وصل منذ قليل إبرهيم محلب رئيس الوزراء، لحضور المؤتمر العربي الأول للإصلاح والتنمية الإدارية بفندق فيرمونت نايل سيتى الذىي يعقد على مدار يومين متتاليين، وجاءت كلمة محلب كالآني: فى البداية أود أن أرحب بكم جميعًا.. وأرحب بضيوفنا الأعزاء.. فى مصر الكنانة.. مصر الأمن والأمان.. مصر بلد المحبة والسلام. ويسعدني وجودي معكم في افتتاح المؤتمر العربي الأول، بعنوان "الإصلاح الإداري والتنمية"، الذي يناقش قضية مهمة.. بل هي أحد أهم القضايا بالنسبة لنا في مصر، وفي كثير من الدول في عالمنا العربي، ألا وهي الإصلاح الإداري، الذي يعد ركنًا مهمًا ورئيسيًا من أركان التنمية الشاملة لأي دولة. وإن كانت التنمية هي رؤية واستراتيجية لا يمكنها أن تتحول إلى حقيقة ملموسة فى واقع مليئ بالتحديات، إلا بإدارة واعية وقادرة وطموحة... إدارة تتبنى مواجهة كل ما يعوقها لتحقيق الهدف.... إدارة تتبنى إصلاحًا حقيقيًا، وتسابق الزمن لتحقيق أهدافها التنموية... فإنه بدون وجود هذه الإدارة... تتحول الرؤية إلى حلم أو خيال وفى بعض الأحيان إلى وهم. لذا فإننا نؤمن جميعًا بأن الهدف كبير، وليس باليسير، ولا بديل أمامنا إلا الإسراع في إجراء الإصلاح الإداري، وتهذيب البيروقراطية. إننا فى مصر أوشكنا على الانتهاء من خارطة الطريق السياسية، لتكتمل مؤسسات الدولة، وإن مؤتمركم هذا يأتي متزامنًا مع خارطة طريق أخرى، قد بدأناها في مصر لتحقيق إصلاح إداري حقيقي في الجهاز الإداري للدولة، والقطاع الحكومي ككل... إصلاح كان لابد منه لإحداث التنمية التي نسعى إليها. وأكد دستور 2014 على حُسن أداء الوظيفة العامة، والحفاظ على المال العام، وتعزيز قِيَم النزاهة والشفافية، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. إن خطة الإصلاح الإداري الشاملة التي بدأناها ترتكز على الاستفادة من الخبرات المُتراكمة، وما تم إعداده من دراسات قيمة، وأفكار وطنية للإصلاح الإدارى، والبناء عليها، بحيث يتم وضع نظام مُحكَم، مُحدَد الأهداف، وقابل للتنفيذ والتقييم، وبأسلوب علمي وعملي، يتبنى التُكنولوجيات الحديثة، وينهض بكل قطاعات الدولة، في إطار زمني محدد. كما نتبنى خطة عملية وعلمية للارتقاء بالنظم الإدارية، وترسيخ ثقافة مُؤسسية إيجابية... تُعلي قيمتي العمل والإنتاج، وتضمن سيادة القانون، وتحقيق العدل، وتقديم الخدمات لجميع فئات المجتمع دون تحييد أو تهميش. ولا يمكن الحديث عن خطة شاملة للإصلاح الإداري دون أن يدعمها تشريع جديد يتواكب مع المتغيرات الإدارية والاجتماعية الحديثة، أملاً في إحداث نقلة نوعية في أداء الموظف العام، ومن ثم أداء الجهاز الإداري، ومن ثم أداء الدولة ككل. إننا على وشك إصدار قانون الخدمة المدنية الجديد، الذى طالما انتظرته مصر لتوحيد التشريعات التي تحكم العاملين المدنيين بالدولة، وترسيخ مبدأ الرقابة الذاتية بالمؤسسات الحكومية، واختيار الكوادر، بِناءً على معيار الكفاءة، والقضاء على الواسطة والمحسوبية، وإثابة المجتهد، ومُعاقبة المُخطئ بعدالة وموضوعية .. وطبقًا لمعايير واضحة تعتمد على الأداء وتبتعد عن المحاباة. إن الإصلاح الإداري هو قاطرة التنمية ووقودها، وإن كانت التنمية هي جهد جماعي... فإن ذلك يتطلب بالضرورة قيادة جماعية.... وإذا أحسنَت الإدارة اختيار القيادات، ستسير قاطرة التنمية فى الطريق الصحيح وتصل إلى أهدافها، لذا فإن اختيار القيادات بناء على معايير واضحة، والتقييم المستمر لأدائهم هو حجر الزاوية في التنمية. إن الإصلاح الإداري الحقيقى يضع على كتف كل مسئول عبء رفع كفاءة العنصر البشرى الذي يتبعه، وقد أصبح هذا أحد مؤشرات نجاح أو فشل المسئولين... فإن تعلل أحدهم في بعض الأحيان بعدم وجود العنصر الكفء لتحمل المسئولية... فإنما يجب هنا أن نضع اللوم على الرئيس وليس المرؤوس، ولا تلومن إلا أنفسكم... هذه هي الثقافة الجديدة التي نتبناها، ونعمل بها. ليس ذلك فحسب، وإنما على كل مسئول أن يعد صفًا ثانيًا من أفضل الكوادر الموجودة بالمؤسسة أو القطاع أو الإدارة التي يديرها حتى لا يحدث ما نراه اليوم من خلخلة في المستويات والقيادات الإدارية، فإن وجود قاعدة بيانات لأفضل الكوادر الإدارية بجميع أجهزة الدولة يُعد أحد أهم أهداف الإصلاح الإداري الذي ننشده، كما يؤسس لمنظومة فعالة لاختيار القيادات بناءً على عنصري الكفاءة والإنجاز. ولهذا قررت الحكومة ولأول مرة أن يقوم كل رئيس جهة في مكانه، سواء كان وزيرًا أو محافظًا أو رئيس هيئة أو مصلحة باختيار أربعة من شباب الموظفين ليكونوا معاونين له، وليتم تأهليهم بشكل عملي ليكونوا من الكوادر الشابة والقيادات المستقبلية بالجهة، وجدير بالذكر أنني كرئيس للوزراء اتخذت لنفسي عددًا من المعاونين الشباب الأكفاء. إن إيقاع التطور والإصلاح الإداري يجب أن يتناغم مع معدلات التنمية... بل عليه أن يسبقها لضمان تطورها واستدامتها.. مما يتطلب تبنى سياسات للتدريب والتعليم المستمر بناءً على احتياجات حقيقية، وقياس أثر التدريب على أداء الموظف والمؤسسة لضمان فعاليته. إن الإصلاح الإداري يجب أن يشمل جميع المفاهيم الإدارية التي تعمل على تحسين مستوى الأداء الإداري ورفع الإنتاجية، ومنها: ▪ ترشيد الإنفاق العام، وإعلاء روح الحفاظ على المال العام. ▪ تبني معايير ومؤشرات واضحة لاقتصاديات التشغيل، وربط الأجر بالإنتاج. ▪ التوجه للامركزية وسرعة اتخاذ القرار، فسرعة اتخاذ القرار هي الطريق للنجاح... والتباطؤ وكثرة اللجان هو الفشل بعينه. ▪ التواصل مع المجتمع ومشاركته في صنع القرار وتبنى تنفيذه. ▪ تهذيب البيروقراطية، وتحجيم الروتين. ▪ ترسيخ مفهوم الخدمة العامة، فالموظف العام هو من يقدم الخدمة للمواطن – دافع الضريبة – الذي جاء للحصول على مطالبه المشروعة وللمحافظة على حقوقه، وإن تقديم الخدمة العامة للمواطن هو مبرر وجود الأجهزة الإدارية. ولا يسعنا الحديث عن السعي نحو الإصلاح الإداري، دون التأكيد على الالتزام بالمبادئ الأساسية للحوكمة، التي تستوجب ضرورة عمل المؤسسات بكفاءة، وفعالية، لتحقيق احتياجات المجتمع، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وإرساء مبدأي المساءلة والمحاسبة، اللذين طالما افتقدهما بشدة الجهاز الإداري للدولة، وكذلك مبدأ الشفافية، من حيث التزام جميع مؤسسات الدولة بالإفصاح عن قراراتها وسياساتها، وتشجيع المواطنين على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار. إن الإدارة الواعية حقًا هى التى يمكنها أن تتأقلم وسريعًا مع المتغيرات المتلاحقة التى قد لا تصب في مصلحة المؤسسة، بل وتضع السياسات والخطط والإجراءات اللازمة لمواجهتها، وتتبنى حلولاً مختلفة منخفضة التكلفة، وتُحفز المرءوسين وخاصةً الشباب على التفكير والإبداع واقتراح حلول خلاقة وإبداعية لمواجهة الظروف المحيطة أو للارتقاء بالأداء، ومن ثم فإن الترسيخ لثقافة الإبداع والإيمان بالأفكار الجديدة هو أحد مرتكزات خطتنا الشاملة للإصلاح الإداري. وليس أدل على ذلك من منظومة اختيار وتعيين 30 ألف معلم، التي تم الاعتماد فيها كليةً على تطبيقات إلكترونية، فقد قام الراغبون في الحصول على وظيفة معلم باستيفاء بياناتهم من خلال تطبيق تم إعداده لهذا الغرض على موقع وزارة التربية والتعليم، وعلى مواقع مديريات التعليم بالمحافظات، كما تم إخطار المتقدمين بموعد الامتحانات، التي بدورها تم عقدها من خلال تطبيقات إلكترونية، واستخراج النتائج بسرعة ودون تدخل، بما يضمن الشفافية فى النتائج والعدالة والمساواة فى الفرص بين المتقدمين. نموذج آخر، اعتز بالنجاح الذي حققه،وهو منظومة الخبز، فجميعنا يعلم كم كان يأكل دعم الخبز من الموازنة العامة للدولة، التي تعانى عجزًا كبيرًا، ومن ثم فإن إضافة الخبز إلى بطاقة الأسرة الالكترونية، وتبني فكرة جديدة ومختلفة لاحتساب نقاط لكل أسرة تأخذ حاجاتها فقط من الخبز، يمكنها من استبدالها بسلع تحتاجها الأسرة فعليًا، قد أدى بالفعل إلى انخفاض دعم الخبز في الموازنة، والأهم من ذلك أنه أدى إلى شعور المواطنين بأن الحكومة لا تألو جهدًا لخدمتهم. إن على الحكومات أن تعي أن هدفها الأول هو خدمة شعوبها وتبنى قضاياه... وواجبها الأول هو تبنى رؤية واضحة من أجل تنمية شاملة ومستدامة للوصول إلى النمو الاقتصادي الذي ينعكس على جميع أفراد المجتمع في مستوى أرقى من التعليم والصحة والأمن، كما أن على الحكومة أن تتواصل مع المجتمع ليتبنى سياستها التنموية... فالمواطن شريك أصيل لإنجاح مسيرة التنمية. كما أن على الحكومات أن تثق في شبابها وتُحسن إعداده... فهو المستقبل للأخذ بزمام المبادرات التنموية... وهذا يتطلب بدوره تنمية وإطلاق مواهبهم الإبداعية. إن هذا المؤتمر فرصة رائعة لتبادل الخبرات والاستفادة من النجاحات التي تحققت في الدول والمؤسسات والهيئات المختلفة من خلال ما قاموا به فى مجال الإصلاح الإداري للاستفادة منه والبناء عليه. ولنتذكر دائمًا أن القيادة الحقيقية هى الإحساس بمطالب الشعب والتعبير عنها وإيجاد الوسائل لتحقيقها. وفى النهاية اسمحوا لي بأن أتوجه بالشكر إلى المنظمة العربية للتنمية الإدارية على تنظيمهم للمؤتمر العربى الأول للإصلاح الإدارى والتنمية في القاهرة هذا العام، متمنيًا لكم جميعًا دوام التوفيق والنجاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،