«أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد». هكذا تحدثت آسيا جبار في كتابها «لا مكان في بيت أبي» الذي يحكي سيرة فتاة تعيش في الجزائر العاصمة، فرِحَةً ببلاد لم تكن تعلم أن الدم قدرها، حيث صدر هذا الكتاب قبل عام واحد من أن تحمل الجزائر لقب بلد المليون شهيد. لنا أن نأسف لأن معظم أعمال «جبار» لم تترجم إلى العربية، وهذا ما جعل معظمنا يجهلها، رغم أن كتاباتها ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة، ورغم بعدها عن اللغة العربية لم تنكر جبار عربيتها فعبرت عنها بفرنسية كانت بمثابة جواز سفرها إلى مؤسسة الخالدين الفرنكفونية أي «أكاديمية اللغة الفرنسية» التي دخلتها عام 2005، لتكون أول عربية تدخل هذه المؤسسة وخامس امرأة على مستوى العالم. لقب الأولى لم يقف مع جبار عند هذه الأكاديمية، بل لازمها فى أكثر من مكان، فكانت أيضاً أول امرأة جزائرية تنتسب إلى دار المعلمين في باريس عام 1955، وأول أستاذة جامعية في الجزائر في قسم التاريخ والآداب، وأول كاتبة عربية تفوز عام 2002 بجائزة السلام التي تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية، كما حازت الكثير من الجوائز الدولية في إيطاليا، والولايات المتحدة وبلجيكا. لم تنفصل روح آسيا جبار أبداً عن بلدها الجزائر، فكتبت أعمالاً كثيرة عن مناخات الحرب والموت هناك أثناء الحرب الأهلية الجزائرية، لم تكن تكتب هذه الروايات هرباً من وجع الموت الجماعي الذي شهدته الجزائر، وإنما كعلاج نفسي داوت به غربتها وآلامها بحسب تعبيرها، من هذه الروايات «الجزائر البيضاء» و«وهران.. لغة ميتة». وتوالت أعمالها الروائية بين الجزائروفرنسا، التى تستند فيها الكاتبة إلى التاريخ كأحد العناصر الأساسية في بلورة أعمالها بدون أن تنتمي هذه الأعمال إلى صنف الرواية التاريخية، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك، فصدر لها عام 1957 رواية «نافذة الصبر» و«أبناء العالم الجديد»، ثم رواية «شاسع هو السجن» وفي هذه الروايات تروي الكاتبة جزءاً من سيرتها وسيرة بلدها. خاضت الراحلة الكتابة الأدبية والمسرحية والإخراج السينمائي بنجاح، ونشرت أول أعمالها الروائية بعنوان «العطش» 1953 ولم تتجاوز العشرين من العمر، وكانت العطش تروي عن نادية الفتاة المولودة من زواج مختلط بين أم فرنسية شقراء وأب جزائري بملامح عربية، وظلت تبحث عن «توازنها» وعن السعادة ليس مع زوجها ولكن مع زوج صديقتها. بعد استقلال الجزائر توزعت جبار بين تدريس مادة التاريخ في جامعة الجزائر العاصمة والعمل في جريدة «المجاهد»، وظل اهتمامها السينمائي والمسرحي متأججاً. ثم هاجرت إلى فرنسا عام 1980 حيث بدأت بكتابة رباعيتها الروائية المعروفة «نساء الجزائر» و«ظل السلطانة» ثم «الحب والفنتازيا» و«بعيداً عن المدينة»، التي تجلى فيها فنها الروائي وفرضها كصوت من أبرز الكتاب الفرنكوفونيين، بعدما كانت قد اختارت شخصيات رواياتها تلك من العالم النسائي فمزجت بين الذاكرة والتاريخ، حسبما يرى النقاد. كانت «جبار» بروفسيرة فى الأدب الفرنكفوني في جامعة نيويورك، وقد رشحت لنيل جائزة نوبل في الآداب عام 2009، واتسمت كتاباتها بالحداثة في الأسلوب والمضمون على الرغم من تمسكها بالتقاليد العريقة للمجتمع الذي تتحدر منه، وبصفتها أستاذة في التاريخ، فكانت غالباً ما تسلط الأضواء على تلك التقاليد التي تتوارثها النساء فى أعمالها. كذلك لم تتخل «جبار» أبداً عن حسها الأنثوى لذلك كتبت أيضاً عن أجواء الحبّ المتخيّل، وعن المُعضلات والمصاعب التي تواجه النساء مثل رواية «ليالي ستراسبورج»، وتعد الكاتبة الجزائرية آسيا جبار من كبرى المناصرات لقضايا المرأة فلقبت ب «الكاتبة المقاومة». و«جبار» التي ناضلت من اجل استقلال الجزائر، كانت من بين الشخصيات الأدبية المرموقة التي كتبت باللغة الفرنسية في منطقة المغرب العربي. وخلال أكثر من ستين سنة من الإبداع الأدبي كتبت آسيا جبار أكثر من عشرين رواية ومسرحية وديوان شعر ترجمت إلى عشرين لغة لا تقل فى أهميتها مساهماتها في السينما إخراجاً وتأليفاً. ولدت فاطمة الزهراء، المعروفة ثقافياً بآسيا جبار في 30 يونية 1936 في شرشال غرب الجزائر العاصمة، حيث تلقت دراستها الأولى في المدرسة القرآنية في المدينة قبل أن تلتحق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية في مدينة موزاية ثم البليدة فالجزائر العاصمة، شجعها والدها الذي تقول عنه إنه رجل يؤمن بالحداثة والانفتاح والحرية. تابعت دراستها في فرنسا حيث شاركت في إضرابات الطلبة الجزائريين المساندين للثورة الجزائرية ولاستقلال الجزائر، عرفت باسم آسيا جبار ككاتبة وروائية جزائرية. وفي عام 1958 تزوجت الكاتب أحمد ولد رويس الذي ألف معها رواية «أحمر لون الفجر» وانتقلت للعيش في سويسرا ثم عملت مراسلة صحفية في تونس، وتبنت في عام 1965 طفلاً في الخامسة من عمره وجدته في دار الأيتام بالجزائر، ثم تزوجت آسيا جبار بعد أن طلقت في 1975، من الشاعر والكاتب الجزائري عبدالمالك علولة. توفيت آسيا جبار فى أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس عن 78 عاماً ودفنت في مسقط رأسها شرشال غرب الجزائر تنفيذاً لوصيتها.