يبدو أن البذور الخبيثة لخلق مشكلة جديدة تلتقي فيها سهام الأقلية الإثنية والعرقية معا بدأت تأكل في جسد الجزائر، الذي لم يعد يحتمل طعنات أخرى، كتلك النزاعات التي تشهدها الآن وتجسد بذور الفتنة بين "الأباضية" و"المالكية". فقتل 15 شخصاً على الأقل في مواجهات طائفية وقعت ليل الثلاثاء- الأربعاء بولاية غرداية بالجزائر، بين أتباع المذهب الإباضي وأتباع المذهب المالكي. ووصل مسؤول عسكري كبير إلى المنطقة في محاولة لتهدئة الوضع المتوتر. وقال مصدر إعلامي محلي ل"العربية.نت": إن مدينة القرارة التي تسكنها غالبية إباضية ناطقة باللغة الأمازيجية، كانت مسرحاً لهذه الأحداث الخطيرة. وأوضح أن عشرات الملثمين اشتبكوا بأسلحة بيضاء لمدة ساعات دون أن تتدخل قوات الأمن لتفريقهم. وخلفت المشادات، حسب نفس المصدر، مشاهد مرعبة صباح الأربعاء، تمثلت في سقوط 15 قتيلاً على الأقل، وعشرات الجرحى، بعضهم في حالة خطيرة. وذكرت وزارة الدفاع في بيان، أن قائد الناحية العسكرية الرابعة، اللواء شريف عبدالرزاق، زار المنطقة على أثر الأحداث. وأوضحت أن القائد العسكري "تلقى تعليمات من القيادة العليا تهدف إلى تكثيف الجهود التي تقودها مختلف الهيئات الرسمية وفعاليات المجتمع المدني، من أجل تحقيق الصلح وتعزيز التلاحم وبسط الطمأنينة بالمدينة". والتقى وزير الداخلية، نور الدين بدوي، بأعيان العشيرتين الأسبوع الماضي، ودعاهم إلى استعمال نفوذهم الرمزي بالمنطقة لدفع مئات الشباب المتهورين إلى التوقف عن استعمال العنف. وقال الوزير إن السلطات "ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه إشعال نار الفتنة بغرداية". وغرداية، محافظة تبعد 600 كلم عن العاصمة الجزائرية لجهة الجنوب، يبلغ عدد سكانها 380 ألف نسمة، نصفهم من الأمازيج الإباضيين والنصف الثاني من العرب السنّة المالكيّين، فيها 677 مسجدًا توزّعت مناصفة بين الطائفتين المذكورتين. بدأت المواجهات الطائفية بغرداية في ديسمبر 2013 بين العرب والأمازيج، ما خلّف 18 قتيلًا حتى اليوم، وسط حالة من العنف والتخريب وحرق لمئات المحلات التجارية والمساكن، حسب حصيلة رسمية. فتحولت مدينة بريان الجزائرية التي شهدت مواجهات طائفية بين أتباع المذهب المالكي والإباضي، إلى مدينة أشباح إثر إقفال المحال التجارية أبوابها استجابة لإضراب التجار المتضررين من أعمال التخريب، وذلك على طول الطريق الوطني رقم واحد الذي يقسم المدينة إلى جزأين، شرقي إباضي وغربي مالكي. وبتأمل المواجهات الأخيرة لا يلبث أن يصيب المرء الفزع على هذا البلد المنهك، بسبب نزاعات "الأقلية " فليس بالضرورة أن يكون نزاع الأقلية متوافق مع نظرية المؤامرة فهذه المرة قامت النزاعات والاشتباكات نتيجة رواسب قديمة فيشهد اتحادا إثنيا دينيا "أباضية الجزائر أمازيغ "، كما أن بداية المواجهات تعود لسبب إثني بعد خلاف على توزيع الأرض بين الأمازيغ وقبائل الشعابنة والمذابيح العربية، نتج عنه مقتل أمازيغي أباضي عام 1985، وتجدد النزاع في التسعينيات بعد إفراج السلطات عن القتلة، وظهرت عوامل مساعدة ليزيد رصيد الحقد في الصدور ،فالتهمة التاريخية للأباضية بأنهم على مذهب الخوارج أتاحت للبعض اللمز أن يظهر على الساحة، خاصة مع الخلط شبه المتعمد بين الخوارج وبين الجماعات الأصولية المقاتلة للنظام والمجتمع هناك، وهو ما ولد حساسية إضافية، كما أن شعورهم بالاضطهاد كأمازيغ ولّد مزيدًا من الشرر. قد يكون هناك مد سلفي وآخر شيعي ساعد على الطعن في عقائد الأباضية ، مع بعض رواسب النزاع العربي الأمازيغي ساعدت على سوء الأمر وتعقد المشكلة.