ضرورة تكاتف الجهود الدولية لدحر الإرهاب واضح أن الهجوم الذي شنه نسور مصر البواسل على مواقع «داعش» ليس إلا بداية لمرحلة جديدة من الحرب ضد الإرهاب في الداخل والخارج. فما هي المخاوف التي تثور في صدر المواطن عندما يفكر بتكاليف تلك الحرب؟ هناك الخوف الذي ينبع من أن تكاليف الحرب قد تفاقم أزمة مالية قائمة بالفعل ،وقد تأتي على حساب برامج تنموية طموحة بدأنا بالفعل تنفيذها. لكن في كلام الرئيس السيسي ما يعد ردا على هذه المخاوف ،فالرئيس لا يكف عن التأكيد على أننا نخوض هذه الحرب بتعاون كامل مع الأشقاء في الخليج،خاصة السعودية والإمارات ،ومع الأصدقاء في أوروبا الغربية ،خاصة فرنسا وإيطاليا ،ومع الروس. وهذا التعاون –كما هو واضح من تصريحات الرئيس أيضا – لابد وأنه سيقوم على مشاركة في تحمل الأعباء. وهناك الخوف من تورط مصر في «الوحل الليبي» بتعبير الكاتب البارز حمدي رزق.وقد أحسن زميله في الكتابة للجريدة ذاتها جمال الجمل التعبير عن سطحية وتسرع الإعلاميين والمعلقين من «جنرالات خش عليه»،الذين ورثوا أسلوب «يا أهلا بالمعارك»الشهيرالذي ساهم في صنع كوارث تاريخية . لكن من الواضح أن تؤدة القيادة المصرية مناقضة تماما لرعونة الإعلام الزايط. فالقيادة تتقدم إلى الأمام بخطوات محسوبة ،ولا تنتقل من مرحلة في الحرب على الإرهاب إلى مرحلة أصعب إلا في الوقت المناسب لها. والبعض يذكروننا بحرب اليمن. لكن هل نسى هؤلاء أن حرب اليمن كانت جزءا من الحرب الباردة؟ لقد حدد الرئيس جمال عبد الناصر مهمة قصيرة الأمد يسحب بعدها قواته من اليمن ،ولكنه فوجئ بالمشير عبد الحكيم عامر يتفق مع القادة السوفييت على تمديد الوجود العسكري في الجمهورية اليمنية ،على أن تتحمل موسكو النفقات المالية التي قدرت آنذاك بعشرين مليون جنيه (فوق ستين مليون دولار).ليس موضوعنا هنا أي القائدين أخطأ؟ ناصر أم عامر؟لكن ما اود قوله هو أن ازدواجية القرار ليست موجودة اليوم. رئيس الجمهورية الحالي أعلن في خطابه الافتتاحي في قصر القبة أن القيادة موحدة والرئيس المنتخب هو الرئيس الذي يحكم. هو صاحب القرار وهو المسئول عما يقرره ويأمر بتنفيذه. رغم ذلك، فهناك جانب في الصورة الراهنة يذكرنا بالحرب الباردة ،على خفيف قوي. فالرئيس يقول إن الأوروبيين أقدر على تفهم مواقفنا. وهذا يعني أن واشنطن مازالت غارقة في أوهام جون إسبوزيتو و تخريفات جامعة جورج تاون الباحثين عن دور للإخوان المسلمين. ومهما قلنا عن تراجع القوة الأمريكية فالخلاف مع واشنطن خطر يحسب حسابه ،وأنا واثق من أن قيادتنا التي آلت إليها خبرة عمرها أربعون عاما في ملاعبة واشنطن وترويض نمورها تعرف كيف تتعامل مع هذا الخطر. يضاف إلى ذلك أن حربنا في اليمن في الستينات كانت جزءا من الصراع المصري مع قوى عربية كان أقواها البلد الذي لا يجب أبدا أن تعاديه مصر ،وهو المملكة العربية السعودية.كانت استجابة ناصر وعامر لطلب المساعدة من الجمهورية اليمنية جزءا من توجه قومي عربي تبناه عبد الناصر ونظامه. وهذا التوجه لم ينجح لأنه كان معاديا لقوى إقليمية لا يصح أن نناصبها العداء ،ومع قوى دولية لايقدر أحد عليها. دفعنا ،في تلك المرحلة ،ثمنا باهظا لشجاعتنا ومروءتنا التي يلخصها الشاعر فؤاد حداد في عبارة «»قلب عبد الناصر» الذي اعتصرته قبضة الموت الباردة تحت ثقل حزنه على الدم الفلسطيني النازف في أيلول الأسود.أما اليوم فكل رد فعل مصري على الإرهاب الذي اتخذ مركزا له في ليبيا ،وإن بقي محكوما باعتبارات مصرية خالصة ،محسوبة بعناية وليست مجرد استجابة عاطفية ،سيتجسد في استراتيجيات تعبر أيضا عن مصالح حلفائنا الإقليميين والدوليين ،وتطبق ،كما قال الرئيس ،بالتعاون معهم. ولهذا ،فالبعد السياسي والقانوني في التحركات المصرية سيمثل إطارا بالغ الأهمية لمبادراتنا ،وهذا ما جاء في حديث الرئيس إلى «راديو أوروبا» الفرنسي حيث أكد – وفقا لتقرير المصري اليوم – أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسئولياته، وضرورة تكاتف الجهود الدولية لدحر الإرهاب في ليبيا، باعتبار ذلك سبيلا وحيدا لتحقيق الأمن وإعادة الاستقرار». وأضاف الرئيس ،في تلك المقابلة أنه «يتعين تنسيق الجهود مع الدول الصديقة داخل الأممالمتحدة، خاصة في مجلس الأمن باِعتباره الجهة المسئولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، والمنوط بها اتخاذ تدابير عاجلة وفقاً لميثاق الأممالمتحدة لمواجهة أي تهديد لهما». فهل يعني ما سبق أن كل شىء مضمون ومؤمّن وأن مواجهتنا للإرهاب المتمركز في ليبيا ستكون بلاثمن؟ بالطبع لا. فهناك، أولا وقبل كل شىء، أرواح أبنائنا وبناتنا هناك ،وقد لايتيسر أن تطرح القيادة تصورا مفصلا عما تعتزم أن تفعله بشأنها ،حماية لهم ،لكننا نطالب القيادة بتطمينات ويإعلان مبادئ عامة ترسم لنا حدود ما يمكن عمله ،بالدرجة الممكنة من الوضوح. وهناك بعد ذلك ما أشار إليه حمدي رزق من أن مبادراتنا قد تدفع بأفواج من ذئاب الأصولية في مختلف الأقطار لترك أوكارها الراهنة واتخاذ أوكار لها في ليبيا ،ما يعني احتمال تحول ليبيا إلى أفغانستان أخرى على حدودنا. وليس هذا مستبعدا لكن أشرس من حارب في أفغانستان كانوا من الأفغان الذين يحاربون الحكم المركزي منذ القرن الثامن عشر ،ولم يكن الواردون عليها ذوي شأن كبيرفي مأساتها ،التي لا نتردد في أن نقول إنها طبخت طبخا في واشنطن. بالنهاية ندعو لأهلنا هنا ،ولأهلنا هناك ،من ليبيين ومصريين ،بالسلامة. أما جيشنا الذي نهض ،كما هو متوقع منه ،لأداء واجبه ،فندعو له بالنصر الذي يستحقه ،بكل جدارة.