بسم الله الرحمن الرحيم.. «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى * إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (الأنفال: الآية 7)، ونزلت هذه الآية فى العباس بن عبدالمطلب بن هاشم، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد خرج لمحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر مكرها مثل غيره من بني هاشم، فأسر وشد وثاقه، وسهر النبي تلك الليلة ولم ينم، فقالوا: ما يسهرك يا نبي الله؟ قال: «أسهر لأنين العباس». فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بالأسرى كلهم، وحين تقرر أخذ الفدية قال الرسول صلى الله عليه وسلم للعباس: «يا عباس، افد نفسك، وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بني الحارث بن فهر، فإنك ذو مال»، وأراد العباس أن يغادر من دون فدية فقال: يا رسول الله، إني كنت مسلماً، ولكن القوم استكرهوني. وأصر الرسول على الفدية، ونزل القرآن بذلك فافتدى العباس نفسه بمئة أوقية من ذهب. ولم يعلن العباس إسلامه إلا عام الفتح، وفي بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحج وفد الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، ليعطوا الله ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة، أنهى الرسول نبأ هذا الوفد إلى عمه العباس، فقد كان يثق بعمه في رأيه كله، فلما اجتمعوا كان العباس أول المتحدثين فقال: «يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أَبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلِّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده». وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر بالمدينة ليلة العقبة فيقول: «أيدتُ تلك الليلة بعمي العباس، وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم». ولم تكن قريش تخفي شكوكها في نوايا العباس، ولذا فقد وجدت في غزوة بدر فرصة لاختبار حقيقة العباس، فدخل العباس الغزوة مكرها، ويلتقي الجمعان في غزوة بدر، وينادي الرسول في أصحابه قائلاً: «إن رجالاً من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله، من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله، فإنما أخرج مستكرها».