يحتاج استرداد أموال شعب مصر المهرّبة إلى الخارج إلى ثلاثة إجراءات عاجلة: 1- أن تقوم الحكومة المصريّة بتقديم طلب رسميّ إلى حكومات الدّول المعنية، 2- أن نسعى إلى الاستعانة بمخابرات الدّول الأجنبية لمعرفة تفاصيل ما تمّ تهريبه من ثروات مصر إلى الخارج، 3- تكليف محامين دوليّين لتمثيل الحكومة المصريّة في معركة استرداد المنهوب من ثروات مصر الّتي تمّ تهريبها إلى الخارج. منذ انطلاق الشّرارة الأولى لثورة مصر المجيدة في الخامس والعشرين من يناير 2011م، سارع كاتبُ هذه السّطور إلى المطالبة بتجميد الحسابات السّرّيّة للمخلوع مبارك، وعائلته، وحاشيته، وعصابته في بنوك سويسرا. بعثتُ بعدّة رسائل إلى كالمي راي، وزيرة خارجيّة سويسرا، وإلى أعضاء في البرلمان الفيدراليّ، بهذا الصّدد. لكنّ وزارة الخارجيّة السّويسريّة بدت وكأنّها غير متيقنة من نجاح ثورة مصر، ففضّلتِ التأني والسّلامة، على العجلة والنّدامة. عندما دحر شعب مصر العظيم أسوأ رئيس حكم مصر منذ بدء الخليقة، وجدَ السّويسريّون أنفسهم مضطرّين إلى اتّخاذ قرار حاسم بخصوص حسابات الرّئيس المخلوع في سويسرا، فأصدرت الحكومة السّويسريّة قرارًا بتجميد أي حسابات محتملة للرئيس المخلوع في سويسرا، وبعض أفراد عصابته. أعقب ذلك ما سمعناه من أخبار عن عثور السّويسريّين على ملايين الدّولارات أو الفرنكات المودعة في بنوك سويسرا باسم المخلوع مبارك. وبرغم أنّ الرّئيسَ المخلوعَ يعتبر هذه الملايين من الدّولارات مجرّد مصاريف جيب، أو فكّة، لأنّه كان لا يتعامل إلّا بالملياردات له والملاليم للشّعب، إلّا أنّ الوقتَ قد حانَ الآن لاسترداد كلّ مليم منهوب من ثروات شعب مصر، واسترجاع كلّ ما نستطيع استرجاعه من الأموال الّتي نهبتها عصابة مبارك وهرّبتها إلى الخارج - خاصّة أنّ شعب مصر المطحون صار اليومَ في أمسّ الحاجة إلى كلّ هذه الأموال المنهوبة - إن لم يكون لرفع مستوى المعيشة، فلتعويض ما تكبّدته مصر من خسائر نتيجة توقّف عجلة الإنتاج أثناء أحداث الثّورة. قرأت اليوم (السّادس من مارس 2011م) خبرًا يقول إنّ وزير خارجيّة إيطاليا طرح مشروعًا لتقديم مساعدات إلى مصر تقدّر بستّة مليارات يورو. خبر قد يبدو جميلًا لأوّل وهلة. يقينًا لا نريد أن نتهكّم على الخواجات ونقول لهم: اختشوا، فنحن لدينا رئيس مخلوع يمتلك أضعاف هذا المبلغ! بل إنّ هذا المبلغ يعتبر بالنّسبة لرئيس مصر المخلوع مبلغًا تافهًا، ويكاد يكون فكّة أو مصاريف جيب من وجهة نظره!! لن نقول للخواجات هذا، برغم أنّهم يعرفون هذه الحقائق جيّدًا، بل وعلى دراية بما هو أنكى. لكنّنا نقول لشعب مصر، وللغربيّين جميعًا، إنّ مصر غنية جدًّا بثرواتها، وهي ليست بحاجة إلى مسرحيّات «المساعدات الأجنبيّة» هذه بعد الآن. لعبة «المساعدات الأجنبيّة» هذه كانت تحدث طوالَ عصر الطّاغية. أمّا في عصر الثّورة، فلن يكون لها مكان في سياسة مصر، بإذن اللّه. كانت هذه «المساعدات الخارجيّة» المزعومة تُخصّص لرشوة أفراد العصابة المعدودين بداية من عائلة مبارك حتّى أفراد الحاشية ورجال الأعمال المزعومين من ناحية، ولدعم اقتصاد الدّولة المانحة بشراء سلع محدّدة من مصانعها ومنتجاتها من ناحية أخرى، ليخرج بعدها الشّعب المصريّ من هذه التّمثيليّة السّخيفة صفر اليدين. والمصيبة في فضيحة «المساعدات» هذه أنّه يتمّ تسجيلها، كلّها أو جزء كبير منها، على أنّها ديون خارجيّة على مصر، بعد أن تكون عصابة المخلوع مبارك قد نهبتها عن آخرها!! بخصوص استرداد أموال مصرَ المنهوبة الّتي قامت عصابة المخلوع مبارك بتهريبها إلى الخارج، فينبغي أن نذكر ما يلي: أوّلًا: بعد نجاح شعب مصر العظيم في دحر الدّولة البوليسيّة الّتي جثمت على صدورنا منذ انقلاب 1952م، سارع بعض رموز النّظام البائد إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال تهريب ما نهبوه من أموال، وما سرقوه من ثروات. من المرجّح أنّهم تمكنوا من تحويل جزء من هذه المياردات من أوروبا إلى دول عربيّة ناصبت ثورة مصر العداء منذ البداية. ثانيًا: بدأت أسرار ما ارتكبه النّظام البائد من جرائم طوال العقود الثّلاثة السّابقة تظهر رويدًا رويدًا. إلّا أنّ الحقائق الكاملة مازالت غائبة، والتّفاصيل الدّقيقة مازالت مجهولة. استرجاع هذه الأموال الطّائلة واجب وطني وديني وإخلاقيّ على كلّ مواطن مصريّ شريف. سيقتضي هذا اتّخاذ خطوات محدّدة، لضمان استرداد هذه الثّروات المنهوبة. ثالثًا: أولى هذه الخطوات تتمثّل في ضرورة القبض على جميع رموز النّظام البائد، وحبسهم، واستجوابهم، والحصول منهم على جميع تفاصيل ما ارتكبوه من نهب وسرقة. ينطبق هذا على أحمد شفيق أيضًا، نظرًا لدوره المشبوه في مقاومة الثّورة، وحماية المخلوع مبارك. إرغام جميع أفراد العصابة على إفشاء أسرار هذه الجرائم البشعة، سيسهّل بعد ذلك اتّخاذ الإجراءات اللّازمة. رابعًا: هناك منظمات دوليّة متخصّصة في مراقبة ما يحدث في العالم من فساد ورشاوي، مثل منظمة الشّفافية الدّوليّة Transparency International، وغيرها. لابدّ من التّعاون مع هذه المنظّمات والاستفادة من كلّ ما لديها من معلومات من أجل معرفة حجم الأموال الّتي هرّبها مبارك وعصابته خلال العقود الثّلاثة الماضية. خامسًا: من المرجّح أن تكون مخابرات الدّول الكبرى على علم كامل بتفاصيل كلّ ما قامت به عصابة مبارك من تهريب ونهب لأموال مصر خلال العقود الماضية. لابدّ إذًا من مخاطبة حكومات هذه الدّول للحصول منها على كلّ ما نحتاجه من معلومات حول هذه الجرائم. سادسًا: يمكن في الوقت نفسه اتّخاذ خطوة حاسمة من خلال تقديم طلب رسميّ إلى حكومات الدّول الغربيّة بالذّات لاسترداد جميع الأموال الّتي هربتها عصابة المخلوع مبارك إلى بنوك هذه الدّول الغربيّة. بخصوص سويسرا، فالنّظام المعمول به هو أن تقوم مصر بتوكيل محام سويسريّ أو أكثر لاسترداد هذه الأموال. يقوم هذا المحامي السّويسريّ بتقديم طلب رسميّ من حكومة مصر إلى الحكومة السّويسريّة، لمطالبتها باتّخاذ جميع الإجراءات اللّازمة لردّ كلّ ما تمّ تهريبه من أموال شعب مصر المنهوبة إلى بنوك سويسرا. أعلن أحد أشهر المحامين السّويسريّين - وهو صديق شخصيّ - استعداده لتولّي هذه القضية، بمجرّد تكليفه من قبل الحكومة المصريّة. هذا المحامي مشهود له بالدّفاع عن الشّعوب المقهورة، ومحاربة الأنظمة القمعيّة. المطلوب الآن أن تقوم الحكومة المصريّة الجديدة بتكليف هذا المحامي باسترجاع أموال الشّعب المصريّ الّتي هربتها عصابة مبارك إلى بنوك سويسرا في أقرب وقت ممكن. سابعًا: أسلوب تعامل البنوك السّويسريّة مع الودائع الأجنبيّة يُذَكّرُني بأحد بخلاء الجاحظ الّذي كان يقوم بمداعبة دنانيره وأمواله، عندما تصل إليه، قائلًا: «مسكينة أنت حقًّا. أتعبك النّاس تداولًا. أرهقك العباد تناقلًا. ستجدين عندي مثواك الأخير. هنا ستكون آخر محطّة لك، ولن تخرجي من عندي بعد ذلك أبدًا»!! حكى لي أحد تلامذتي السّويسريّين الّذي يعمل الآن مديرًا في أكبر بنك سويسريّ (يو بي إس) أنّ موظّفي هذا البنك السّويسريّ الشّهير تعوّدوا على التّهكّم على أغنياء العالم الّذين لديهم ودائع ضخمة في هذا البنك، عندما يقومون بالمرور على البنك مرّة كلّ سنة، فيقولون: «لقد جاؤوا لزيارة أموالهم»!! غنى عن البيان أنّ البنوك ترحّب بأي رؤوس أموال جديدة، لأنّ الأموال هي قوام عمل البنوك. لا بنوك، بلا أموال. ومن هذا المنطلق فطبيعيّ أن ترحّب البنوك بما يردها من أموال، وتستنكر سحب أي أموال منها!! وبرغم هذا لابدّ من إقناع البنوك السّويسريّة والغربيّة أنّ هذه الأموال منهوبة، مسروقة، يحتاجها شعب مصر الآنَ وفورًا، لمواجهة أعباء معيشته، وتنمية اقتصاد بلده. كما أنّ عدم الإفراج عن هذه الأموال يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد المصريّ، وهو ما يمكن أن يؤدّي بدوره إلى اضطرار المصريّين إلى الهجرة غير الشّرعيّة إلى أوروبا، وهو ما لا يمكن أن يُلاقي ترحابًا من السّويسريّين. إذًا فلابدّ أن تسارع بنوك سويسرا بإرجاع أموال مصر المنهوبة إلى المصريّين، حتّى لا يُفاجأ السّويسريّون يومًا بموجات من المهاجرين المصريّين غير الشّرعيّين إلى بلادهم. باختصار تحتاج مصر الآن إلى اتّخاذ الإجراءات التّالية من أجل استرداد أموالنا المنهوبة المهرّبة إلى بنوك سويسرا وسائر الدّول الأخرى: 1- توكيل أحد المحامين السّويسريّين لإنجاز هذه المهمّة. 2- طلب مساعدة مخابرات الدّول الغربيّة لمعرفة تفاصيل ما قامت عصابة مبارك بنهبه من ثروات مصر. 3- تقديم طلب رسميّ فورًا من حكومة مصر إلى الحكومة السّويسريّة لاسترداد هذه الأموال.