القذافي الكلام عن مصير القذافي يشغل العالم كله في ظل تضارب الأنباء عن المكان الذي لجأ إليه بعد نجاح الثوار في الوصول إلي باب العزيزية، لكن قبل أن نتحدث عن المصير الذي ينتظره العقيد الليبي، يمتلك الرجل تاريخاً طويلاً ومقارنات ومواقف مع عدد كبير من الشخصيات. وفي المقدمة يقف الرئيس السادات والشيخ كشك والحاكم بأمر الله وصدام حسين وهتلر ونابليون بونابرت وجعفر نميري. طبعاً ستسأل: ما علاقة هؤلاء بمصير القذافي؟.. والإجابة: إن كل واحد من هؤلاء حدثاً وحديثاً يتعلق بمصير الرجل الذي أدهش العالم وأضحكه وأبكاه.. القذافي. السادات الراحل عن دنيانا منذ 30 عاماً تشهد له ليبيا الآن، بأنه كان سابقاً لعصره، وكان حكيماً، صاحب رؤية قلما تخطئ.. وبصير في صفاء سماء أغسطس. والسبب أن السادات كان أول رجل في العالم يكتشف أن القذافي هوائي، ومتقلب المزاج، ولا يثبت علي رأي أو موقف أو اتجاه. اكتشف السادات ذلك كله مبكراً جداً، رغم أن القذافي رسم الدور - كما يقولون بلغة السينما - علي جمال عبدالناصر لدرجة أن الأخير اعتبره أمين القومية العربية، أما السادات فرآه أهوجاً ومجنوناً، وكان يصفه دائماً بعبارة «الواد المجنون اللي جنبنا»، كما كان حريصاً علي أن ينطق اسمه بفتح «الميم» فيقول «مَعمر» وليس «مُعمر» والفارق كبير بين الاثنين. ولعل الكثيرين يتذكرون الخطبة الشهيرة التي ألقاها الرئيس السادات في مجلس الشعب، وتحدث في جزء منها عن القذافي، وعلاقته بالاتحاد السوفيتي - آنذاك - ويومها قال السادات، وهو يضغط علي كل كلمة ينطقها: «معمر القذافي قال من فترة علي الاتحاد السوفيتي إنه مُلحد وكافر واستعمار جديد.. ودلوقتي علاقتهم مع بعض سمن وعسل فيا تري «مَعمر» هو اللي قلب أم الاتحاد السوفيتي هو اللي آمن»، وعلي الفور ضجت قاعة مجلس الشعب بالضحك. الشيخ كشك - رحمه الله - كان له - أيضاً - صولات وجولات مع القذافي في الثمانينيات، وكان دائم الهجوم عليه وانتقاده.. في إحدي خطبه وقف الشيخ قائلاً بصوته الجهوري المميز: «واحد زي معمر القذافي راح يحتفل بالمولد النبوي في المسجد.. الناس قعدت تهتف الفاتح الفاتح.. فاتح إيه معرفش.. والنسوان تزغرد في الجامع.. وأول ما أتكلم «معمر» قال: مين «محمد» هذا الذي تمتدحه الناس وتقول عنه سيدنا، لا تقولوا سيدنا أبداً، إحنا ملناش سيد إلا الله». وواصل الشيخ كشك: «وبعدين القذافي مسك النبي قال فيه كلام ميقولوش ملحد، وقال: إحنا نريد القرآن بس، و«لبخ اللي لبخه» ولم يجد في ليبيا رجلاً رشيداً يقول اتق الله.. آدي الحكام العملاء اللي بيتلقوا الأوامر مرة من موسكو ومرة من واشنطن ومرة من لندن ومرة من باريس.. آدي شياطين الإنس، وآدي الاحتفال بمولد النبي، وبعدين راح جاب واحدة، أخذت منه فلوس، وألفت له كتاب بعنوان «القذافي رسول الصحراء»، عمل نفسه رسول والوحي نزل عليه». أما أكثر خطب الشيخ كشك هجوماً علي القذافي فكان سببها وصف القذافي ل «عمر بن الخطاب» ثاني الخلفاء الراشدين بأنه كان ديكتاتوراً مستبداً، فعندها قال الشيخ كشك: «يا قذافي لو قلت هذا الكلام عن «كارتر» لكان صواباً وعن «هتلر» لكان صحيحاً وعن «موسوليني» لكان حقاً إما أن تقول عن رجل كان القرآن يتنزل من الله موافقاً لرأيه فإن الذي يتولي جزاءك هو الله». وأضاف الشيخ كشك: «اسمع يا قذافي إذا غرك مالك فقد خسف الله الأرض بقارون وماله وإذا غرك سلطانك فإن الله أغرق فرعون الذي قال وهذه الأنهار تجري من تحتي، فأجراها الله من فوقه، وإذا غرك عقلك فاعلم أن «هامان» ذهب للهاوية بعقله، وإذا غرتك بلدك فاعلم أن «أبية بن خلف» هلك لغروره بأهله، وإذا غرتك قوتك فانظر إلي قوة العزيز الجبار». قال الشيخ كشك كلماته القوية متوكلاً علي الله، أما القذافي فتوكل علي جهازه الأمني وعلي زبانيته وسجونه، وبقي علي حكم ليبيا 42 عاماً وبعدها خرج ملايين الليبيين الراشدين، ليقولوا له «قف.. كفاية» وتحول القذافي الأخ.. العقيد.. الرئيس.. الثائر، إلي مطارد ينتظر كلمة النهاية. وصار السؤال الأكثر طرحاً الآن هو: كيف ستكون نهاية القذافي؟ وحسب الوضع الراهن ومعطيات الأحدات فإن مصير القذافي لن يخرج عن 6 سيناريوهات. أولها أن يسير علي خطي «هتلر» فينتحر.. والثاني أن يقلد حاكم مصر الفاطمي «الحاكم بأمر الله» الذي اختفي تماماً فلم يعرف أحد حتي الآن ماذا حدث له.. وكيف قضي آخر أيامه؟.. وكيف مات؟.. وأين دُفن؟ السيناريو الثالث أن يتقمص دور نابليون بونابرت فينتفض بعد الهزيمة ويلملم شتات جنوده ويستعيد عرشه.. والسيناريو الرابع أن يطلب حق اللجوء السياسي لدولة عربية أو لاتينية، أو حتي أفريقية، يقضي فيها ما تبقي من عمره، وهو نفس الطريق الذي سار فيه حكام كثيرون مثل «شاه إيران رضا بهلوي» ورئيس السودان الأسبق «جعفر نميري». أما السيناريو الخامس فهو أن تكون نهايته مثل نهاية الرئيس العراقي صدام حسين.. أي يخرجونه من حفرة أرضية وهو منفوش شعر الرأس، منكوش اللحية، مترنحاً ذائغ العينين. وإذا لم يهرب عقيد ليبيا سريعاً خارجها، فإنه بذلك يكون قد اختار لنفسه ذات الطريق الذي سار فيه من قبل شبيهه صدام حسين، أي أنك ستقرأ بعد أيام أو أسابيع وربما شهور قليلة خبراً يقول «القبض علي معمر القذافي داخل نفق بمدينة سرت». وحسب شواهد الأحداث في ليبيا فإن تكرار سيناريو صدام حسين مع معمر القذافي هو الأقرب للحدوث، فأجهزة مخابرات العالم تتسابق حالياً للانفراد بالقبض علي الديك العجوز، وكانت بريطانيا هي أكثر دول العالم وضوحاً، حينما أعلن وزير دفاعها «وليام فوكس» عن استخدام كل القدرات الاستخباراتية البريطانية للقبض علي القذافي، وهذا ما تفعله كل دول العالم. الكل يريد أن يصل إلي القذافي أولاً ويلقي القبض عليه ليعلن للدنيا كلها أنه هو الذي قبض علي القذافي، وعندما سيكون له نصيب الأسد من تحرير ليبيا ومن كعكة إعادة إعمارها التي ستتجاوز تريليون دولار. والمتوقع أنه حتي لو ألقت مخابرات دول ما القبض علي القذافي فإنها قد تخفي الخبر لفترة، ليطول أمد تواجد قوات الناتو في ليبيا، وبالتالي تحصل علي قيمة الفاتورة التي ستدفعها ليبيا لدول الحلف في المستقبل سواء كانت نقوداً أو بترولاً. وما دام هذا السيناريو هو الأرجح، فتوقعوا من الآن سيلاً من الأخبار التي تتشابه مع تلك التي طيرتها وسائل الإعلام خلال الشهور الثمانية التي اختفي فيها صدام حسين، ستسمع أخباراً عن هروب «القذافي» أو عن وجوده في جبال جنوب ليبيا، أو عن تسلله إلي تشاد أو الجزائر وربما يتم الإعلان عن مقتل بعض أبنائه، تماماً مثلما تم مع «قصي» و«عدي»، ابني صدام وبعدها يخرجون القذافي من حفرة في سرت، وعندها سيكون الفارق الوحيد أن الذي أرشد عن «صدام حسين» حصل علي مكافأة قدرها 25 مليون دولار، أما من أرشد عن القذافي فلن يحصل إلا علي مليون و700 ألف دولار، قيمة المكافأة التي تم الإعلان عنها. فارق آخر، هو أن صدام ظل متماسكاً طوال فترة محاكمته، أما القذافي فسيهذي ويهذي وستتحول جلسات محاكمته إلي كوميديا مضحكة وسيصبح أمين القومية العربية وملك ملوك أفريقيا وأمير المؤمنين أضحوكة العالم كله.. ولا عزاء للشعوب العربية.