في إحدى زوايا سوق "الزاوية" بمدينة غزة، يقف الفلسطيني أحمد السوسي (42 عاماً)، أمام وعائَين من الزجاج يملؤهما بمشروب "الخروب"، وقطع الثلج التي لا يتوقف عن سكبها في زجاجات صغيرة، تلبية لرغبات عشرات الزبائن الذين احتشدوا أمام عربته. واعتاد السوسي على مدار أكثر من 30 عاماً بيع مشروب "الخروب" في شهر رمضان، إذ ورث هذه المهنة عن آبائه وأجداده. يقول السوسي: " تشكل مهنة بيع العصائر، وخاصة مشروب الخروب، الذي يزداد الإقبال عليه في هذه الأيام بشكل خاص، مصدراً جيداً للرزق، في شهر رمضان الفضيل، لاسيما أن الكثير من الناس يفضلون شراء المشروبات الباردة في أجواء الصيف التي نعيشها حالياً". ويذكر أنه وعائلته المكوّنة من 6 أفراد، ينتظرون قدوم شهر رمضان، حتّى يبدأ عمله في بيع هذا المشروب، نظراً لما يوفره لهم من حياة "مستورة". ولإعداد مشروب الخروب، تُنقع ثماره في ماء نقي، ومن ثم توضع في ماء ساخن لعدة ساعات، قبل أن تُصفى وتُعصر بواسطة اليد، ليخرج منها سائلاً لزجاً بني اللون، يضاف إليه الماء ويغلى من جديد مع إضافة القليل من السكر. وفي ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة، يشهد شهر الصيام، بروز عدة مشاريع اقتصادية صغيرة، يرتبط معظمها ببيع المواد الغذائية، إذ تشكّل دخلاً جديداً للعائلات الفقيرة بالقطاع. ووفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، مطلع الشهر الجاري، فإن معدل البطالة في غزة، بلغ 43 %، فيما بلغت نسبة الفقر 38.8%. وفي أرجاء السوق نفسه، يشارك سعد عبد العال (49 عاماً)، صديقه، مهنة صناعة "القطايف" التي توفر له حياة كريمة له ولأسرته المكونة من 12 فرداً. عبد العال، الذي يعمل على مدار العام في تعليم قيادة السيارات، يخصص شهر رمضان للعمل في صناعة "القطايف" التي تنتشر في كثير من الدول العربية، وهي عبارة عن عجين من الدقيق والحليب، وقليل من الملح، وبيكربونات الصوديوم، ونصف كوب من اللبن الرائب، ثم يُسكب المزيج على شكل أقراص دائرية على صفيحة ساخنة بأحجام صغيرة وكبيرة، ويتم تحضيرها وحشوها بطرق مختلفة. يقول عبد العال الذي يعمل في هذه المهنة منذ عام 1988، للأناضول: " أُحضّر عجينة القطايف داخل المحل الذي أعمل به مع صديقي، ومن ثمّ نضع تلك العجينة داخل آلة صغيرة، تصبّها على شكل أقراص، على لوحٍ حديدي ساخن، وبعد دقائق نحصل على العجينة ناضجة". وبحسب صانع هذه العجينة، فإن القطايف "تمثل فاكهة رمضان، إذ أنها تعتبر من الحلويات التي تمدّ الجسم بالطاقة، ويفضلها الناس في شهر رمضان، بدلاً عن الفاكهة الطبيعية، رغم ارتفاع درجات الحرارة بغزة". ويشير إلى أن المهن التي ترتبط ببيع وصناعة المواد الغذائية، من أكثر المهن التي تنشط في رمضان، واصفاً إقبال الناس على شراء القطايف ب"الجيد جداً" رغم تردي الأوضاع الاقتصادية. وعلى طاولة صغيرة، في السوق، يرتّب الطفل رائد رضوان (14 عاماً)، فوانيس وأهلّة رمضان البلاستيكية، بشكل يجذب الأطفال لشراء بعضها. يتحدث رضوان: "منذ أكثر من 4 سنوات، أضع هذه الطاولة في أسواق غزة، وأرتب عليها زينة رمضان، والفوانيس، وأعمل طيلة الشهر المبارك، لأساعد والدي في توفير متطلبات المنزل الأساسية". وليس ببعيد، اتخذ عمر أبو عاصي (37 عاماً)، من بيع الفلافل المحشوّ بالبصل، والسماق (نوع من البهارات)، مهنة في شهر رمضان. ويسعى أبو عاصي من خلال هذه المهنة للهروب من الوضع الاقتصادي المتردي، الذي يعيشه وعائلته المكونة من 6 أفراد، إذ توفّر لهم دخلا مادياً "لا بأس به". ويقول أبو عاصي للأناضول: "في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر بغزة، وجدت أن هذه المهنة جيدة لإعالة أسرتي وانتشالهم من الفقر"، مشيداً بإقبال الغزيين على شراء أقراص الفلافل، خاصة أنها "رخيصة الثمن"، وتمثّل لبعض العائلات الفقيرة وجبة فطور متكاملة، بمبلغ يقارب ال(2) دولار. ويعيش حوالي 1.8 مليون مواطن في قطاع غزة واقعاً اقتصادياً وإنسانياً قاسياً، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي.