هناك مخاوف لدى كثير من موظفى الدولة فى تطبيق قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية التى على أعتاب صدورها ومعظم هذه المخاوف نفسية وقد تكون هذه المخاوف مشروعة أو مخاوف لا أساس لها من الصحة نظرا لأن الإنسان دائما عدو ما يجهل والقانون جديد بالكامل بعد أن ظل موظفو الدولة تحت حكم قانون استمر 37 عاما حفظوا كل ما فيه، ومن المعروف أن لكل قانون مزايا وعيوب كما أن لكل قانون ضحاياه ولا يمكن القول إن هذا القانون مثاليا أو يحقق الكمال ولكن طريق الاصلاح الإدارى الذى ينشده المواطن تشريعيا وتطبيقا لابد أن يكون محفوفا بالمخاطر والآمال ولابد أن يعارضه مجموعات تستفيد من الوضع الحالى، كما أن له مكاسب وأفضل ما فيه أنه يحقق العدالة فى الأجور ويقلل الفوارق الطبقية بين الموظفين فى الوزارات المختلفة ويقضى على المحسوبية ومشكلات التعيينات فى الحكومة والتى تحولت مصالح وهيئات بعينها الى بيوت عائلية لتصبح عائلات بأكملها فى مصلحة معينة وكأنها أصبحت تعيينات بالوراثة حتى أصبح الجهاز مترهلا وأصبح المواطن يعانى سوء الخدمة والبيروقراطية فى أدائها ولا يجد سبيلا لقضاء خدماته إلا بالرشوة أو الوساطة رغم انها خدمات مستحقة له والقائمون عليها يتقاضون رواتبهم من جيوب المواطنين ودافعى الضرائب على ادائها وليس تعطيلها للمواطنين. أولى هذه المخاوف لدى الموظفين هى إلزام الموظفين بالدولة لأول مرة بالتقييم مرتين سنويا الأولى فى يناير والثانية فى يوليو ويتم وضع تقرير للموظف الذى أصبح يحاسب عليه ومثل هذه التقييمات غريبة على مجتمع الموظفين وتثير مخاوف نفسية لديهم، حيث يتم نظام التقييم فى القانون الجديد بما يسمى نظام 360 درجة للموظف يحصل عليها بتقييمه لنفسه ويقيمه زملاؤه ورئيسه المباشر وهو فى نفس الوقت يقيم رئيسه المباشر ومن يحصل على تقريرين ضعيفين سنتين متتاليتين ينقل فى السنة الثالثة، الى إدارة تناسب عمله فاذا لم يكن منتجا فيها فى العام الرابع يتم خفض أجره بنحو 50% فاذا لم يكن هناك تحسن فى أدائه يتم إحالته فى السنة الخامسة الى لجنة الموارد البشرية للنظر فى فصله وبالتالى هذا الإجراء غريب على موظفى الدولة لأنه يعد إصلاحا للسلبيات فى السنوات الماضية من التواكل وعدم الإنتاج وحضور الموظف للتوقيع فقط والحصول على راتبه آخر الشهر وهذه النوعية لم تعد موجودة فى العالم. هناك مخاوف أيضا من آليات ومعايير التقييم وهل يحصل الموظف على حقه فى عمله ويتم تقييمه بحيادية دون هوى أو استلطاف من رئيسه فى العمل وهذه مخاوف مشروعة –ووفقا لما هو موجود بالقانون واللائحة التنفيذية فإن المعايير ستكون شفافة وتنطبق بوضوح على كافة الموظفين وتمنع سطوة أى رئيس مهما كانت سلطته، وهناك معايير ايضا تقييم من المواطنين لخدمات تلك الجهة والموظفين الذين يتعاملون معهم وهذا يكون فى صالح إنجاز الخدمات وفى صالح الموظفين أنفسهم بحيث لا يستوى من يعمل منهم ومن لا يعمل ويتساوى معهم فى الأجور والحوافز والمكافآت كما يحدث الآن، كما أن هذه المعايير سوف يصدر بها قرارات وإجراء ت وصف محددة تنطبق على الجميع دون استثناء، فهناك أجيال دخلت الجهاز الإدارى وخرجت للمعاش وهى غير مناسبة للعمل وربما لم تقدم خدمات ولم يجر تقييمها وتحصل على تقارير امتياز حيث إن اللافت للنظر أن 98% من موظفى الحكومة يحصلون على تقدير امتياز سنويا رغم كل ما يشكو منه المواطنون من سوء الخدمات والبيروقراطية والرشاوى والفساد مما يؤكد أن هناك شيئا ما خاطئ. وهناك مكاسب عديدة للقانون الجديد على مستوى التعيين فى الجهاز الإدارى للدولة حيث إن الوضع العائلى الراهن الذى تحولت فيه مصالح الدولة الى عائلات ومن اللافت أن نرى عائلة معينة يكثر أفرادها فى الجهة الحكومية نتيجة التعيين بالواسطة للأقرباء فإن القانون الجديد فى المادة 24 منع أن يعمل موظف بأى حال من الأحوال تحت الرئاسة المباشرة لأحد أقاربه من الدرجة الأولى فى نفس الوحدة الإدارية. كما يقضى علي مصالح الندب للجهات والوزارات من جانب المحظوظين، الأمر الذى كثرت فيه عمليات الندب الى جهات يكثر فيها الحصول على أموال أو تكون أكثر راحة من ناحية العمل فى السنوات الماضية مما أحدث خللا بالجهاز الإدارى وقد حدد الندب بأربع سنوات فقط وهنا يعتبر مكسبا لعدم احتكار فئة معينة بهذه الامتيازات مدى الحياة دون غيرهم وهو ما نراه الآن فى كثير من المصالح والهيئات الحكومية. وتبدو مشكلة حقيقية واضحة فى القانون هى مخاوف عدم زيادة الأجور بنفس معدل الزيادة فى التضخم فى الأسعار سنويا وربما يكون هذا هو أهم الانتقادات له حيث حدد الزيادة السنوية بنحو 5% فقط من الأجر الوظيفى دون زيادة، وكانت وجهة نظر الحكومة أن تقضى أولا على التشوهات الحالية فى فوارق الأجور بين موظفى الدولة ثم تعالج بعدها هذة الازمة باعتبار أن أزمة التضخم فى الأسعار ترجع فى الاساس الى التشوهات الراهنة لأن هناك شريحة عليا فى الأجور تستطيع الشراء والدنيا ومعظم سواد الموظفين منهم لا يستطيعون الشراء السوق لا يعرف الفقراء وعند تقارب الأجور يمكن أن تقل الزيادة فى الأسعار، كما أن جانبا من الأسعار يعود الى ارتفاع حجم الديون التى تتحملها موازنة الدولة. من بين المخاوف المشروعة الأخرى عدم جواز القانون لترحيل الإجازات السنوية للموظف او صرف بدل نقدى لها الا فى حالة رفض المصلحة لإجازاته لحاجة العمل الية وهى المادة 47 من القانون، والحقيقة المطلقة ان الموظف من حقة ان يحصل على كامل إجازاته وأن يرحل ما شاء منها لوقت قد يحتاجه فى مرضه أو ظروف معيشية أخرى وكان لابد للقانون ألا يكون قاسيا فى هذه الناحية. كما أن المادة 61 من بين المواد التى تثير مخاوف الموظف العام وهى حصوله على نصف الأجر عند الحبس الاحتياطى أو تنفيذ حكم قضائى كما يحرم من كامل أجره إذا كان ينفذ حكما جنائيا نهائيا وكان من الأفضل ألا يستقطع القانون شيئا من راتب الموظف الا بعد صدور حكم نهائى بات بإدانته بدلا من ان يحرم أسرته من مصدر رزق هم فى حاجة إليه فى هذا الوقت كما ان القانون لم يبت فى أمره سواء بالادانة او البراءة حتى يكون حكم القانون سابقا للإدانة بهذه الصورة التى جاء عليها. ومن أهم مكاسب القانون الجديد هو تحويل ادارات شئون الأفراد فى المؤسسات الحكومية الى إدارات لتنمية الموارد البشرية تكون مسئولة عن التدريب والتطوير المستمر لأداء الموظفين وليس الحضور والانصراف كما هو الآن وتغيير الهياكل التنظيمية للوحدات الإدارية. وقد فتح القانون المجال لخروج الموظف على المعاش المبكر وإعطائه ترقية اعلى وخمس سنوات أقدمية إذا تجاوز الخمسين عاما ومدة اشتراكة فى التأمينات الاجتماعية لا تقل عن عشرين عاما ويحصل على كافة حقوق من يخرج على الستين عاما. فتح القانون المجال للشباب للتميز والترقى فى الجهاز الإدارى بعد أن كانت القيادة تتركز فى الأقدمية فقط ليتجاوزها الى الاختيار والكفاءة دون تقيد بالسن ليتحول القطاع الحكومى من الشيخوخة الى العمل بآليات الشباب.