أكد الكثير من المراقبين أن مصر لم تعد بأى حال من الأحوال دولة تابعة للولايات المتحدة، وأن «الحج» للبيت الأبيض الذى كان سمة واضحة للنظام السابق، قد انتهى من قاموس السياسة المصرية، على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى سعى ومنذ توليه مقاليد السلطة فى البلاد إلى تطوير علاقات مصر مع القوى الأخرى بخلاف الولاياتالمتحدة، مثل روسياوالصين ودشن توجها واضحا نحو القوى الكبرى فى شرق العالم بدا جليًّا من زياراته إلى الصين، وروسيا، والتطورات الإيجابية الكبيرة فى العلاقات مع موسكو، واستقبال القاهرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال فبراير الماضي، وبالطبع جعل السيسى من توطيد العلاقات التاريخية التى تربط مصر بشكل وثيق بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمثابة علاقة استراتيجية.دلائل كثيرة تؤكد أن هناك توترًا حادثًا فى العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة ،بداية من تأخر الموافقة على تقديم السفير الأمريكى الجديد بالقاهرة «روبرت ستيفين بيكروفت» أوراق اعتماده لوزير الخارجية سامح شكري، وهو ما لا يحتاج إلى عناء فى التفسير واستكشاف السياسة الخارجية المصرية الجديدة نحو أمريكا. وهناك حادثة أخرى تؤكد على تغير سياسات القاهرة نحو واشنطن، حين كسر الرئيس الأمريكى أوباما حظر القانون الأمريكى على أى رئيس للولايات المتحدة بعقد أية لقاءات مع أى من الرؤساء المشاركين فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسعيه إلى لقاء الرئيس السيسي، بعد أن تقدمت السفارة الأمريكيةبالقاهرة بطلب رسمى إلى وزارة الخارجية لعقد اللقاء، بعد رفض الخارجية المصرية طلبا سابقا من أمريكا، قالت فيه وقتها إن: «واشنطن لا تمانع فى عقد لقاء بين الرئيسين، إذا تقدمت القاهرة بطلب رسمي»، وردت مصر بشكل حاسم: «القاهرة لا ترغب فى عقد هذا اللقاء وعلى من يرغب فى إجرائه التقدم بهذا الطلب». وهناك محاولات جادة من الداخل الأمريكى خاصة من عدد كبير من أعضاء الكونجرس الجمهوريين لرأب صدع العلاقات بين القاهرةوواشنطن وتُدار من وراء الكواليس جهود سياسية مكثفة من أجل إنعاش العلاقات بين البلدين، ومن ضمنها الجهود التى يبذلها الملك عبد الله عاهل الأردن الذى قام بجولات مكوكية بين واشنطنوالقاهرة،بغرض تقريب وجهات النظر، وإظهار الدور المحورى لمصر أمام الأمريكيين فى أكثر من مناسبة. وبعد انتخابات التجديد النصفى فى الكونجرس وجدت رغبة حقيقة فى إعادة العلاقات لسابق عهدها من خلال الأعضاء الجمهوريين والذين يمارسون ضغوطا الآن على الرئيس الأمريكى باراك أوباما للإفراج عن طائرات إف 16 المقررة كمساعدات لمصر والمعلقة منذ عام 2013، حيث أن لديهم القناعة التامة أن مصر تبقى بمثابة ركيزة استراتيجية وعنصرًا رئيسيًا للاستقرار فى الشرق الأوسط ويخشون بشدة خسارة مصر كدولة تبنى عليها السياسات الاستيراتيجية فى المنطقة، خاصة بعد توقيع مصر على صفقة استيراد طائرات الرافال الفرنسية. وبات واضحا للجميع أنهم يمارسون ضغطا شديدًا على الرئيس الأمريكى أوباما حتى لا المصالح الأمريكية الكبرى فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية، من خلال استعادة علاقاتهم الجيدة مع مصر. ولم يدخر الجمهوريون جهدا وسعوا بكل السبل لفتح قنوات مع مصر والرئيس السيسى حيث دعا النائب الأمريكى، دانا روراباكر، رئيس مجلس النواب الأمريكى، جون بوينر، لتوجيه الدعوة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى لإلقاء خطاب فى الكونجرس الأمريكى. وقال روراباكر، النائب عن الحزب الجمهورى، فى بيان له الأسبوع الماضى إن: «الكونجرس بحاجة للاستماع مباشرة من القادة الرئيسيين فى الشرق الأوسط، وهذا هو السبب فى مطالبتى (بوينر) بدعوة الرئيس المصرى إلى إلقاء كلمة أمام المجلس. وتابع: لقد كانت مصر، ولا تزال، واحدا من أقوى حلفاء أمريكا فى العالم العربى، كما كانت الحكومة المصرية شريكًا ثابتًا فى الحرب على الإرهاب، وفى أعقاب الربيع العربى، ظهرت جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة فى مصر، حاولت إسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، ويجب على الولاياتالمتحدة أن تظهر العزم على دعم الديمقراطية فى مصر ومعارضة جهود الإرهابيين العنيفة. وتوقع روراباكر فى تصريح ل «أكتوبر» على هامش القمة الاقتصادية بشرم الشيخ أن يلقى الرئيس السيسى خطابا أمام الكونجرس قبل جلسة شهر يونيو من العام الجارى. الإرهابية والتخبط وجاء استقبال وزارة الخارجية الأمريكية لأعضاء من جماعة الإخوان الإرهابية بمثابة إعلان عن التخبط داخل الإدارة الأمريكية والتى لم تستجب لمؤشرات الفتور فى العلاقة بين القاهرةوواشنطن وعلى الفور انتقد وزير الخارجية ، سامح شكري، التبريرات الأمريكية لاستقبال وفد الجماعة فى وزارة الخارجية الأمريكية، معتبرا التصريحات الصادرة لشرح تلك الخطوة «غير مفهومة»، كما اعتبر أن القاهرة لا يمكن أن تفهّم «التواصل مع عناصر ضالعة فى عمليات إرهابية لترويع المصريين». واستمرارا لمسلسل اللوم الموجه لأوباما فى انتهاجه سياسة عدائية مع القاهرة انتقدت رئيسة اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى سياسة أوباما تجاه القاهرة وطالبته بدعم مصر فى الحرب ضد الإرهاب. ووجهت رئيس اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى النائبة «كاى جرانجر» من الحزب الجمهورى خطابا للرئيس باراك أوباما تضمن انتقادا واضحا للسياسة الأمريكية تجاه مصر، وانتقدت وقف الإدارة الأمريكية تسليم أسلحة رئيسية لمصر منذ عام 2013. مضيفة: «لقد قام الرئيس عبد الفتاح السيسى باتخاذ قرار حاسم وصائب كرد فعل على قتل التنظيم الإرهابى ل21 مصريا، وذلك باستخدام طائرات إف 16 المصنّعة فى الولاياتالمتحدة للإغارة على معاقل التنظيم الإرهابى فى ليبيا. وبالرغم من كل ذلك مازالت الإدارة تمنع تسليم المزيد من هذه الطائرات لمصر، وهم يحتاجونها وغيرها من الأسلحة فورا لاستمرار مواجهتهم ضد داعش. وداعًا للتبعية وفى محاولة من الدبلوماسى الأمريكى المخضرم، مارك سيفرز، القائم بالأعمال الأمريكى السابق، لتقديم بعض الملاحظات حول حكم الرئيس السيسى فى مقالة له نشرت فى دورية «فكرة» التابعة لمعهد واشنطن، أنه وعلى الرغم من تخرجه فى كلية أمريكية فى دراسة لمدة عام إلا أن الرئيس ،عبد الفتاح السيسي، قوميّ يعتز بانتمائه العربى ويصرّ على إن مصر تحتاج إلى تطوير علاقاتها مع القوى الأخرى. وقال القائم بالأعمال الأمريكى أن مصر لم تعد دولة تابعة للولايات المتحدة، ولكنها عنصر رئيسى للاستقرار. وكان وفد من الكونجرس الأمريكى برئاسة النائب الجمهورى رودنى فريلنجيوسن، رئيس اللجنة الفرعية لشئون الدفاع بلجنة الاِعتمادات بمجلس النواب الأمريكي، وبعضوية النواب بيتر فيسكلوسكي، وكاى جرنجر، وكيرى كالفرت، ومارسى كابتور، وستيف ووماك قد التقى الرئيس السيسى مؤخرا، وصرح المتحدث باسم الرئاسة، السفير علاء يوسف، بأن أعضاء الوفد كما أوضحوا أنهم سيستمرون فى دعم مصر داخل الكونجرس الأمريكى وتقديم كافة المساهمات الممكنة، بما فى ذلك على الصعيد العسكري، لدعم مصر فى حربها ضد الإرهاب. مشيرا إلى أن النواب الأمريكيين استفسروا عما يمكن أن تقدمه الولاياتالمتحدة لدعم مصر فى المرحلة الراهنة، ولاسيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وكان رد السيسى أن مواجهة الإرهاب لن تقوم فقط على الشقين العسكرى والأمنى اللذين يتعين أن يشملا العمل على وقف إمدادات المال والسلاح للجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولكن يجب أن تشمل أيضاً الجانب الاقتصادي، وتحديداً تشجيع الاستثمار فى مصر للمساعدة فى توفير فرص العمل وتشغيل الشباب، ودعم جهود الحكومة المصرية فى مكافحة الفقر والجهل والارتقاء بجودة التعليم والانفتاح على الثقافات الأخرى. وأعرب النواب الأمريكيون أن رسالتهم إلى الكونجرس عقب عودتهم إلى الولاياتالمتحدة سترتكز على أهمية احتفاظ الولاياتالمتحدة بعلاقاتها القوية مع مصر. وأثناء اندلاع مظاهرات فى ولاية ميسورى الأمريكية أعلنت وزارة الخارجية فى أغسطس الماضى أنها تتابع تصاعد أعمال العنف بين الشرطة والمتظاهرين فى مدينة فيرجسون بولاية ميسورى الأمريكية، بعد مقتل الشاب الأسود مايكل براون. قال السفير بدر عبدالعاطى المتحدث باسم وزارة الخارجية آنذاك، إن القاهرة تتابع الموقف، وأشار إلى تصريحات بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة باعتبارها تعكس موقف المجتمع الدولى تجاه هذه الأحداث، خاصة ما تضمنته من مطالبة بضبط النفس واحترام حق التجمع والتعبير السلمى عن الرأي، وأمله فى أن تؤدى التحقيقات الجارية إلى تسليط الضوء كاملا على مقتل براون وإنفاذ العدالة.