إنسان مختلف مزيج من الإبداع والجنون.. يمثل فتصدقه إلى حد أن الكثيرين مقتنعون أنه أسلم، بعدما قام بدوه فى فيلمى «الرسالة» و«عمر المختار».. المكسيكى الذى ظن العالم أنه يونانى بعد فيلمه «زوربا اليوناني»، الذى لم يكن دوره مجرد دور زوربا الذي اغترف من مباهج الحياة ولكنها شخصية تقمصها فعلاً، فقد قال ذات مرة «أنا زوربا».. حزن حزناً شديداً مع وفاة «جون كنيدى» ولكنه أبهر الجميع عندما قام بدور «أوناسيس» إلى الحد الذى أغضب جاكلين كيندى.. تعانق الحزن والسعادة فى حياته عناقاً أبدياً، فظل طعم الألم فى روحه، لتفكير أمه فى بيعه لسيدة غنية لإنقاذه من الفقر والضياع رغم ما حققه من شهرة ومجد.. اليوم يحتفل العالم بمئوية ميلاد هذا المبدع الذى أحبه العرب أكثر من حبهم لأى فنان عالمى آخر. أنتوني كوين.. فى حد ذاته بلدان مترامية الأبعاد بلا حدود، جدته لأمه كانت من الهنود الحمر أحبها ابن شقيق السيد صاحب الأرض وحملت، تركها وفي أحشائها المسكينة جنين، وعندما ولدت أمه عاشت فى الفقر والقهر وانتقلت إلى قرية هندية، حيث أصيبت بالجدري.. أما والده «كوين» فقد جاء والده من أيرلندا للعمل في السكك الحديد، وقتل جده في حادث قطار، فعاش مع والدته «سابينا» على المعاش الذي قدمته لهما السكك الحديدية.. عمل مع والده فى جمع ثمار الجوز عندما كان فى الخمسة من عمره، وأعال أفراد أسرته، وتنقل في معظم أنحاء ولاية كاليفورنيا للعمل في الحقول، إلى أن استقر فى مدينة لوس أنجلوس وعمل في إحدى حدائق الحيوان مقابل 24 دولاراً أسبوعياً، فأحب الأسود والنمور. أول أدواره السينمائي فيلم «بارول»، ولعب دور سجين يقتل بطعنة سكين من أحد زملائه، ثم جاء فيلم من إخراج سيسيل دي ميل بعنوان «رجل السهول» مع جاري كوبر والممثلة جين آرثر عام 1936، وقابل كاترين ابنة سيسيل التى تزوجها بعد ذلك.. قبل «أنتونى» التمثيل في أفلام درجة ثانية تعتمد على الميلودراما المكررة المملة.. مثل أفلام «من الخطر أن تعرف» و«الرجال المطاردون» و«ملك الكاتراز» و«ملك الحي الصيني» و«جزيرة المفقودين» و«فرقة الطوارئ»، وكان فيلم «دماء ورمال»، ولعب دور مصارع ثيران ينافس الممثل تايرون باور على العرش وأيضاً على فتاته ريتا هيوارث، وارتبط بعلاقة عاطفية مع ريتا أثناء تصوير الفيلم، كما برز أدائه للشخصيات التاريخية من خلال أدائه التمثيلي المتمكن وملامح وجهه الصارمة الواثقة، كانت فترة الخمسينيات انطلاقة حقيقية لأنتوني كوين في هوليوود. ففي 1951 مثل في الفيلم الدرامي «The Brave Bulls»، وفي 1952 كانت الفرصة التي انتظرها, عندما شارك في «فيفا زاباتا»، ولعب دور «أوفيميو زاباتا» شقيق الثوري المكسيكي الشهير «إميليانو» الذي أدى دوره مارلون براندو, لينال اعتراف الجمهور بقدرته وموهبته الفنية، ويحصل على جائزة أوسكار عن أفضل دور ثانوي وترشح الفيلم لخمسة جوائز أوسكار, ليحقق «كوين» بعد ذلك سلسلة طويلة من النجاحات لا سيما مع فيلم «لا سترادا» لفيديريكو فليني. وفي السنة نفسها لعب دور كازيمودو في «نوتردام دو باري» المقتبس عن رواية فيكتور هوجو «أحدب نوتردام» ثم «لورانس العرب» و«زوربا اليوناني» و«إعصار في جامايكا» و«الساعة الخامسة والعشرون».. ولم يخف كوين بأن الجودة ليست دائما معيار خياراته.. وكان يردد أنه يلعب أحياناً أدواراً لكسب المال لأجل عائلته, لأنهم يحبون الراحة وذلك يكلف غالياً، أما هو فيمكنه العيش ببنطالين فقط. الموعد الثاني لأنتوني كوين مع الأوسكار في 1956 في فيلم حياة الرسام الفرنسي فينسنت فان جوخ «Lust for Life»، وترشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار، وفاز «كوين» بجائزته كما كان متوقعاً.. وأخذ بطولة الفيلم الغربي «Man from Del Rio» مع المخرج التشيكي «Harry Horner», ولعب دور رجل مكسيكي يحمي بلدته من قطاع الطرق.. ورشح 1957 لأوسكار أفضل ممثل في فيلم الدراما «Wild is the Wind»، حيث لعب كوين دور رجل يتزوج أخت زوجته بعد وفاة هذه الأخيرة, لكنها تقع في حب أخيه, دراما غريبة قوية. وترشح لثلاثة أوسكارات منها أفضل ممثل لأنتوني كوين, وتبين للكثير أن أنتوني كوين يتقن أدوار الأفلام الغربية كثيراً لهذا لم يتركها, فمثل في العام نفسه فيلم «The Ride Back».. في 1958 أخرج كوين فيلمه الوحيد وكان حربياً تاريخياً بعنوان «The Buccaneer». في عام 1962 شارك كوين في بطولة فيلم «لورانس العرب»، ولعب كوين دور عودة أبوتايه فيه، وترشح الفيلم لعشر جوائز أوسكار وفاز بسبع جوائز منها, ولم ينته كوين من هذا العام إلا بعد أن قدم الفيلم الديني «Barabbas» والرياضي «Requiem for a Heavyweight» عام 1964 كان شارك كوين في بطولة فيلم «Behold a Pal Horse»، ومن ثم الفيلم الدرامي الأوروبي الذي أنتجه أيضاً «The Visit» مع الجميلة إنجريد بيرجمان.. وأخذ كوين دور اليوناني أليكسس زوربا في رائعته «زوربا اليوناني» وترشح الفيلم لسبعة جوائز أوسكار، وكانت المفاجأة المذهلة هي عدم ترشح كوين للأوسكار. أما أنشودته الحقيقية فكانت من خلال فيلم «الرسالة» وأدى عرض الفيلم في جميع أنحاء العالم إلى أن أصبح نجماً في العالم العربي.. ثم كان فيلم «عمر المختار» الزعيم الليبي الذي نجح في وقف تقدم موسوليني داخل ليبيا، وكانت شخصية هذا الزعيم ذات أبعاد تاريخية.. وتم تصويره بملابس وماكياج عمر المختار، لإقناع القذافي بتمويل الفيلم، وهكذا بدأ إنتاج فيلم عمر المختار.. وله سيرتين شخصيتين، الأولى عام 1972 «الخطيئة الأصلية»، وعام 1997 «تانجو سولو»، اعتذر فيها كوين لنسائه وعشيقاته وأولاده، لكن دون أن يعبر عن كثير من الندم أو تبكيت الضمير.. «الخطيئة الأصلية» ترجم إلى 12 لغة وترجمه إلى العربية «حسين عبدالواحد» وحقق نجاحاً هائلاً، واعتبر بعض النقاد كتاب «الخطيئة الأصلية» من أهم أعمال الأدب الأمريكي التي صدرت في السنوات الأخيرة كان يقول: «إني بحاجة للمال من أجل نسائي»، وهن عديدات. فبعد طلاقه من «كاثرين» عام 1956 تزوج عام 1957 من المسئولة عن صناعة الملابس يولندا أدولوري. ومن هذين الزواجين أنجب ثمانية أولاد، توفي أحدهم في حادث غرق عام 1941، لكن كوين أنجب أيضاً خمسة أولاد آخرين من علاقات أخرى مما يرفع ذريته إلى 13 ولداً. وفى مناسبة الاحتفال بعامه الثمانين عام 1995، جمع «كوين» أولاده جميعاً وكان عمر أكبرهم في ذلك الحين 54 عاماً وأصغرهم 18 شهراً.. دخلت المرأة حياته وأثرت فيه، خاصة أم فتاة تدعى «إيفي» التي كانت على درجة عالية من الثقافة، وطلبت والدتها أن يحضر ليشاهد مكتبة الأسرة وينتقي منها ما يشاء.. قرأ شوبنهور ونيتشه وتورم وإيمرسون، وأعمال بولدي ودانتي وسموليت وولف وهيمنجواي.. واستمع إلى موتسارت وبيتهوفن وباخ، ثم تذوق الفن التشكيلي مع جوجان وفان جوخ ودل سارتو.. أحب أنتوني كاترين ابنة المخرج سيسيل دي ميل التي كانت ابتسامتها وهي تشجعه أثناء تمثيل فيلم «رجل السهول» ماثلة أمام عينيه في كل لحظة. وحفل زواجه من كاترين دي ميل حضره مئات المدعوين ولكن لم يكن هناك أحد من أسرته، لان أسرة دي ميل كانت على جانب كبير من الثراء، بينما كانت أسرته فقيرة، ولكنه يعترف بأنه لم يغفر لنفسه أبداً هذا الخطأ.. له كتاب عن الزهور التي يعشقها، خاصة زهر الجورانيوم، التي زرعها في الحديقة المحيطة بمنزله في إيطاليا ومساحتها 6 أفدنة وزرع فيها أيضاً نحو 20 نوعاً من هذه الزهور، وله رواية اسمها «ماما بورجيا»، ولم يكن أنتوني كوين ممثلاً كبيراً فقط بل كان فناناً تشكيلياً مبدعاً، وكان حلمه أن يتمكن من الانزواء للعيش في الصحراء من أجل الانصراف لممارسة فن النحت. يقول أنتونى كوين من خلال قصة حياته التى ترجمها «حسين عبدالواحد»: «إني أرى العالم بأطراف أناملي، فمن خلالهما تصل الأقلام وفرشاة الرسم وأدواته الأخرى إلى روحي مباشرة، وهذا الارتباط بين أطراف أناملي وروحي قديم واكتشفته منذ مرحلة صباي المبكرة عندما كنت أقوم برسم اسكتشات لدوجلاس فيربانكس ورامون نافارد وبولا نيجري أو روديلف فالنتينو، فقط كان لدي ميل غريزي للرسم ولكنه لم ينته بانتهاء الطفولة والصبا ولم يتوقف عند أطراف الأصابع أو الأنامل بل اتسع طاقها لتشمل اللمس والرؤية والشعور أو الإحساس.. ولا أعرف على وجه الدقة المرحلة التي انتقلت فيها إلى الحجر أو الصلصال كوسيلة للتعبير عن روحي»، عرض أنتوني كوين أعماله التشكيلية في جميع أنحاء العالم، وأقام معارض فنية في مختلف المدن مثل هونولولو وفيينا وزيوريخ وباريس ونيويورك وبيفرلي هيلز وبوينس أيرس ومكسيكو سيتي، وقد بيعت لوحاته وتماثيله بمبلغ 2 مليون دولار. ويقول: أنا أحياناً أرسم كهندي وفي أحيان أخرى كمكسيكي وكأفريقي، وأعترف بأني أسرق من الآخرين، من بيكاسو وموديلياني ودافينشي، وجميع هؤلاء سرقوا من أساتذة آخرين ومن حضارات أخرى، وأعتقد أنه لا يوجد خطأ أو عيب في ذلك فهناك مثل يقول: «إن الموهبة الكبيرة تسرق والموهبة الصغيرة تقترض».