ورث الرئيس عبدالفتاح السيسى تركة ثقيلة من حُكم «مبارك» فيما يختص بعلاقات مصر مع أمريكا، إضافة لعملية التزاوج التى تمت مع أمريكا إبان حقبة الإخوان التى امتدت عاماً، وكان أول ما سعى إليه السيسى هو محاولة إخراج مصر من التبعية لأمريكا، وتخطى حالة عدم الاتزان التى عانت منها مصر منذ سقوط نظام مبارك، فى ظل مساعى حكومة واشنطن للهيمنة التامة على مصر، وبقيت العلاقة الثنائية بين مصر وأمريكا بين شد وجذب دبلوماسى، بجانب تلويح من السيسى بالتوجه شرقاً، الأمر الذى تمثل فى زيارته لروسياوالصين. فعقب سقوط حكم جماعة الإخوان في الثلاثين من يونية 2013، وعزل مرسي، أصبحت العلاقة بين النظام المصرى الجديد والولاياتالمتحدة متأزمة، خاصة مع الضغط الأمريكى المستمر والتلويح بورقة المساعدات للضغط على النظام المصري، بجانب محاولتها دعم الأسهم السياسة للإسلاميين فى الداخل والخارج، اعتقاداً من واشنطن أن الإخوان يمكن لهم العودة للحكم مجدداً، لأنها الجماعة الأفضل على الإطلاق لتنفيذ كل الاملاءات الأمريكية والسير وراء الذيل الأمريكى من قبيل رد الجميل لواشنطن التى دعمت الإخوان بالمال والنفوذ، لكن أمريكا كانت تراهن على الحصان الخاسر، وكانت المواجهة الحقيقية بين الشعب المصرى وأمريكا فى 3 يوليو 2013، وبعد سقوط حكم الإخوان برزت إشكاليتان أساسيتان: أن النظام الحاكم الجديد في مصر غير مرحب بانحياز واشنطن لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فإن دوائر صنع القرار الأمريكية رأت في حدث عزل الرئيس المنتمى لجماعة الإخوان نهاية لشبكة من التحالفات الجديدة، كانت تسعي واشنطن لترسيخ وجودها. أما الثانية فتمثلت في الموقف الأمريكي الملتبس مما جرى في 30 يونية و3 يوليو 2013، وعدم الثبوت على موقف توصيف مُحدد للمشهد المصرى يرضي الشعب والنظام الحاكم في مصر، حيث كان إسقاط جماعة الإخوان المسلمين قد تم عبر ثورة شعبية لا تختلف عن ثورة 25 يناير 2011، وكانت مراوغة الموقف الأمريكى الرسمي مسيئة على كافة المستويات. ومن هنا كانت خطة الرئاسة الأساسية، هى الفكاك من أسر التبعية لأمريكا، والخروج إلى رحاب دول كبرى أخرى، يمكن أن تحدث نوعاً من التوازن الدولى فى علاقتها مع مصر، وبالتالى اتجه السيسى إلى روسيا، وإلى الصين، وغيرهما من دول العالم ذات القوة الاقتصادية والتأثير السياسى. رغم ذلك وإلى وقت قريب وحتى من آن لآخر تطفو اليوم ملامح أزمة العلاقة بين النظام المصري والإدارة الأمريكية على السطح، حيث لا تتردد واشنطن في انتقاد تعامل الحكومة المصرية، مع تظاهرات عناصر الإخوان المسلمين، وتتغاضى عن أعمالهم الإرهابية فى الشارع المصرى. منحنيات سياسية ومرت علاقات مصر بأمريكا منذ ثورة 30 يونية، وفى عام من عهد السيسى بعدة منحنيات سياسية، نذكر منها الآتى: اتخذ الرئيس الأمريكي قراراً بإيقاف المناورات العسكرية المشتركة «النجم الساطع» مع مصر، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. الإدارة الأمريكية لوحت دائماً بورقة وقف المساعدات للضغط على النظام المصري. التهديد بإيقاف تسليم مصر دبابات وطائرات مقاتلة، وطائرات هليكوبتر وصواريخ، بالإضافة إلي مساعدات نقدية تُقدر ب 260 مليون دولار. إعلان أوباما إلغاء مناورات «النجم الساطع» بين الجيشين الأمريكي والمصري، التي كانت مقررة في سبتمبر 2013، وقال: «تعاوننا التقليدي مع مصر لا يمكن أن يستمر كما هو»، فيما تناقش إدارة أوباما ما إذا كانت ستوقف تزويد الجيش المصري بطائرات «أباتشي» جديدة من طراز «آي إتش 64 دي». رفضت مصر استمرار التبعية التي ظلت لسنوات السمة الغالبة للعلاقة بين القاهرةوواشنطن، وعدم الاستجابة لكافة المطالب الأمريكية، خاصة التى كانت تتعلق بأزمة مصر الداخلية مع جماعة الإخوان المسلمين، ورفضت المطالب الأمريكية بإيجاد تسوية سياسية والتصالح مع جماعة الإخوان الإرهابية. وقد تمثل التأييد الشعبى الجارف للسيسى فى خلق تيار عام فى الشارع المصري يطالب الحكومة بإنهاء حالة التبعية لواشنطن، وبات لدي هذا التيار اعتقاد راسخ بأن توجهات الإدارة الأمريكية مناوئة للمصالح المصرية. مصر بدورها لوحت بالتخلي عن المساعدات الأمريكية، والشروع في مراجعة معاهدة السلام مع إسرائيل، والانفتاح على قوى دولية أخرى منافسة للولايات المتحدة، مثل روسياوالصين، لتكون بمثابة مصدر بديل للتسليح والدعم الاقتصادي. إنجازات سياسية على الرغم أن الجيش المصرى يعتمد فى تسليحه بصورة أساسية على الولاياتالمتحدة، إلا أن الرئيس السيسى لم يخضع لواشنطن ووضع مصلحة مصر العليا نصب عينيه، وتعامل برشد فى إعلانه صراحة سياسة مصر الجديدة فى تنويع مصادر السلاح، والتواصل مع دول كثيرة فى هذا الصدد على رأسها الصينوروسيا وفرنسا، وسعى إلى إرساء منهج مصرى جديد للعلاقات مع الولاياتالمتحدة، قائم بالأساس على فكرة تبادل المصالح، وليس مجرد أسلوب تبعية، ونجحت مصر فى إيصال رسالة الاعتراض على مواقف واشنطن ورفض الانصياع لمطالبها، دون أن تصل إلى مرحلة القطيعة، كما نجحت مصر خلال عام من حكم السيسى فى الصمود فى محاربة الإرهاب وهو ما أجبر أمريكا عن التراجع عن أساليب الضغط. كما نجحت مصر فى خطوة مهمة، وهى إبراز احتياج أمريكا لمصر لمزايا عسكرية ولوجيستية مثل: استخدام الأجواء المصرية، وتسهيلات فيما يتعلق بعبور قناة السويس للسفن والبوارج الأمريكية، علاوة على ضمان استمرار العلاقات السلمية بين إسرائيل والقاهرة، انتصر النظام الحاكم فى صراعه مع جماعة الإخوان وتمكن من تحقيق استقرار الدولة، فما كان من واشنطن سوى التعامل مع الواقع المصرى الوطنى الجديد، خاصة بعد أن قامت دول الخليج بتقديم المعونات إلى مصر، وأعلنت استعدادها لتقديم المزيد منها إذا أوقفت دول غربية معوناتها للقاهرة. ومن خلال هذه السياسة، كرس السيسى حقيقة أن تبعية مصر لأمريكا والغرب انتهت بغير رجعة، قائلاً: «سياسة مصر الخارجية تحددها مصالحها وضرورات أمنها القومي».. وجاءت زيارة الرئيس إلى نيويورك لتكون محط أنظار وسائل الإعلام المحلية والعالمية، خاصة أنه الظهور الأول للرئيس المصري على الساحة العالمية الذى اعتبر رسالة مصر للعالم بعد ثورة 30 يونية، وما تبعها من حالة سوء فهم وتقدير خاطئ للحالة المصرية المتميزة، واتفقت معظم وسائل الإعلام الغربية فى حينه بأنها «ناجحة» على الرغم من محاولات أنصار جماعة الإخوان الإرهابية والمعزول مرسى التشويش على ما حققته مصر من نجاحات. وشارك السيسى فى اجتماعات المنظمة الدولية وقمة المناخ، والتقى بنظيره الأمريكى باراك أوباما، إلى جانب وزيرى الخارجية الأمريكيين السابقين هنرى كسينجر ومادلين أولبرايت، كما التقى مجموعة من رجال الأعمال، واستعرض معهم الجهود، التى تبذلها مصر لتحسين مناخ الاستثمار. وبالطبع فإن هذه لم تكن زيارة رسمية للولايات المتحدةالأمريكية، إلا أن السيسي عمل خلالها على عقد لقاءات كثيرة مع الزعماء الأجانب وشرح الأوضاع في مصر، ولم يقبل بلقاء باراك أوباما على هامش الجمعية العامة إلا في لقاء ثنائي.