبة الرطوبة وترتفع درجة الحرارة ترتبط بمعدلات عالية من الاضطرابات النفسية. هذه التغيرات الحيوية والفسيولوجية والسيكولوجية تحدث بفعل تبدل مستويات معدلات هرمونات رئيسية معينة في فصل الربيع. فعندما تزداد ساعات النهار المشرقة بنور الشمس وصفاء السماء فإن الميلاتونين الذي يصنعه الجسم ويفرز من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ وأماكن أخرى من الجسم يتناقص إفرازه ويقصر أمده عكس ما كان يحدث في فصل الشتاء. ومع بداية الربيع ينقص إفراز هرمون الميلاتونين وبذلك يستعيد السيروتونين فاعليته وتبدأ المعنويات في الارتفاع ويتخلص الإنسان من الحزن الشتوي والكآبة الموسمية. ومع أن الميلاتونين لا ينتج عنه في شكل مباشر زيادة في اشتهاء الطعام ولكن السيروتوني مادة داعمة للمزاج وتحد من قوة اشتهاء الطعام. أن الإنسان يشعر خلال الشتاء والخريف بالاكتئاب بسبب قصر ساعات النهار أو بسبب الظواهر المخيفة كالبرق والرعد والرياح والأمطار ومنها ما يشل حركة الحياة ويصيبها بالتجمد مثل الثلوج والسيول. إن أخطر ما يصيب المريض النفسي في اوقات الحرارة العالية مرض المتلازمة الخبيثة المصاحبة للدواء المضاد للذهان وهو اضطراب عصبي يحدث نتيجة للتأثر الضار للأدوية المُضادة للاضطراب العقلي والنفسي خاصة مع ارتفاع الحرارة الشديد مؤثراً على العضلات فيجعلها متخشبة إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة والعديد من التغيرات الإدراكيّة كالهذيان الارتعاشي, الارتجاج واحتمالية الإصابة بغيبوبة. يرافق هذا الاضطراب العديد من الأعراض كعدم استقرار الجهاز العصبي المُستقل مما يؤدي الى اضطراب في ضغط الدم, ارتعاش العضلات والتهاب البلعوم. وما يُميز هذه الأعراض سُرعة وصولها للذروة بمدة أقصاها ثلاثة أيام وتستمر من ثماني ساعات الى أربع عشرة ساعة. أما عن الأسباب المؤدية لمثل هذا الاضطراب فيُعتقد بأنها تتعلق بإغلاق هذه الأدوية لمُستقبلات العصبيّة الدوبامينيّة في الجسم مما ينتج عنه تشِنج في العضلات وبدوره يزيد من توليد الحرارة , وبزيادة جرعة الدواء تزداد احتمالية ظهور الأعراض. أما عن العلاج فيكون دائماً كإجراء طارئ فاستمرار الأعراض يؤدي الى الموت ومن أهم الخطوات المُتبعة للعلاج إيقاف الأدوية المُحفزة للاضطراب والتخفيف من حدة الحرارة باستخدام أساليب التبريد وفي الحالات الحرجة قد يلجأ الطبيب المُعالج لاستخدام الأدوية الداعمة للجهاز التنفسي. ويضيف الدكتور أحمد ابو العزايم: هناك 3 عوامل مهمة تلعب دورا حاسما في تحصين وتعزيز نظام المناعة وهي اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الحركة الكافية والعيش بدون توتر وقلق واعتبرت الطعام الصحي بأنه الأكثر أهمية وضرورة خلوه من الدسم والتركيز على اللحم الأبيض والسمك والحبوب وتناول القدر الكافي من الماء وعلى تناول 5 وجبات يوميا منها وجبتان تتضمنان الفواكه والخضار. وقد وجد ان المحافظة على لياقة الجسم يتطلب ممارسة التدريب أربع مرات في الأسبوع لمدة 40 دقيقة كل مرة أما في حال عدم القدرة على ذلك فيتوجب المشي على الأقل 10 آلاف خطوة يوميا.