ارتفعت قيمة السيولة المحلية بمعدلات كبيرة خلال الشهور الأخيرة كما ارتفعت الودائع بالبنوك بما يعكس مؤشرات اداء جيدة للقطاع المصرفى تعبر عن اداء الاقتصاد القومى غير أن مؤشرات الارتفاع المتواصل فى اسعار السلع والخدمات على المواطنين وما يقابله من استمرار لثبات معدلات الفائدة بالبنوك يعكس خللا واضحا فى ادارة السياسة النقدية بما يشير الى انها تغذى الارباح المتراكمة بالبنوك والتى استمرت فى الحصول عليها نتيجة تدنى معدلات الفائدة المصرفية وهو ما ساعدها على تغطية مراكزها المالية المتعثرة وتكوين كثير من المخصصات المالية التى تعوض بها حجم الديون التى أعدمتها نتيجة تعثر فترة ما قبل التسعينيات والأمر الثانى فإن استمرار وضع معدلات الفائدة الحالية يعنى تزايد حجم الودائع بالبنوك وفى نفس الوقت تراجع معدلات اقتراض القطاع الخاص من البنوك لبناء مشروعات اقتصادية مقارنة بالسنوات السابقة لازمة التعثر المصرفى وبالتالى يكون السؤال من المستفيد من تدنى اوضاع الفائدة حيث إنه لأكثر من ثمانية اجتماعات للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى وهى تقوم بتثبت أسعار الفائدة مقابل الشكوى المرة من المواطنين فى كافة المحافظات من لهيب الاسعار الذى طال كل شىء من السلع والخدمات وكل الأخضر واليابس مما يملكون. ويبدو اللغز الآخر الذى يرتكز عليه البنك المركزى فى هذا الأمر وهو التضخم الأساسى الذى يستبعد منه أسعار السلع الغذائية والإدارية خاصة سلة الطعام والشراب من حساب معدل التضخم يظهر حركة التضخم فى الأسعار ضعيفة للغاية وهذا ببساطة لأن أكثر الاشياء التى تهم المصريين هى سلة الطعام والشراب وهى التى تستحوذ على النسبة الأكبر فى الإنفاق يصل الى 50% من انفاق الأسر المصرية وبالتالى نجد شهريا التضارب فى ارقام التضخم بين الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء وبين البنك المركزى وبطبيعة الحال فان جهاز الاحصاء هو المنوط به جمع هذا البيان ولكن المواطن غير المتخصص يصاب بالارتباك عندما يرى احصاءات تقول ان هناك ارتفاعا فى الاسعار والمواطن يشعر بل ويصرخ من هذه الارتفاعات ونجد فى نفس اليوم تأكيد البنك المركزى ان هناك تراجعا فى معدل التضخم الاساسى مما يثير حفيظة الكثير من المواطنين وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزى اوضاع السيولة وحجم الائتمان الموجه للقطاعات المختلفة خاصة القطاع الخاص حيث ارتفعت السيولة المحلية لتصل الى 1٫7 تريليون جنيه بزيادة 165.6 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو 2014 الى نهاية شهر مارس 2015 بنسبة زيادة نحو 11% وبلغت نسبتها الى الناتج المحلى الاجمالى نحو 70% مقابل 64,7% فى اغسطس الماضى وارتفعت السرعة الداخلية للنقود بنحو 1,43% وكشفت بيانات البنك المركزى عن ارتفاع حجم الودائع بالبنوك ليصل الى تريليون و663٫8 مليار جنيه فى نهاية شهر مارس الماضى مقابل تريليون و433٫7 مليار جنيه فى نهاية يونيو من العام الماضى بارتفاع نحو 230٫1 مليار جنيه خلال 9 شهور فقط بما يعادل 16% وهو ما يؤكد ارتفاع حجم الاموال بالبنوك خلال الفترة الاخيرة دون ضخها فى مشروعات اقتصادية. كما تشير البيانات الى ارتفاع حجم الائتمان المحلى الى تريليون و867٫6 مليار جنيه فى نهاية مارس الماضى مقابل تريليون و625٫1 مليار جنيه نهاية يونيو الماضى بزيادة 242,5 مليار جنيه بلغت صافى نصيب الحكومة من هذا الائتمان والذى هو صافى ديون مستحقة عليها للبنوك تصل الى تريليون و210٫5 مليار جنيه بزيادة نحو 165٫3 مليار جنيه خلال نفس الفترة بينما بلغ صافى ديون قطاع الأعمال العام للبنوك خلال نفس الفترة 63,8 مليار جنيه مقابل 45٫4 مليار جنيه بزيادة 18٫4 مليار جنيه. أما صافى ديون القطاع الخاص للبنوك فقد بلغت 427٫8 مليار مقابل 389٫3 مليار جنيه بزيادة 38 مليار جنيه فقط. والملاحظة الجديرة بالاهتمام هى أن الزيادة فى حجم الائتمان بالنسبة للحكومة أكثر بكثير جدا مما يحصل عليه القطاع الخاص 165 ملياراً مقارنة بنحو 38 ملياراً فقط لنكتشف حجم الاستثمار الخاص الممول من البنوك فى مصر وحجم الاقتراض التى تستهلكه الحكومة بسبب المديونية التاريخية من الديون المحلية. وقد وصل حجم الديون المتعثرة والمعدومة المشكوك فى تحصيلها 68 مليار جنيه مقابل 62,7 مليار جنيه يرجع معظمها الى ازمة التعثر المصرفى التى شهدتها البنوك أواخر التسعينات واوائل الالفية الجديدة مضافا اليها الفوائد السنوية. حجم السيولة الكبير فى البنوك بدون استثمار وتوظيف أمثل يدر عائدا على البنوك نفسها ويضخ استثمارات توفر فرص عمل للشباب وتحسن مستويات المعيشة يعد خللا وسيراً فى الطريق الخطأ ولن يفيد الدولة وما تسعى إليه من نهضة ونمو وعلى الجانب الآخر يجب أن تكون هناك مراجعة تعيد الثقة بين رجال الأعمال والبنوك بما يضمن عودة الأموال من جهة والإقراض الذى لا يؤدى الى هروب رجال الأعمال كما أنه من الظ لم الشديد لعملاء البنوك أن تظل معدلات الفائدة ثابتة دون تحريك بينما الأسعار ترتفع بشكل كبير فى السوق وما يحصلون عليه من عوائد يتآكل وتفقد أصولهم المصرفية قيمتها.