تحتاج الدبلوماسية الخليجية لدول مجلس التعاون، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تستثمر وتوظف نجاح عاصفة الحزم، توظيفا تستثمر فيه المتغيرات التي جرت على الأرض، لتحدد على أثرها دورنا في كثير من الملفات التي كنا فيها منساقين لا قادة، فلدينا عدة متغيرات هي في صالحنا، ولدينا أوراق ضغط نملكها تجعلنا مبادرين لا متلقين فحسب. المترددون الذين يلوحون بأن الوقت مبكر لقطف ثمار اللحظة لا يعرفون أن المتغيرات غير ثابتة، وأن للنصر جذوة لا بد أن تستثمر سياسيا أكثر من استثمارها عسكريا، وأن المتربصين لاقتناص هذه اللحظة كثر. ها هي روسيا تدخل على الخط طامعة في نصيب منها بطلب هدنة لدواع إنسانية، تلك الإنسانية التي انعدمت حين كان النظام السوري يدك المدن على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، وها هو البيت الأبيض يعطي موعدا بعد عدة أشهر للحديث عن الاتفاقية النووية مع دول مجلس التعاون وأين؟ في بيته وعقر داره، الجميع يريد أن يستفيد من الوقت، فالوقت إذن عنصر حاسم في تحديد الأدوار المستقبلية. لدى الولاياتالمتحدة ملفان تستميت إدارة أوباما لإنجاحهما خلال الشهور القادمة، حتى يغادر هذا الرئيس البيت الأبيض معتزا بإنجازهما، الحرب على «داعش» وطرده على الأقل من الأراضي العراقية، والملف النووي الإيراني، ودورنا في الملفين لم ينته بعد، وهذا هو الوقت الأنسب لقطف ثمار هذا النجاح من خلال إعادة دورنا في رسم المنطقة. فإن كانت المملكة العربية السعودية تتصدر الحرب على إحدى التنظيمات الإرهابية الشيعية (الحوثيين) والقرار والقيادة في يدها، مما يمنحها فرص التحكم في سير هذه المعركة، إلا أنها تشارك في ائتلاف دولي له انضباطات معينة. ورغم أن أجندات الولاياتالمتحدة تتقاطع مع أجندتنا في أحيان كثيرة، ورغم أنها تكيل بعدة مكاييل مع الإرهاب بشقيه السني والشيعي، إلا أننا منحناها شرف قيادة ذلك الائتلاف حين لم نختبر بعد أوراق الضغط التي نملكها، ولهذا فإن بقاءنا في هذا الائتلاف الدولي تحت قيادة الولاياتالمتحدة بهذه الأجندات المتعارضة، هو هدية مجانية قدمناها لها دون مقابل، والأخطر أن هذا الدور قد يعرض التحالف الآخر (الحرب على الحوثيين ونظام صالح) لكثير من الضغوط، ويهدده بالتفكك ويضعف موقفنا التفاوضي في الملف العراقي والسوري والإيراني، لذا تحتاج الدبلوماسية الخليجية أن تعيد رسم دورنا في هذا الائتلاف، مستثمرة نجاحنا في عاصفة الحزم ورغبة إيران وأميركا الملحة بإنجاح اتفاقية النووي الإيراني. على صعيد آخر، تجد المملكة العربية السعودية نفسها في موقف صعب حين تشارك في ائتلاف يحارب التنظيمات السنية في العراق، دون أن تكون لها اليد الطولى في هذا الائتلاف، فيتحمل معه مسؤولية ترك السنة العراقيين دون غطاء حماية يحفظهم من تغول التنظيمات الإرهابية الشيعية، بل يتركها عرضة لإرهابها ونهبها وقتلها وتمثيلها بالجثث، فتبدو كمن يساهم في إضعافهم ويساهم في تقوية التنظيمات الشيعية، وهي ذات أجندة واحدة ممتدة لليمن مع الحوثيين. أما في سوريا فتجد دول مجلس التعاون نفسها مقيدة في قرارها، فأميركا هي التي تحدد حجم المساعدات وطبيعتها ولمن تمنح لمواجهة نظام الأسد الإرهابي، وهي التي تركت التنظيمات الإرهابية الشيعية كحزب الله تتغول بلا رادع وبرعاية إيرانية. الحرب ليست كلها على جبهات القتال، فالحرب أوراق ردع تغنيك عن استخدام القوات العسكرية والتأخر في أخذ زمام المبادرة والتأخر في ربط هذه الملفات مع بعضها وعدم استخدام أوراق الضغط التي نملكها هو الذي أضعف أوراق الضغط الدبلوماسية الخليجية، وتركها مجرد متلق يخطر بالنتائج النهائية حين يتعلق الأمر بالاتفاقية النووية الإيرانية الأميركية. ورغم ارتباط كل هذه الملفات (العراقي والسوري والنووي الإيراني واليمني) ببعضها بعضا إلا أن أحدها فقط ومؤخرا فقط ملكته دول مجلس التعاون، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وعاجلا أم آجلا ستؤثر «نتائج» الملفات الأخرى والتي تدار في أروقة الإدارة الأميركية حتى على هذا الملف الناجح، وقد تسعى لتفكيك جبهته مستغلة عامل الوقت. إن لم تستعد المملكة العربية السعودية زمام المبادرة فيها كلها، كما فعلت في الملف اليمني، فإن ذلك سيمكن الإيرانيين من الهيمنة والتوسع. تبدأ بالأخذ بزمام المبادرة حين تضع جميع هذه الملفات في سلة واحدة، ويعاد تحديد دورنا من جديد كدول مجلس التعاون في مشاركتنا في الائتلاف الدولي لمحاربة «داعش»، بما يتناسب مع حجم مساهمتنا، وبما يتناسب مع ارتدادات عاصفة الحزم، وبما يتناسب مع نجاحنا في إبراز قدراتنا العسكرية وقدراتنا القيادية. إن وجود المملكة العربية السعودية في الائتلاف الدولي لمحاربة «داعش» مفصل مهم يحتاجه العراق، وتحتاجه أميركا لإضفاء الشرعية على هذه الحرب وهي ورقة مهمة في يد السعودية، لا بد من استثمارها وتوظيفها وعدم منحها للائتلاف مجانية بهذا الشكل، زمام المبادرة يبدأ بوضع الشروط التي تتخذ القرار التلقائي بالانسحاب فور إخلال بقية دول الائتلاف بالتزاماتها، وبإلزام العراق بذات الموقف تجاه عاصفة الحزم، فلا يمكن أن تشارك دول مجلس التعاون بحفظ أمن العراق، في حين يقف العراق في وجه ما يحفظ أمن تلك الدول. ملف الحرب على الإرهاب يجب أن يكون موحدا من دون فصل، فهناك دول في تحالف عاصفة الحزم كمصر تعاني من التنظيمات الإرهابية، التي تهدد أمنها القومي، فلا تمنح الولاياتالمتحدة إلا دعما لفظيا يتركها في مواجهة هذه التنظيمات بمفردها، مع التزام مصر بالمشاركة في عاصفة الحزم إيمانا بدورها في حفظ الأمن القومي العربي، لتفتح أكثر من جبهة عن حب وكرامة، صحيح أن هذه هي مصر التي عهدناها، إنما نحن نتحدث عن مصالح وعن أولويات لا بد أن تفرض نفسها عاجلا أم آجلا على القرار، وللمحافظة على مصر في عاصفة الحزم، لا بد من تعزيز دور التحالف الذي يقود عاصفة الحزم في محاربة الإرهاب الذي تتعرض له على الجبهتين في سيناء وليبيا حتى وإن كان دعما لوجيستيا ودبلوماسيا. الحكمة تقتضي أن نقتنص فرصة النجاح وننتهز عامل الوقت لصالحنا، فإما أن تكون الحرب على الإرهاب حربا على الإرهاب الشيعي قبل السني شاملة أولا تكون. نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط