"إنى يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنياي لأستقبل أجل الله .. فلن أختم حياتى بنفاق ، ولن أبرز عنتريتى باجتراء .. ولكنى أقول كلمة موجزة للأمة كلها .. حكومة وحزباً، ومعارضة ورجالاً ، وشعباً، .. أسف أن يكون سلبى" كلمات رددها الشيخ الشعراوى عندما طلب منه أن يوجه كلمة للرئيس الأسبق مبارك بعد حادثة أديس أبابا، وخرجت الكلمات كصاروخ أطلقه فى وجه حاكم ظلم شعبه لأكثر من ثلاثون عامًا، لم ينطق فمه سوى الحق ومايراه لارضاء المولى عز وجل، وهكذا اختتم حياته فى مثل هذا اليوم منذ أكثر من سبع عشرة عامًا، ليستحق أن يلقبه العامة ب"إمام الدعاة" . ظل إمام الدعاة مدافعًا عن الحق وعن المعانى السامية، لم يخش يومًا لومة لائم أو غضب حاكم، كان شفافيًا ونزيهًا يطلق كلماته كالصواريخ التى تقوى الضعيف وتضعف القوى تنصف الملظوم وتهد من جبروت الظالم، فقد اختتم لقاءه هذا مع مبارك بترديد "يا سيادة الرئيس، آخر ما أحب أن أقوله لك، ولعل هذا يكون آخر لقائى أنا بك،إذا كنت قدرنا فليوفقك الله ،إذا كنا قدرك ، فليعنك الله على أن تتحمل". الإخوان والوطنى ومبارك ومعارضيهم" فى عيون الشعراوى لم تكن مواقف الشعراوى مقتصره فقط على مبارك، وانما إمتدت للإخوان، فقد أوضح كتاب "الشعراوى الذى لا نعرف" علاقة الشيخ الإمام بالإخوان، وسردت الصفحة ال68 و69، أنه كان دائم المقابلة لحسن البنا وأنه انضم فى بدايته إلى جماعة الإخوان، إلى أن قام أحد الأعضاء فى اجتماع لهم بمهاجمة النحاس باشا لمجرد أن الأغلبية من الشعب تتبعه، ويقول الشيخ بعدها" "كان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لي، ولم أكن أتوقعه، وعرفت ليلتها "النوايا"، وأن المسألة ليست مسألة دعوة وجماعة دينية، وإنما لعبة سياسية، وأغلبية وأقلية، وطموح إلى الحكم. وفي تلك الليلة اتخذت قراري، وهو الابتعاد، وقلت: سلام عليكم، ماليش دعوة بالكلام ده" . وعُرف عن الشيخ أنه كان فقيهًا بليغ اللسان سريع الرد بإيجاز، ففى سؤاله عن رأيه فى الحزب الوطنى، قال"رجح ولا تُجرح ولا تضبط نفسك مع نعم بدون استحقاف فدوام الوفاق نفاق" ، ثم أتبعها برسالة لمبارك قائلا" ما لا ترده فى حكمك فامحو أثره من سلفك وافرغ إلى حملك ونحن سنعينك بأن نصلى من أجلك". غموض فرحته بالنكسة ورغم الوطنية الشديدة التى كان يتصف بها الشيخ الشعراوى ما جعل البعض يردد مقتطفات من كلامه بكل مناسبة أو حدث جلل تمر بها مصر، إلا أن الشيخ كان له موقف غامض وهو عندما سمع خبر نكسة 67 وكان حينها فى الجزائر سجد "سجدة شكر" فرحًا بعدم إنتصار مصر وهى فى أحضان الشيوعية، قائلاً "لأننا لو نصرنا ونحن فى أحضان لأصبنا بفتنة فى ديننا" . وصرح الشيخ فى لقاء له، أنه ايضًا سجد فرحًا بنصر أكتوبر، مشيرًا إلى أن فرحته كانت لسببين أولهما أن النصر جاء ومصر بعيدة عن أحضان الشيوعية، وثانيهما "الله أكبر" التى رددها الجنود بالمعركة. تميز الإمام بالعديد من المواقف عن غيره من الأئمة والشيوخ، فقد كان حريصًا على دعوة الفنانين للالتزام بدين الله وكان له بالغ الأثر فى هداية العديد منهم وتمسكهم بالصلاة والصيام وشعائر الدين الاسلامى،فكانت الفنانتبن تحية كاريوكا وليلى مراد، دائمين الاستماع إلى خطبه ونصحه، طالبين منه الدعاء لهما، فضلا عن كونه كان سببًا فى هداية الفنانة شادية، التى أثرت الذهاب إليه فى منزله بالحسين وخرجت من هذه المقابلة عازمه على التمسك بالصلاة والقرآن وقيام الليل، وتركت عقب ذلك الحياة الفنية. ومن مواقف الشيخ الشعراوى مع الفنانين ما قام به مع الفنان عماد حدى فور علمه بإصابته بحالة من الاكتئاب رافضًا بعدها مقابلة أى شخص،وسرعان ما توجه الشيخ لمنزل الفنان معرفًا نفسه وطالبًا الحديث معه،ثم جلسا معًا فى جلسة طويلة انتهت بإزالة الاكتئاب عن عماد حمدى. \ مواقف مثيرة للجدل تمتع الشيخ الشعراوى بمساحة كبيرة من الصراحة والوضوح، وهذا ما دفعه إلى الدخول فى العديد من المعارك مع أصحاب الفكر، فقد رأى الشيخ الشعراوى فى أحد خطبه بعدم جواز عمل المرأة، كما كان رافضًا لمجانية التعليم خاصة وأن مصر دولة فقيرة من دول العالم الثالث، ورأى الشيخ ضرورة تحجب المرأة وحشمتها وإن كانت غير ذلك فهذا يدفع زوجها إلى الشك فى سلوكها وأخلاقها، وهو ما أدى إلى تعرضه للهجوم من حقوقيين ومفكرين عدة كان على رأسهم المفكر الراحل فؤاد زكريا، والذى شن هجوم عنيف على الشيخ الشعراوى خلال مقاله له بعنوان" كبوة شيخ"والتى أتهم فيها الإمام بإحتقاره للعلم و تحقيرة للمرأة وتقليل شأنها. وبالرغم من الخلافات التى وقع فيها الشيخ مع عدد من معارضيه من المفكريين والحقوقيين، إلا أن الشيخ سيبقى علامة مضيئة فى تاريخ مصر الحديث، وستظل مواقف الشيخ الواضحة التى لا تحمل في طياتها أى مجابهه أو مجامله، طريق صريح لمنتهجى العلم الدينى لإنتهال من علمه وفكره ما يشاؤون.