مطلوب من قيادات حزب النور مراجعة أمينة لموقفهم التناقض الصارخ بين الخطاب المعلن لقيادات حزب النور.. وخطابهم لقواعدهم تؤكد قيادات حزب النور في كل مناسبة أن حزبهم لا يصنف باعتباره «حزباً» يقوم علي أساس ديني، ويرون أنهم بهذا التأكيد يشكلون حزباً لا يتعارض مع الدستور الذي يحظر إنشاء أحزاب علي أسس دينية، ولتأكيد ذلك استطاعت قيادة الحزب أن تقنع بعض الشخصيات المسيحية بالترشح علي قائمة الحزب، كما ضمت هذه القائمة أسماء بعض عضوات الحزب. التناقض بين الشكل والحقيقة رغم أن الحزب استطاع أن يقدم قائمة تتوافق «شكلاً» مع الدستور، إلا أن الحقائق تؤكد أن هذا «التوافق الشكلي» مع الدستور لا يعبر عن حقيقة توجهات الحزب. الحقيقة أن «حزب النور» هو «حزب ديني» بكل ما تمثله الكلمة من معني، وتأكيدي علي هذه الصفة لا يعني أنني أقف مع هذا الحزب موقفاً عدائياً، لكنني أقر واقعاً وكنت - ومازلت - أري أن الأجدر بقيادات الحزب، الاعتراف بهذه الحقيقة حتي لو حرمهم هذا الاعتراف من خوض معركة الانتخابات النيابية، والأفضل ألف مرة أن يتسق خطاب قيادات الحزب مع الحقيقة التي يعرفونها جيداً، وألا يتورطوا في خطاب يناقض تماماً توجهاتهم الفكرية، في محاولة لخداع ومراوغة ومغالطات يأباها الخلق الإسلامي القويم. الأدلة علي أن حزب النور حزب إسلامي يسعي لتطبيق تفسيره للشريعة الإسلامية علي المجتمع، هذه الأدلة بغير حصر، وتؤكدها كل يوم تصرفات وتصريحات وممارسات عملية لا تجعل هذه الأدلة مجرد إشارات تحتمل أكثر من تفسير، لكنها ترقي إلي مستوي الدليل المادي القاطع الذي لا يحتمل أدني درجة من التشكيك في دلالاته. صور العضوات! وإذا كانت هذه الأدلة بغير حصر، إلا أنني أفضل أن أنتقي بعضاً من هذه الأدلة التي لا تحتمل أي تأويل. أولاً: نشرت الصحف «يوم الخميس 26/2/2015» صورة لكارنيه العضوية الذي يصدره الحزب لعضواته، الكارنيه يخلو من صورة العضوة، وكارنيهات الحزب للأعضاء الذكور تحمل صورهم، ولعلنا لم ننس إعلانات حزب النور الدعائية خلال انتخابات مجلس الشعب السابق، وقد وضعوا في الإعلانات صور المرشحين الرجال ثم وضعوا صوراً لزهرة أو وردة أمام أسماء من رشحهن من النساء، وموقف الحزب من المرأة واضح أشد الوضوح، وخطبهم وكتاباتهم وفتاوي شيوخهم حاضرة في كتابات وتسجيلات ترفض بحسم المساواة بين الجنسين، وتؤكد أن الحزب يتبني التفسيرات المتشددة التي تري أن الإسلام يضع المرأة في منزلة أدني من منزلة الرجل، وبالتالي فإن الحزب يتبني موقفاً واضحاً في هذه القضية، وهو موقف يتعارض مع ما نص عليه الدستور من مساواة بين المواطنين ورفضه أي تمييز علي أساس الجنس أو العقيدة أو العنصر. الموقف من المسيحيين ثانياً: كتابات وخطب وفتاوي قيادات الحزب تؤكد بعبارات شديدة الوضوح موقفاً يميز بين المواطنين علي أساس العقيدة، فلا يقبل تمتع «النصاري» - كما يحلو له أن يطلق هذه الصفة علي المسيحيين - لا يقبل تمتعهم بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطن المسلم ويحرمهم من أداء واجبات المواطنة التي يجب أن يتحملها المواطن المسلم. وإذا كانت قيادات الحزب تحرص علي اختيار العبارات الناعمة التي تصف بها هذا التمييز، فإن جماهير الحزب تتعامل مع المواطنين المسيحيين بتمييز فج وجارح، والفرق هنا أن الجماهير تعبر بصدق ووضوح عن الاتجاهات الفكرية للحزب، بينما قيادات الحزب تستخدم الأساليب الخادعة لتتحاشي تقديم الأدلة علي تبني هذا المنطق الذي يتبني بشكل قاطع مبدأ التمييز علي أساس العقيدة، لإدراك هذه القيادات أن الإفصاح الصريح عن هذا التوجه سوف يترتب عليه رفض الموافقة علي إنشاء هذا الحزب. قواعد الحزب مرتبكة ثالثاً: هذه الثنائية في خطاب قيادات وأعضاء الحزب لا تمثل اختلافاً حقيقياً بين أفكار وتوجهات القيادات وأفكار وتوجهات وممارسات أعضاء الحزب، لكنها تتم بتدبير محكم حتي إذا استشهد أي إنسان بسلوكيات وتصريحات الأعضاء التي تكشف عن التمييز الصارخ علي أساس الجنس والعقيدة، إذا استشهد أحد بذلك سارعت قيادات الحزب بالتأكيد علي أن هذه اجتهادات أفراد لا تمثل توجهات الحزب الحقيقية. وقد تسبب هذا التناقض في مشاكل داخلية بالحزب عندما وجدت قواعد الحزب أن فتاوي وتصريحات قيادات الحزب المعلنة في الصحف ووسائل الإعلام وفي المحافل السياسية تتناقض بشكل صارخ مع ما يسمعونه من نفس هذه القيادات في الاجتماعات الحزبية والندوات المغلقة. أمام هذا التناقض سارعت قيادات الحزب إلي طمأنة الأعضاء بأنها لم تغير قناعاتها وأنها ملتزمة بصرامة بهذه التوجهات وأنها لن تتخلي عن هذا التمييز في ممارستها اليومية وفي توجهاتها الفكرية سواء ما يتعلق منه ب «النصاري» أو بالمرأة. وعللت القيادات هذا التناقض في خطاباتها وتصريحاتها المعلنة، مع فتاوها وتصريحاتها في الاجتماعات المغلقة علي أعضاء الحزب، عللت هذا التناقض بأنها تفعل ذلك حتي تفلت من الشرط الذي وصفه الدستور لإنشاء الأحزاب، وأنها - أي قيادات الحزب - مضطرة للإدلاء بهذه التصريحات، وللقبول بوضع أسماء نساء ونصاري في قوائمها حتي تضمن عدم رفض لجنة الانتخابات لهذه القوائم.. هذه المشاكل نشرتها الصحف بتفصيل أكبر. هل الغاية تبرر الوسيلة؟ وهنا لا أستطيع أن أصمت عن توجيه أسئلة مشروعة وطبيعية لقيادات وقواعد حزب النور، وأيضاً للمواطنين المسيحيين الذين قبلوا أن توضع أسماؤهم في قوائم حزب النور. 1 - أسأل القيادات إن كان مثل هذا العمل يقبله الخلق القويم للمسلم الذي يأمره دينه بأن يتجنب كل ما من شأنه أن يغش أو يخدع الآخرين؟.. وهل الرغبة في الوصول إلي موقع بالسلطة التشريعية تسمح باستخدام كل الوسائل بما فيها «الخداع» وإخفاء الحقيقة؟ 2 - الأسئلة نفسها موجهة لقواعد الحزب، وهل تثق هذه القواعد في قيادات تعلم أنها تمارس خداعاً للجماهير؟.. وهل تقتنع هذه الجماهير بأن الإيمان بمبادئ معينة يمكن أن يصاحبه سلوك عملي يتناقض مع هذه المبادئ؟.. وهنا أود أن أذكر هذه القواعد وجماهير الحزب بحديث نبوي شريف أعتقد أن القيادات رددته كثيراً في أحاديثها وهي تعظ الجماهير وتحثهم علي الالتزام بالأخلاق الفاضلة في كل مناحي الحياة.. الحديث المروي عن الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: «سأل الصحابة يوماً رسول الله صلوات الله وسلامه عليه عن الإيمان فقال عليه الصلاة والسلام الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل». 3 - يبقي سؤال للمواطنين المسيحيين الذين رضوا بأن تستخدم أسماؤهم لتمكين حزب من دخول البرلمان، وهم يعلمون أن هذا الحزب له موقف شديد الوضوح من «النصاري»، وهو الاسم الذي يفضل أن يستخدمه عند الحديث عن المواطنين المسيحيين؟.. هل قبلوا أن يكونوا غطاء لعملية خداع لتمكين حزب من الوصول إلي مواقع سلطة التشريع وهم يعلمون أن هذا الحزب يري أن المسيحيين مواطنون واجباتهم وحقوقهم الوطنية منقوصة؟ ختاماً.. أرجو مخلصاً أن تراجع قيادات حزب النور موقفها وأن تعلن بكل وضوح اتجاهاتها الفكرية والعقائدية حتي وإن فقدت الحق في خوض معركة الانتخابات، فهذا الموقف أكرم وأفضل دون شك بمعيار الخلق الإسلامي القويم.