«الخطيب»: 900 مليون يورو حجم الاستثمارات الإسبانية في مصر    جاهزية 75 قطعة أرض بمشروع «بيت وطن» لتوصيل الكهرباء في القاهرة الجديدة    تفحمت بالكامل.. صور المركبة التي استهدفتها المقاومة بعبوة ناسفة في رفح    سوريا.. قوات الأمن تحرر مختطفين من السويداء    لويس دياز عن مفاوضات برشلونة: فضلت الانتقال لبايرن لتحقيق البطولات    إصابة 12 شخصا إثر انقلاب سيارة كبوت في أسوان    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات الخميس    أسعار المستلزمات المدرسية 2025 في محافظة الدقهلية اليوم 18+9-2025    الوزير " محمد صلاح ": الشركات والوحدات التابعة للوزارة تذخر بإمكانيات تصنيعية وتكنولوجية وفنية على أعلى مستوى    السيسي يوافق على اتفاق لإنشاء مركز تحكم إقليمي بالإسكندرية وبروتوكول تجنب ازدواج ضريبي    «الري»: خرائط لاستهلاك المحاصيل للمياه للوفاء بالتصرفات المائية المطلوبة    جامعة الإسماعيلية الجديدة تستقبل طلابها بجاهزية كاملة للعام الدراسي    اتصال بين وزير الخارجية والمبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط    تجهيز 558 مدرسة لاستقبال 186 ألف طالب بالعام الدراسي الجديد في بورسعيد    إنتر ميامي يتفق مع ميسي على تجديد تعاقده    ميدو: مواجهة الزمالك والإسماعيلي فقدت بريقها.. وأتمنى عودة الدراويش    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    شبانة: وكيل إمام عاشور تخطى حدوده    وزير التعليم ومحافظ الجيزة يفتتحان 3 مدارس جديدة استعدادًا لانطلاق العام الدراسي الجديد    بعد اختفاء إسورة أثرية.. أول تحرك برلماني من المتحف المصري بالتحرير    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    فى حوار له مع باريس ريفيو فلاديمير سوروكين: نغمة الصفحة الأولى مفتتح سيمفونية    معا من أجل فلسطين.. حفل خيري بريطاني يهدم جدار الخوف من إعلان التضامن مع غزة    الصحة: المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة» تقدم خدماتها المتكاملة في مكافحة الإدمان    وزير الدفاع الصيني يجدد تهديداته بالاستيلاء على تايوان لدى افتتاحه منتدى أمنيا    "الرحلة انتهت".. إقالة جديدة في الدوري المصري    النقل تناشد المواطنين الالتزام بقواعد عبور المزلقانات حفاظًا على الأرواح    آثار تحت قصر ثقافة ومستوصف.. سر اللقية المستخبية فى الأقصر وقنا -فيديو وصور    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    فرنسا تستعد لاحتجاجات واسعة وسط إضرابات وطنية ضد خطط التقشف الحكومية    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    اليوم.. افتتاح الدورة الأولى من مهرجان بورسعيد السينمائي    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    "الطفولة والأمومة" يطلق حملة "واعي وغالي" لحماية الأطفال من العنف    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    الصحة تشارك في مؤتمر إيجي هيلث لدعم الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع الصحي    "الألفي": الزيادة السكانية تمثل تحديًا رئيسيًا يؤثر على جودة الخدمات    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ترامب يهاجم الأمير هاري.. ويؤكد: أمريكا وبريطانيا نغمتين للحن واحد    الأمن يضبط شبكة بث فضائى غير قانونية تبث قنوات مشفرة فى الزقازيق    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    سعر الأرز والفول والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتصار مدوٍ‮ بطعم الهزيمة
نشر في الوفد يوم 02 - 01 - 2011

قرأت مقال المهندس أحمد عز المنشور علي حلقتين بجريدة الأهرام يومي‮ 23‮ و24‮ ديسمبر الماضي،‮ وتابعت من خلال الصحف مداخلته في مؤتمر الحزب الوطني يوم‮ 26‮ ديسمبر وأجد لزاما علي‮ أن أعلق علي ما كتبه وقاله وأن أطرح علي القارئ رؤية أخري للواقع المصري وتفسيراً‮ مختلفاً‮ لنتائج الانتخابات البرلمانية‮.‬

فأحمد عز أصبح العقل المفكر والمنفذ في الحزب الوطني إذ استطاع بفضل ذكائه الحاد،‮ وسخائه الحاتمي،‮ وقدرته علي العمل الجاد الدءوب لساعات طويلة ومتواصلة أن يصعد بسرعة البرق إلي المستوي القيادي في هذا الحزب‮. لذلك يتعين التوقف أمام آرائه ومناقشتها بهدوء وموضوعية حتي وإن جاءت هذه الآراء في لحظة انتشاء خالها تتويجا لما تصوره انتصاراً‮ كاسحاً،‮ فأصدر الأحكام،‮ ووزع الأوسمة والشهادات،‮ ووجه الاتهامات،‮ وتلاعب بالأرقام،‮ وفسر النتائج علي هواه مستخفاً‮ بسلطة الرأي العام الذي كان شاهداً‮ علي الأحداث‮.‬
وبالإضافة،‮ فإن أحمد عز الذي زاملته وعرفته عن قرب في مجلس الشعب خلال سنوات‮ 2000‮ و2005‮ كان محل تقديري وإعجابي‮. وتشهد مضابط المجلس اني كثيرا ما أشدت بتقارير لجنة الخطة والموازنة التي كان يشرف علي إصدارها والتي تميزت بأمانة العرض،‮ ودقة الأرقام،‮ وصراحة الرأي،‮ ووضوح الشرح والتفسير‮. وكما عبرت عن اعجابي بقدراته منذ عشر سنوات،‮ أري لزاماً‮ علي‮ أن أصارحه اليوم لأعبر له عن اختلافي الكبير معه في وصف الواقع المصري وأنبهه هو واقرانه في الحزب الحاكم ذ من خطورة الموقف الذي قادوا النظام إليه ووضعوه فيه‮.‬
أما عن الواقع المصري،‮ فأرصد بداية أن الأرقام الكلية للاقتصاد قد تحسنت تحسنا ملموساً‮ خلال السنوات العشر المنصرمة‮. وقد جاء هذا التحسن أساساً‮ نتيجة لإصلاحات تشريعية هيأت المناخ المناسب للاستثمار استجاب لها القطاع الخاص المصري والمستثمرون الأجانب،‮ وأقصد هنا بالتحديد قوانين الضرائب والجمارك وقانون البنوك والقوانين المنظمة للاستثمار،‮ فتم تنفيذ مشروعات كثيرة،‮ وزادت الصادرات،‮ وسجل ميزان المدفوعات فائضا،‮ واستقر سعر صرف الجنيه المصري،‮ وارتفع معدل نمو الناتج المحلي‮.‬
وكان من الطبيعي أيضاً‮ في هذه المرحلة أن يستفيد الاقتصاد المصري،‮ كما استفادت اقتصاديات دول نامية عديدة في العالم،‮ من التقدم التكنولوجي الهائل الذي تحقق خلال العقد الماضي خاصة في مجال الاتصالات ونتجت عنه زيادة كبيرة في الإنتاجية وفي ناتجها المحلي‮.‬
ولكي نقيم أداء الاقتصاد المصري خلال هذه المرحلة علي نحو سليم يتعين مقارنته بأداء دول أخري قريبة من مصر في درجة نموها‮.‬
والواقع هو أن مصر لم‮ " تتقدم بنا‮ " كما تقدمت تركيا بشعبها خلال هذه الفترة،‮ أو الهند أو البرازيل أو جنوب إفريقيا أو فيتنام‮. وعلي وجه التحديد جاءت مصر في الترتيب التاسع والعشرين بين الدول من حيث معدل نمو اقتصادها سنة‮ 2009‮ وفقاً‮ لأرقام صندوق النقد الدولي‮. وسبقتها دول مثل إثيوبيا وأذربيجان ولبنان وقطر وجمهورية الكونغو ونيجيريا وزامبيا وتنزانيا وبنجلاديش وجيبوتي والمغرب وغيرها،‮ وهي نتيجة تستدعي بعض التواضع عند عرض حقائق الاقتصاد المصري وعدم المبالغة في الإنجازات التي تحققت كما فعل المهندس أحمد عز في مقاله الذي فسر فيه الأرقام علي هواه تفسيراً‮ يعبر عن جزء من الحقيقة وليس عن الحقيقة كلها‮.‬
فعلي سبيل المثال قال إن السنوات الخمس الماضية شهدت أكبر زيادة حقيقية في الإنفاق العام مغفلاً‮ أن‮ 40٪ من هذا الإنفاق تم تمويله بالعجز أي من خلال الاقتراض‮. ولذلك تراكمت عبر السنوات الديون حتي بلغ‮ صافي الدين العام‮ 800‮ مليار جنيه أي أن كل مصري يولد مديوناً‮ بمبلغ‮ عشرة آلاف جنيه تمثل نصيبه من الدين العام‮.‬
‮ وعندما صرح بأن متوسط الدخل السنوي للفرد زاد من‮ 7700‮ جنيه مصري إلي‮ 15500‮ جنيه مصري لم يأخذ في الاعتبار التضخم أي ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للعملة‮.
‮ ويري المهندس أحمد عز أن التحاق مليون وستمائة ألف طالب بالمدارس الخاصة دليل علي ارتفاع مستوي معيشة الطبقة المتوسطة،‮ وفي رأينا هو أيضا دليل علي انهيار نظام التعليم في مصر وعلي إلقاء حكومتنا الرشيدة عبئا إضافيا علي ميزانية أولياء أمور هؤلاء الطلبة كي يحصلوا علي قدر مقبول ومعقول من التعليم‮.‬
وأذكِّر أن في العهود البائدة نال أبناء الطبقة المتوسطة وكل العمالقة الذين بنوا مصر الحديثة تعليمهم في المدارس الحكومية‮. فالتعليم الخاص ليس بالضرورة أفضل من التعليم العام لاسيما عندما يخرِّج لنا أجيالاً‮ جديدة تجهل اللغة والثقافة العربية وتكاد تفقد هويتها المصرية‮.‬
‮ وبالمثل فسر المهندس أحمد عز بيع مليون سيارة خلال خمس سنوات في مصر بارتفاع معيشة الطبقة المتوسطة وهو تفسير يحتمل الصدق ولكنه ليس التفسير الوحيد‮. لأن زيادة حجم سوق السيارات خلال هذه الفترة قد يكون راجعاً‮ أيضاً‮ إلي انخفاض أسعارها نتيجة لتخفيض الضرائب الجمركية علي السيارات الصغيرة المستوردة سنة‮ 2004 من‮ 105‮ إلي‮ 40٪، فضلاً‮ عن استيراد السيارات الصينية والكورية منخفضة الثمن نسبياً،‮ أو إلي توسع البنوك التجارية في توفير التمويل اللازم لشرائها،‮ أو تغيير النمط الاستهلاكي للمواطن المصري وسعيه المستمر في محاكاة المجتمعات الغنية والمتقدمة،‮ أو تدني مستوي وسائل النقل العام‮. والأرجح أن تكون كل هذه العوامل مجتمعة هي السبب في زيادة مبيعات السيارات‮.
‮ ثم يخطئ رئيس لجنة الخطة والموازنة في أرقام موازنة الدولة‮. إذ يذكر أننا نصرف خمس إيراداتنا العامة لتغطية أجور‮ 5‮ ملايين موظف حكومي‮. وحقيقة الأمر أن في موازنة‮ 2010/‬‮ 2011‮ نصرف‮ 94.‬6‮ مليار جنيه تمثل‮ 32.‬2٪ من إيراداتنا العامة البالغة‮ 293.‬4‮ مليار جنيه لتغطية هذه النفقة‮. وذلك ليس سبباً‮ لتفاخر أحمد عز لأنه دليل قاطع علي فشل حكومات الحزب الوطني المتتالية في استثمار الأموال الكافية لاستيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل فوظفتهم في دواوين الدولة ووزاراتها وخلقت جهازا يعد من أكبر الأجهزة الإدارية في العالم وأقلهم إنتاجية،‮ بل خلقت مخزنا للبطالة المقنعة‮.‬
‮ ويفتقد المهندس أحمد عز الدقة مرة أخري عندما يذكر أننا نصرف ثلث إيراداتنا علي برامج الدعم والحماية الاجتماعية والحقيقة أن في موازنة‮ 2010/‬‮ 2011‮ نصرف‮ 116‮ مليار جنيها لتغطية نفقات الدعم والحماية الاجتماعية تمثل‮ 39.‬5٪ من إيراداتنا العامة‮. وذلك أيضاً‮ ليس سبباً‮ للتفاخر لأن احمد عز يعلم أن الجزء الأكبر من هذه النفقة يتسرب إلي جيوب‮ غير المستحقين للدعم ولذلك كان هو شخصياً‮ يطالب في تقارير لجنة الخطة والموازنة بضرورة إعادة ترتيب أوجه إنفاق الدعم وفقا لأولويات تحقيق المصلحة ضماناً‮ لفاعلية هذه النفقة الكبيرة‮. وهو يعلم أيضا أن حكومات الحزب الوطني المتتالية منذ سنة‮ 2000‮ فشلت في إجراء حوار مجتمعي للوصول إلي توافق حول أولويات الإنفاق العام وأسلوب توزيع الدعم،‮ كما افتقدت الجرأة أو التأييد الشعبي لاتخاذ القرارات السليمة في هذا الشأن‮.‬
وجدير بالذكر في هذا الصدد علي سيبل المثال أن الدعم المباشر للمنتجات البترولية والغاز الطبيعي فقط،‮ أي الفرق بين تكلفة توفير هذه المنتجات وأسعار البيع الجبرية للمستهلك بالسوق المحلي منذ سنة‮ 2000/‬1999‮ وحتي‮ 2009/‬2010‮ قد بلغ‮ 368‮ مليار جنيها‮. وكان أجدي أن يستثمر ولو جزء من هذا المبلغ‮ في التعليم أو الصحة أو المشروعات الإنتاجية بدلاً‮ من أن يتسرب إلي جيوب أصحاب السيارات الفارهة أو القصور المنيفة‮.‬
ثم يفتخر أحمد عز بأن حكومة الحزب الوطني بنت خلال السنوات الخمس الماضية‮ 300‮ ألف وحدة سكنية متناسياً‮ أن هذا العدد يمثل‮ 12٪ فقط من المطلوب توفيره لسد حاجة الطبقات المتوسطة ودون المتوسطة في السكن‮. وبأنها صرفت‮ 60‮ مليار جنيه علي مشروعات مياه الشرب بينما في عدد كبير من قري مصر مازالت تختلط مياه الشرب بمياه الصرف بسبب تهالك شبكات مواسير الاسبستوس المنشأة في الخمسينات من القرن الماضي‮.‬
‮ ويؤكد أحمد عز في النهاية أن المستفيدين من كل هذه الانجازات يشكلون كتلة تصويتية ضخمة منحت الحزب الوطني هذا الانتصار الكاسح في الانتخابات البرلمانية‮.‬
ونحن من جانبنا نسمع ونري‮ غير ذلك تماماً‮. فالمجتمع المصري اليوم،‮ في عمومه قلق وغاضب رغم تحسن المؤشرات الاقتصادية‮.‬
‮ - سكان المقابر والعشوائيات محرومون من الخدمات والمرافق‮.‬
‮- والعاطلون يبلغ‮ عددهم‮ 2.‬5‮ مليون وفقاً‮ للإحصاءات الرسمية‮.‬
‮- والذين يعيشون بأقل من‮ 2‮ دولار يومياً‮ يبلغ‮ عددهم وفقاً‮ للإحصاءات الدولية أكثر من‮ 30‮ مليوناً‮.‬
‮- والعمال يطالبون برفع الحد الأدني للأجور‮.
‮- والفلاحون تحملوا زيادة كبيرة في تكلفة الإنتاج نتيجة لارتفاع أسعار الأسمدة والكيماويات بينما انخفضت أسعار المحاصيل الزراعية‮.‬
‮- وموظفو الحكومة الشرفاء لا تكفيهم مرتباتهم رغم الزيادات التي أدخلت عليها‮.‬
‮- وأصحاب العقارات القديمة يعانون إيجاراتها الثابتة‮.‬
‮- والشباب‮ غير قادر علي الزواج بسبب أزمة الإسكان أو البطالة أو انخفاض الدخل‮.‬
‮- والأقباط محبطون بسبب التهميش والتمييز‮.‬
‮- والمتطرفون تتسع قاعدتهم كل يوم‮.‬
‮- وشباب المدونات المتمرد يملأ الانترنت ضجيجاً‮ وصخباً‮.‬
‮- والمثقفون المتطلعون إلي مزيد من الحرية يشعرون بتضييق كبير علي حرياتهم‮.‬
‮- وأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرون قلقون من المستقبل الغامض‮.‬
كل هؤلاء،‮ وهم يمثلون أغلبية الشعب المصري‮ غير راضين عن الوضع الحالي ويشكون وينتقدون لأنهم يشعرون أن الوطن الجامع الحاضن لكل أبنائه قد تخلي عنهم،‮ وأن دولة الرفاه‮ Welfare State‮ التي تحمي مواطنيها وتوفر لهم الخدمات الأساسية وتعدل بينهم قد‮ غابت،‮ بل وأن مجتمع الرفاه‮ Welfare Society‮ القائم علي أساس التكافل والمسئولية الاجتماعية قد ضعف‮.
لذلك أتعجب عندما ينتشي أحمد عز ويزهو بانتصاره الساحق بحصول مرشحي الحزب الوطني والمستقلين علي مبادئه علي‮ 97٪ من مقاعد البرلمان لأنه يعرف أن هذا الانتصار‮ غير مستحق ويعرف حجم التدخلات الإدارية والأهلية التي حدثت لتحقيق هذه النتيجة‮.‬
وأتعجب أكثر عندما ينشر مقاله الذي يصف فيه إنجازات الحزب الوطني،‮ وعبقرية خطته الانتخابية وأداءه التنظيمي،‮ وقدرته علي قياس شعبية المرشحين واستطلاع رأي الناخبين،‮ وضعف المنافسين من الأحزاب الأخري ليشرح ويبرر حجم الانتصار العظيم الذي تحقق بينما الملايين تابعت الإجراءات‮ غير الدستورية التي اتخذتها الإدارة للتهرب من تنفيذ الأحكام القضائية،‮ ورأت وشاهدت عبر مواقع الإنترنت العديدة التزوير والتسويد والبلطجة وشراء الأصوات،‮ ولن تقتنع بخطابه‮.‬
ويكون أحمد عز واهماً‮ إن ظن أن نتائج الانتخابات المعلنة تعبر بأمانة عن اختيار الرأي العام أو أن الحزب الوطني يتمتع بهذه الشعبية الجارفة‮. الحقيقة المؤسفة هي أننا فشلنا خلال الستين سنة الماضية في إجراء انتخابات عامة نزيهة تعبر عن إرادة الناخبين‮.
وبالإضافة إلي كل ما تقدم فإني اعتقد أن الحزب الوطني ارتكب خطأ جسيماً‮ عندما سحق المعارضة وأقصاها من الساحة البرلمانية ليسيطر علي‮ 97٪ من مقاعد مجلس الشعب لأسباب عديدة‮:-‬
أولا‮: لأن هذه النسبة العالية فضحت النظام السياسي المصري أمام وسائل الإعلام الدولية‮ - التي باتت تصفه بالشمولية وتشِّبه مجلس الشعب‮ " بدوما‮ " الاتحاد السوفيتي في عهد بريجنيف ذ مع العلم أنه كان يكفي الحزب الوطني الحصول علي‮ 67٪ من مقاعد البرلمان فقط لتنفيذ كل سياساته وتمرير كل مشروعات قوانينه وتحقيق كل أمانيه‮. وكان سيحصل علي هذه النسبة دون الحاجة إلي ارتكاب مخالفات أو تجاوزات لأنه قادر من خلال تنظيمه علي تعبئة عدد من الناخبين يشكل الأغلبية في ظل المشاركة في الانتخابات التي تتراوح نسبتها بين‮ 20٪ و25٪ من المقيدين في جداول الناخبين،‮ فضلا عن تعضيد الأجهزة التنفيذية والإدارية والمحلية له‮.‬
ثانيا‮: لأنه صدم الرأي العام المصري وتنصل من وعده بإجراء الإصلاح السياسي والدستوري المنشود‮. فبهذه النتيجة أعاد عقارب الساعة خمسة وثلاثين سنة إلي الوراء ليصبح الحزب الوطني الأوحد علي الساحة السياسية كما كان الاتحاد الاشتراكي العربي آنذاك،‮ وهي ردة تتناقض مع ثقافة هذا العصر الذي تميز بانتقال أنظمة سياسية في دول كثيرة من العالم من الأوتوقراطية إلي الديمقراطية إيمانا بقيم حرية العمل السياسي والتعددية‮.
ثالثا‮: أخطأ الحزب الوطني عندما سحق الأحزاب المعارضة الداعية للدولة المدنية وأقصاها من الساحة فصور انتصاره علي جماعة الإخوان المسلمين علي أنه انتصار له منفرداً‮ بدلاً‮ من أن يكون انتصار مشروع الدولة المدنية علي مشروع الدولة الدينية،‮ وانتصار الديمقراطية وقيم المواطنة علي دعاوي التفرقة والتمييز‮.‬
رابعا‮: لأنه بإصراره علي احتكار السلطة التشريعية واستبعاد كل من جاء من خارجه بمنطق تفضيل أهل الثقة فرَّغ‮ البرلمان من كفاءات كان في حاجة إليها،‮ فأضعفه وأفقده القدرة علي التعامل مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية المحلية والدولية‮.‬
أخيراً‮ أخطأ الحزب الوطني وأحرج النظام ووضع نفسه وكل أطراف الجماعة السياسية في موقف يصعب الخروج منه قبل حدوث تغيير عميق في الخريطة الحزبية المصرية نتيجة إما للإحباط واليأس الذي سيصيب البعض،‮ أو علي عكس ذلك بسبب انتفاضة البعض الآخر لكسر الحصار المفروض عليه أو بسبب الخلافات والانقسامات الداخلية التي قد يتعرض لها الحزب الوطني لغياب الخصم الذي في مواجهته تتوحد صفوفه‮.‬
لقد أخطأ أحمد عز مهندس انتصار الحزب الوطني وأدخل النظام في مأزق يصعب الخروج منه لذلك كان انتصاره بطعم الهزيمة‮.
*سكرتير عام الوفد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.