لا يتحرك «أحمد السقا» على مسرح الحياة بمنطق الفنان الباحث عن الشهرة والمال، ولا يريد ان يكون «مشهداً مؤقتاً» فى زمن عابر.. تؤكد كل اختياراته وخطواته أنه يمتلك عقلاً متعدد الغرف والنوافذ.. ولديه رغبة قوية فى أن يترك ميراثا من الأعمال الإبداعية تزداد قيمتها وترتفع اسهمها بمرور الأيام عليها. أحمد السقا.. هو الفارس الذى يمتلك ذاكرة مشتعلة لا تنطفىء.. والشاعر الذى يجيد العزف بالكلمات فى زمن الوجع والألم.. والانسان الذى يستعمر القلب دون استئذان.. يعترف «السقا» بأن حب الناس ثروة كبيرة ومن الغباء التفريط فيها، ويرى ان المجتمع افتقد اشياء وجماليات كثيرة وان العودة اليها أمر ضرورى وحتمى إذا كنا نريد بناء وطن يستوعب أحلام الجميع.. امتد الحوار بينى وبين «السقا» ساعتين.. كان يتحدث بتلقائية شديدة ولغة بسيطة تخلى عنها الكثير من ابناء جيله.. تذكرت أثناء حديثه رومانسية «تيتو» و«عناد» منصور الحفنى فى فيلم «الجزيرة» وشقاءوة «إبراهيم الأبيض».. سألته ما الدرس الذى تعلمته من والدك؟ فقال: تعلمت التسامح. أعرف جيدا حبك لكتابة الشعر.. فهل ينطبق قول الشاعر محمود درويش «عام يذهب وآخر يأتى».. وكل شىء فيك يزداد سوءا يا وطنى.. على مصر فى هذه المرحلة؟ - لو تحدثنا عن بلاغة بيت الشعر الذى كتبه العظيم محمود درويش.. فهو بدون شك فى منتهى البلاغة والجمال ويعكس حالة من الشجن والجرح ولكن لا تنسى ان «لكل مقام مقال».. رغم أى شىء أنا متفائل جدا ولذا لا أرى هذا القول ينطبق على مصر فى هذة المرحلة.. تفاءلوا بالخير تجدوه.. أنا بالبلدى كدة متفائل وحاسس إن اللى جاى أفضل وأحسن.. دائما أقول ان أهم مرحلة فى إنجاز أى شىء هى مرحلة اتخاذ القرار.. المهم ان يكون لدينا يقين بتوفيق الله سبحانة وتعالى.. عليك ان تقوم بواجبك بإخلاص شديد واترك الأمر لله فهو لا يخذل عباده أبدا. تقول ان البناء الصحيح يبدأ أو ينطبق من اتخاذ القرار.. ولكن البعض يرى ان آيادى بعض المسؤلين مازالت مرتعشة.. ما رأيك؟ - بداية ان ارفض تعبير أو مصطلح الأيادى المرتعشة، هناك مثل انجليزى يقول «ضع نفسك فى حذائى» وهذا يتفق مع التعبير المصرى «خليك مكانى» لا يعنى أبدا قدرتى على الحديث ببلاغة اننى أصلح للعمل كمحاور صحفى ومن المستحيل ان يجلس شخص مثقف دينيا مكان الشيخ على جمعة أو الشيخ خالد الجندى.. بالمناسبة لست مع أو ضد ولا أزايد على وطنية أحد ولكنى انصح الجميع بالصبر فكما قلت منذ دقائق انا متفائل خاصة أن لدينا قيادة واعية تتولى إدارة الأمور. إلى أى مدى يؤمن أحمد السقا بالربيع العربى؟ - الربيع كلمة بديعة.. والعربى أيضا كلمة بديعة.. ولكنى أرى ما حدث فى العالم العربى انه استنشاق هواء التغيير، اتفقت أو اختلفت، كان متوقعاً أن يمر هواء التغيير لأن هناك عناصر فساد ولابد من القضاء عليها.. لن أقف أو أشغل بالى بالبحث عن اسم لكل ما حدث فى العالم العربى ولكنى مؤمن بأن هواء التغيير تحرك وهذا كان متوقعاً ومحتملاً جدا. وصفت ما حدث فى عالمنا العربى بأنه رغبة فى استنشاق هواء التغيير.. فما هو الملمح الإيجابى الذى حدث فى مصر والذى استوقف نظرك؟ - الشىء الذى يسعدنى وأرى انه نتيجة إيجابية لكل ما حدث هو ان أى معتد إذا أراد ان يمس مصر بسوء سوف يفكر الف مرة.. نحن أمة إذا تحركت لا يوقفها إلا الله سبحانه وتعالى.. الأحداث والأزمات السياسية الأخير جددت حالة الانتماء للوطن الكل يريد الدفاع عن مصر.. هذا جعلنى أشعر بالأمان ولا أقلق على بلدى، داخل كل واحد فينا انسان وطنى يغار على بلده ويتمنى الدفاع عنها بدمه. كيف قرأت مشهد قتل المصريين فى ليبيا؟ - تألمت جدا من هذا المشهد ولا أبالغ إذا قلت ان النوم لم يعرف إلى عينى طريقاً فى هذا الليلة.. كان المشهد حزيناً وصادماً إلى حد كبير. ولا يوجد تعبير فى أى معجم يترجم مشاعر الإنسان أمام إنسان ينحر بدون وجه حق.. ما حدث لا يمت للاسلام بأى صلة يقول تعالى «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق» النفس تعنى الروح.. والروح سر لا يملكه إلا الله تعالى اسمه. وما تقييمك لرد الفعل المصرى وأقصد الضربة الجوية لتنظيم داعش الإرهابى فى ليبيا؟ - ده اقل واجب.. كما قلت كان مشهد ذبح المصريين مؤلما وصادما.. وأرى ان الضربة الجوية « بردت نار المصريين « رد الفعل كان طبيعياً جدا ومتوقعاً لأن مصر دولة عظيمة وشعبها يمتلك العزة والكرامة ومن الصعب ان يصمت أمام هذا الموقف.. الضربة الجوية أطفأت النار الملتهبة فى صدور المصريين بعد عرض الفيديو. البعض يرى تنظيم «داعش» تياراً دينياً متشدداً لانه تلقى تعاليم دينية خاطئة.. والبعض الآخر يؤكد انه منتج أمريكى مثل طالبان فى أفغانستان إلى أى وجهة نظر تميل؟ - مستحيل ان يكون هناك شخص قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويذبح شخصاً دون ذنب.. ما حدث لا يرضى الله، ومن المستحيل ان يكون هناك شخص تلقى تعاليم الإسلام وينحر إنساناً أو يشعل النار فيه.. اما الافتراض الثانى والذى يقول ان داعش منتج امريكى.. فيجب ان تعرف ان أمريكا دويلة صغيرة داخل اللوبى الصهيونى واذا كانت قد خلقت داعش فى المنطقة وما يوازيها فى مناطق أخرى فعليها ان تدرك جيدا ان الأيام دول.. واللى حضر العفريت يصرفه وربما تعجز عن صرفه ويصيبها الخطر الذى طال العالم العربى.. أقول حسبى الله ونعمة الوكيل فى كل من يتآمر على مصلحة مصر والعالم العربى.. وعلينا ان ننتبه إلى كل شىء، فالتحديات عظيمة وكبيرة.. بناء الأوطان ليس أمراً سهلاً بل يحتاج إلى مجهود كبير وإخلاص من جانب كل فرد يحيا على هذه الأرض. فى رأيك ما هو التغير الذى طرأ على الاعلام والمجتمع المصرى بعد ثورتين؟ - بكل تأكيد هناك تغيرات كثيرة ولكنى لن أتحدث عن الإعلام، باختصار شهادتى مجروحة فى هذا الأمر لأننى انتمى إلى هذا المجال، ولكن دعنى أتحدث ان أشياء وجماليات كثيرة افتقدناها هذه الأيام.. بالبلدى كده إحنا كنا عايشين على خمس حاجات.. الجدعنة، النخوة، الكرم، الشهامة، التسامح، أتمنى ان تعود المودة التى غابت عن عن الشعب المصرى عظيم جدا.. دعنى اعترف بأننا عشنا أحداثاً سياسية ودائما أقول «إننا عشنا لخبطة سياسية واضربنا فى الخلاط» الحمد لله مرت احداث صعبة وبدأت الرؤية تتضح ويجب علينا ان نحاول استرداد الأشياء الجميلة التى غابت والتى ستساعد على تقريب المسافات بين الناس.. ينقصنا الآن الضحكة الحلوة ونكهة الخلق المصرى.. أتمنى أن أرى مرة ثانية الشاب يحمى الفتاة بقلبة والقوى يساعد الضعيف والصغير يترك الكرسى للكبير فى الاتوبيس.. قد ترى هذه الأشياء بسيطة ولكنها تحمل فى جوهرها عمقاً كبيراً وتكشف اننا نعيش فى مجتمع متماسك جدا وقادر على هزيمة الاشياء السيئة. بعيدا عن السياسة أريد ان أعرف ما هى خطوط التماس بين أحمد السقا الابن.. والراحل الكبير صلاح السقا الأب؟ - كل شىء جميل ورائع فى حياتى والدى رحمه الله هو صاحب الفضل فيها بعد الله سبحانه وتعالى.. تعلمت منه أشياء كثيرة.. بالمناسبة هناك من يعتقد اننى عصبى والحقيقة عكس ذلك فقد تعلمت من والدى رحمه الله أن أتحلى بالصبر وان يكون بالى طويلاً جداً.. وتعلمت منه أيضا التسامح ولكن بدون ان أعود مكسور النفس أو مقهوراً.. لا أبالغ اذا قلت ان رحيل والدى قسمنى نصفين.. مهما تكلمت ومهما تحدثت من المستحيل ان أعطيه قدره. وماذا عن لحظات الانكسار والانتصار فى حياتك؟ - لا يوجد فى حياتى لحظات انتصار لاننى باختصار أعيش فى سلام مع نفسى وليس لى اعداء ولكن فى حياتى لحظات مليئة بالأمل والتفاؤل والعشم فى المستقبل.. لكن توجد لحظات انكسار كثيرة منها لحظة وفاة والدى، كانت لحظة قاسية ومؤلمة ولحظة ذبح اشقائى المصريين فى ليبيا.. ولكن دائما أقول ان الانكسار أهون من البتر.. الحياة تستمر رغم الالم وعلى الإنسان التكيف مع الواقع والتغلب على اللحظات الصعبة. بصراحة وبدون تجميل لما يدور فى المجتمع.. هل يوجد لدينا عنصرية؟ - لا يوجد لدينا عنصرية، مجتمعنا رغم أى شىء متماسك.. أتمنى ان نتعامل كمصريين فقط ولا نفرق بين مسلم ومسيحى.. أنا ضد خلط الأيديولوجيات السياسية بالمظاهر الدينية.. أنا مش واصى على المجتمع ولكن أتمنى أن ينحاز الجميع لمصر فقط وليس لأى شىء آخر. هل يوجد فى مصر «دواعش»؟ - الله أعلم.. معنديش معلومة. فى احتفالية عيد الشرطة وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى رسالة من خلالك للعاملين فى الحقل الفنى.. كيف تلقيت هذه الرسالة؟ - وجه الرئيس الرسالة للفنانة يسرا والعبد لله وكان محتوى الرسالة انه يريد ان يرى فناً يرتقى بالناس لان الفنان مرآة للمجتمع وهذا لا يعنى اننا نقدم أعمالاً فنية نظهر من خلالها ملائكة فقط ولكن يجب ان نقدم أعمالاً إبداعية تحمل رسائل ايجابية تنهض بوعى المشاهد وتحاول تصحيح أى اخطاء طرأت على المجتمع.. وهذه الرسالة أسعدت كل المبدعين لان هذا معناه ان القيادة تعترف بقيمة الفن فى التأثير.. الفن هو القوة الناعمة التى تغيير الناس. هناك من يرى فيلم الجزيرة توثيق لما يحدث فى مصر فى الفترة الأخيرة.. تتفق ام تختلف مع هذا الرأى؟ - يضحك «السقا» بصوت عالٍ ويقول: أنا عاوز أعرف رأيك انت فى الموضوع.. «الجزيرة» ممكن يكون فيلم توثيقى للاحداث التى حصلت فى مصر مؤخرا.. قلت له بكل تأكيد ارى فيلم الجزيرة محاولة لتوثيق احداث تاريخية عبر شريط السينما.. فضحك السقا قائلا: يشرفنى ان ترى فيلم الجزيرة من هذه الزاوية. بالمناسبة قدمنا «الرحالة» فى فيلم الجزيرة قبل ان تظهر داعش وقدم الدور صديق العمر خالد صالح ببراعة شديدة.. رحمه الله كان فناناً مبدعاً وإنساناً رائعاً لكن «ميعزش على الخالق» أذكر ان الأستاذ شريف عرفة شاهد مشهداً للسيارة داعش وظن ان هناك من سرب مشاهد من الفيلم قبل عرضه واكتشفنا اننا بتوفيق ربنا نجحنا فى تقديم عمل يحاكى ويستشف الواقع. وهل هناك رغبة فى عمل جزء ثالث من فيلم الجزيرة؟ فى الجزء الثانى من فيلم الجزيرة قدمنا أحداثاً استغرقت سبع سنوات.. ولا مانع من عمل جزء ثالث ولكن بشرط أن يمتلئ الوعاء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. يجب ان يكون لدينا احداث حتى نطرحها فى الجزء الجديد. كيف ترى جيلك محظوظاً أم مظلوماً؟ لا اعترف بالحظ ولكن مؤمن إلى حد كبير بتوفيق الله.. جيلى موفق، فى داخلى يقين ان التوفيق من عند الله، على الإنسان ان يجتهد فقط.. كانت هناك ظروف مهيأة لظهور جيل جديد ونجحنا فى استثمار الفرصة وأعتبر الفنان محمد هنيدى هو رأس السهم التى عبر خلفها جيل كامل إلى عقل ووجدان الجمهور. ولكن هناك من يرى ان أزمة أبناء جيلك تكمن فى فقر الأفكار؟ - لدينا كتاب على مستوى جيد ولكن ينقصنا نهر الأدب.. ربما اكون انا مقصر فى البحث عن أعمال أدبية ولكن أتصور ان الأعمال الادبية تثرى لغة السينما وتجعلها ذات حاذبية خاصة. الحركة الفنية تأثرت بفعل الأحداث السياسية ام انها قادرة على الصمود؟ - بكل تأكيد قادرة على الصمود امام الأحداث السياسية، هناك من تمسك بالانتاج ولم يفكر في الانسحاب، وأتصور أن الأيام الاخيرة شهدت رواجاً فى السينما والدراما وهذا يعنى أن القادم افضل بكثير، لا تنسى أن الأحداث السياسية تلقى بظلالها على كل شىء. هناك اتهام بأن لغة الحوار على شاشة السينما وفى الدراما أصبحت جريئة الى حد الابتذال؟ - الفن انعكاس للواقع.. أنا مؤيد لتقديم الواقع بشكل صادق ولكن مع ضروة الانتقاء وعدم تقديم الفاظ تخدش الحياء.. لماذا ابتعدت عن المسرح.. وهل هناك نية للعودة؟ - أنا خريج معهد فنون مسرحية وتربيت فى مسرح العرائس واشتغلت مسرح فترة طويلة ولا مانع من تقديم عمل مسرحى ولكن بشرط ان يكون اضافة لمشوارى الفنى.. بالمناسبة من ايام التقيت بالفنان الكبير محمد صبحى بالصدفة فى الشارع وقال لى كلمة عجبتنى جدا.. اشتغل مسرح وخليك مؤدب وخلينى اخرج لك المسرحية.. ضحكت من قلبى وقلت للاستاذ محمد صبحى: شرف كبير العمل معاك.. أنا عاشق للمسرح وأحب أشرف زكى وجلال الشرقاوى. الشائعات خطر يهدد استقرار حياة الفنان.. تؤيد أم تعارض؟ - بكل تأكيد الشائعات خطر يهدد حياة أى شخص وليس الفنان فقط ولكن شئناً أم أبينا فقد أصبحت الشائعات جزءاً من حياتنا وعلينا التعامل معها بعقل وبدون أى اندفاع. سمعنا أن هناك اكثر من حزب سياسى طلب ترشحك لخوض الانتخابات البرلمانية.. ما حقيقة ذلك؟ - يسمع منك ربنا.. لم يحدث ان رشحنى اى حزب سياسى لخوض الانتخابات وعلى أى حال أنا فى هذه المرحلة مهموم بفنى فقط.. شغلتى التعبير عن الناس وأن أطرح مشاكلهم من خلال الفن الذى أرى انه مؤثر وفعال الى حد كبير. هل تمانع فكرة اشتغال الفنان بالسياسة؟ - بالعكس انا مؤيد أن يشتغل الفنان بالسياسة.. ولكن بالنسبة لى لا افكر فى هذا الأمر، على الأقل فى هذه الفترة.. أنا مهموم بالتعبير عن قضايا الناس وأتمنى دائما أن أعبر على احلامهم وأوجاعهم بأعمال فنية جيدة تزداد قيمتها بمرور الزمن.