شكلت عملية «عاصفة الحزم» في اليمن عامل قلق لأطراف إقليمية في الشرق الأوسط وفي مقدمتها إسرائيل وإيران وتركيا لأنها ببساطة أحيت تقليداً غائباً وهو العمل العربى المشترك وأعادت إلي الأذهان اتفاقية الدفاع العربى المشترك التي أبرمتها الدول العربية الأعضاء بجامعة الدول العربية بعد سنوات قليلة من إنشائها، هذه الاتفاقية التي لم تفعل إلا في مواقف قليلة كان آخرها من وجهة نظرى خلال حرب أكتوبر عام 1973 ولا يمكن اعتبار ما حدث في حرب الخليج الثانية في تسعينيات القرن الماضى عملاً عربياً عسكرياً مشتركاً خالصاً لأنه تم في إطار تحالف دولي لتحرير الكويت بعد أن تعرضت لغزو جارتها العراق. بعبارة أخرى ضربت هذه العملية أطماع هذه الأطراف الإقليمية في مقتل وأكدت أن في مقدور العرب التوحد والالتقاء علي كلمة سواء بعدما فقدت الشعوب العربية ثقتها خلال السنوات الماضية في مقدرة حكوماتها علي الفعل الإيجابى في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية ومن هنا جاء قرار التدخل في اليمن علي اعتبار أن ما يحدث في جنوب الجزيرة العربية لم يكن شأناً داخلياً للدولة اليمنية، إنما هناك خطر يهدد المنطقة العربية بسبب تحالف الحوثيين مع إيران سياسياً وطائفياً وأليسوا هم ممن يعتنقون المذهب الشيعى؟ وبالتالى سيطرتهم علي الحكم في اليمن يعني أن طهران قد سيطرت على مدخل البحر الأحمر بعد سيطرتها في غفلة تاريخية على مدخل الخليج العربى التي أسمته بالفارسى واستقر في أدبيات السياسة والفكر الغربى هذا المسمي لدرجة أن نظم التعليم في الدول العربية المتأثرة بالغرب الأوروبى والأمريكى قد غرست مسمى «الخليج الفارسى» في عقل وفكر الأجيال العربية الجديدة. إن خطورة الموقف في اليمن يهدد الأمن القومى المصرى لأن من يسيطر علي باب المندب جنوبالبحر الأحمر يسيطر على حركة الملاحة في قناة السويس، وبالتالى يتحكم في الخطوط الملاحية التجارية والعسكرية بين شرق وغرب العالم من هنا كان من الطبيعى أن تدافع مصر علي أمنها القومى الذي هو في واقع الأمر الأمن القومي العربي، ولذلك عجبت من وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفرى الذي برر رفض بلاده عملية «عاصفة الحزم» في مقابلة متلفزة وقال إنها ترسى مبدأ خطيراً في السياسة العربية يشجع علي التدخل في شئون الدول العربية وهو منطق متناقض لأن العراق سمح لغير العرب بالتدخل في شئونه حتي ولو سلمنا بأن وجهة نظره غير طائفية وليس غريباً أن يأتي رفض العراق متطابقاً مع موت الشيخ حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعى اللبنانى! إذن يمكن القول إن تكوين آلية الردع العربى تتفق مع اختيارات الشعب اليمنى الذي يقف إلي جانب شرعية حكم الرئيس عبدربه منصور هادى وتتفق مع ضرورات الأمن القومى العربى وما أتصوره أنه يجب أن تصبح هذه الآلية دائمة ونواة للجيش العربى المشترك وبديلاً عن اللجوء للتحالف الدولى الغربى ولكن تحد من أطماع الإيرانيين والأتراك في المنطقة وتجعل إسرائيل تفيق من حلم السيطرة والهيمنة التي تعيش فيه منذ فترة وبالتالى تتصور أنها بذلك قد حجمت قضية العرب المركزية القضية الفلسطينية. وعندما أقول آلية ردع دائمة فإنني أتصور أن العمل العربي العسكرى المشترك يمكن أن ينتقل لحسم صراعات أخرى بالمنطقة لصالح الشعوب العربية ويجتث عوامل هدم الكيان العربى, وفي مقدمة ذلك ما يسمى ب«داعش» في العراق والشام وليبيا, حيث إنها مازالت بؤر توتر تؤثر على اعتبارات الأمن القومى العربي وتخل بتوازن القوي في الشرق الأوسط علي أية حال مطلوب استمرار حالة الزخم العربي التي أحدثتها عملية عاصفة الحزم في اليمن لعلها تكون نموذجاً للمساعدة في إيجاد حلول سياسية في مناطق أخرى ساخنة بعالمنا العربى!!