"أهل مكة أدرى بشعبها"... حكمة تمثلت جليا داخل أروقة جماعة الإخوان، بعد كل ما شهدته من انقسامات وانشقاقات وصلت إلى حد اعتراف قيادات الجماعة على أنفسهم، وفضح أهدافهم الخبيثة على مرأى ومسمع من الجميع. وبالتزامن مع الذكرى الثانية لفض اعتصامي "رابعة والنهضة"، كان العالم مع موعد لتسجيل اعترافات "حمزة زوبع" القيادي بالجماعة والمتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة المنحل، والذي فضح خلالها أهداف جماعته من اعتصام رابعة. كشف "زوبع" أن الجماعة كانت تعلم أن اعتصام رابعة العدوية لم يكن ليعيد مرسي إلى الحكم من جديد، لكنهم طالبوا أنصارهم بالتصعيد؛ من أجل الوصول لمرحلة التفاوض. وتابع في حديثه على إحدى القنوات التابعة للجماعة قائلًا: "كنا نعلم أن هذا الاعتصام لن يرد محمد مرسي إلى منصبه، قد يسأل البعض لماذا كنتم تقولون للناس في الاعتصام مرسي سيعود غدًا أو بعد غد؟؛ لأنه كنا نريد أن نصل إلى نقطة التفاوض". وتلاه اعتراف آخر للقيادي بالجماعة "عاصم عبدالماجد" وعضو مجلس الشورى، والذي أكد فيه أن اعتصام رابعة كان الخيار الأخير لتنظيم الإخوان، لتقسيم الجيش المصري، مشيرًا إلى أن ذلك المخطط كان مرسوم له بداية من أول أيام الاعتصام. وتابع "عبدالماجد": كنا معتصمون في رابعة، وقتها كان لابد من عمل سريع، وكانت التقديرات والمعلومات تقول إن الشعب لو أبدى تمسكًا بالرئيس محمد مرسي لن تبقى جبهة الجيش موحدة وستتفكك. منشقين عن جماعة الإخوان وخبراء في الشأن الإسلامي، أكدوا في تصريحات خاصة ل"بوابة الوفد" أن انهيار الجماعة وضعفها دفع أعضائها للإدلاء بمثل تلك الاعترافات في ذلك الوقت الحرج دون وعي منهم، فضلًا عن الرفض الشعبي الكبير الذي دفعهم لتجميل صورتهم. عوض الحطاب، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، رأى أن الجماعة تعرضت لضغوط عديدة خلال الفترة الأخيرة، دفعتها إلى حد الانهيار والإدلاء بتلك التصريحات، فضلًا عن الانشقاقات التي تعرضت لها على يد جبهة الإصلاح وتمرد الجماعة والمنشقين. وأوضح أن الأكاذيب الكثيرة التي روجتها الجماعة، جعلهم يسيروا على مبدأ الاعتراف وتحرير العقول من تلك الخرافات، في محاولة لإظهار بعض الحقائق للحفاظ على كيانهم من الضياع، بعدما انشق الكثير منهم عن الجماعة. ولفت إلى أن اعترافاتهم الحالية جاءت نتيجة ضغوط شعبية بعدما لفظتهم كل الفئات بعيدًا عن الأروقة السياسية، فرغم انتمائهم للجماعة إلا أن عقولهم لا تقبل التخاريف التي ظلوا يؤمنون بها. وأتفق معه في الرأي هشام النجار، الباحث في الشؤون الإسلامية، مؤكدًا أن تلك المرحلة ستشهد ظهور قيادات الجماعة التي قادت اعتصامي "رابعة والنهضة" لتبرر موقفها وتظهر على حقيقتها، وتشير بنفسها إلى السقطات التي وقعت فيها بالتفاصيل والتي تدينها في الوقت نفسه، وتعتبر جرائم في حق الوطن والشعب المصري. وأضاف أن تصريحات "عبدالماجد" تعد إدانة قوية للجماعة وحلفائها، لأنه أكد أن الاعتصام لم يُبن على أساس ديني بل تحريضي وشهد صراعات عقائدية، ولم يكن هناك هدف سياسي واضح للجماعة أو رؤية متكاملة يعبرون عنها، أو قادة محترفون يعتمد عليهم. وتاب، أن الجماعة لم يكن لديها حلًا سياسيًا للأزمة، ولم يستطع أحد منهم وضع رؤية محددة لما بعد انقسام الجيش، مثلما اعترف "عبدالماجد" والذي يتبعه انقسام للدولة، وهو الأمر الذي لن يصب في صالح الجماعة. وأوضح أن الهدف الذي سعى إليه الإخوان هو انقسام الجيش ومن ثم فوضى عارمة في البلاد، تتيح للقيادات والتنظيمات المسلحة وقوى الغرب التي تحرك الجماعة، أن تسيطر على جزء كبير من المشهد كما هو الواقع في العراق التي نجحت فيها "داعش" بالسيطرة على معظم أراضيها. وشدد على أن تلك الاعترافات تدل على ضحالة الفكر والأداء السياسي لقيادات الجماعة ومقاصدها وأهدافها، والتي تظهر أكثر وضوحًا مع مرور الوقت للجماهير، مشيرًا إلى أن الجماعة فقدت المرونة ولا تملك سياسات جيدة أو حلول وسطية، لأنهم يضعون هدف واحد ويحاولون السعي إليه قدمًا وهو خراب البلاد. وأشار إلى أن اعترافات "زوبع" محاولة من القيادات الخارجية لتصدر المشهد، والمنافسة على قيادة التنظيم والتخلص القيادات القديمة، واصفا تصريحه بالفضيحة الكبرى، لأنه كشف أن كل التضحيات التي قدمها الشباب خلال أيام الاعتصام، كان مضحوك عليهم وتحريكهم بزعم أن الهدف هو عودة مرسي، بعيدا عن الهدف الخفي الذي تحدث عنه.