انتهت لجنة التشريعات الاقتصادية من إعداد المسودة الأخيرة لقانون الاستثمار الجديد، وأحاله المستشار ابراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية وشئون مجلس النواب إلى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، المسودة النهائية لمشروع القانون الذى انتهت لجنة التشريعات الاقتصادية المنبثقة عن لجنة الإصلاح التشريعى من إعداده قبل أيام بالتعاون مع الأمانة الفنية للجنة وتحتوى المسودة النهائية من مشروع قانون الاستثمار على 125 مادة موزعة على 5 أبواب. وتشير الملامح الأولى للمسودة النهائية إلى تجنب العديد من أوجه اللغط والخلاف التى صاحبت المناقشات التى تمت على المسودة الأولى التى تم توزيعها على العديد من الجهات لمناقشتها وإبداء الرأى فيها. ويأتى إلغاء فكرة إنشاء هيئة للترويج للاستثمار من أهم الاستجابات لرفض العديد من الجهات لتلك الهيئة التى لم يكن يعنى وجودها سوى المزيد من الأعباء دون طائل، فضلاً عن التأكيد على احترام الدولة لعقودها فى رسالة طمأنة واضحة للمستثمرين، غير أن عدم حسم ملف الحوافز مازال يثير الجدل.. ويقول محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار: إنه يجب أن يحدد القانون موقف الشركات الاستثمارية الحالية من الحوافز الضريبية التي ستمنح للشركات الجديدة، وأن يتم التعامل بالمثل تحقيقاً للعدالة، لأنه من الغبن وانعدام العدالة التنافسية أن تمنح الشركات الجديدة إعفاءات ومزايا ضريبية وتحرم منها الشركات القائمة بالفعل. وطالب بأن يشمل مشروع القانون الجديد سعراً ضريبياً مميزاً للعمالة التي تشارك في المشروعات الاستثمارية التي تحقق أهداف الدولة الاقتصادية، مثل المشروعات التي تقام في المناطق الجديدة أو المناطق النائية مثل سيناء والصعيد والوادي الجديد، وإعفاء بدل الاغتراب وبدل الانتقال لهذه العمالة. وأضاف أن هناك ضرورة أن تحدد الدولة موقف الشركات التي ستقام تحت مظلة قانون الاستثمار الجديد من الضريبة العقارية وأيضاً للمشروعات التي ستقام في المناطق الحرة واقترح إضافة مادة للقانون تنص علي أنه (أنه يحق لأطراف التعاقد دون غيرهم الطعن ببطلان العقود التى يكون أحد أطرافها الدولة او أحد أجهزتها من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات والمؤسسات العامة والشركات التى تمتلكها الدولة أو تساهم فيها أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التى أبرمت هذه العقود استناداً لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفى التعاقد أو أحدهم فى جريمة من جرائم المال العام)، مطالباً بإصدار تشريع يسمح بتأسيس شركات الشخص الواحد. طالب «عادل» بضرورة تيسير إجراءات اعتماد محاضر مجالس الإدارة والجمعيات العامة العادية وغير العادية للشركات وإعادة النظر في حدود سلطة الجهات الإدارية المختصة في الاعتراض على ما يرد بتلك المحاضر، وتيسير إجراءات زيادة رأسمال الشركات وكذا المساهمة العينية في رأس المال، والعمل علي استخدام التكنولوجيا والإنترنت لإنشاء الشركات واعتماد المحاضر وتقديم الطلبات واستخراج الشهادات، واقترح استبدال نص الفقرة الأولى من المادة (45) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 بالنص التالي: يجوز تداول حصص التأسيس والأسهم التي تعطي مقابل الحصص العينية، كما يجوز تداول الأسهم التي يكتتب فيها مؤسسو الشركة خلال السنتين الماليتين الأوليتين للشركة بموافقة مجلس إدارة الهيئة وذلك وفقاً للضوابط والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون. أضاف «عادل» أن إصدار قانون جديد للاستثمار خطوة إيجابية ستشجع علي جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية شريطة إصدار قوانين مكملة كقوانين العمل والنقابات العمالية والصناعة، فنجاح قانون الاستثمار الجديد يتوقف على قدرته على التصدي للمعوقات التي تواجه المستثمرين، وحل المشكلات التي تواجههم وتفعيل دور الشباك الواحد أيضاً، مشيراً إلي ما تضمنه القانون من إعطاء المستثمر حرية دخول وخروج رؤوس الأموال يعتبر خطوة إيجابية لكنه يحتاج أيضاً إلي مواجهة البيروقراطية على أرض الواقع من خلال تسهيل الإجراءات الخاصة باستخراج التراخيص والعثور على الأراضي بسهولة وترفيقها وتقديم الخدمات اللازمة لها، حتى تنجح الحكومة في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استهدفتها. أكد أنه في ضوء دراسة مواد القانون نؤكد علي أن الغرض من القانون الاستثمار المنتظر ليس مجرد إصدار قانون جديد، وإنما هو رغبة حقيقية من قبل الدولة في تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمارات بشكل عام سواء كانت عامة أو خاصة كخطوة نحو القضاء على مشكلات المستثمرين ولتفادي تشوهات القوانين والتشريعات القديمة في قانون الاستثمار الجديد. ومن جانبه يؤكد الدكتور مدحت نافع، خبير الاقتصاد والتمويل، أنه بصفة عامة المشروع الجديد لقانون الاستثمار تلافى الكثير من الملاحظات التى وردت على المشروعات السابق تداولها مجتمعياً، وينم عن رغبة صادقة لدى كل من اللجنة العليا للإصلاح التشريعى واللجنة المختصة بوضع مشروع القانون فى وضع قانون شامل لتنظيم الاستثمار فى مصر، بدءاً بالرؤية العامة للاستثمار مروراً بأهدافه وخططه وضماناته وحوافزه بما يحقق التنمية المستدامة دون التنازل عن سيادة الدولة أو الترخّص فى حقوق الشعب. ويضيف أن مشروع القانون يتسم بالاتساق التشريعى، فهو يضع فى الاعتبار القانون المنظم للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والقانون المنظّم للمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، ويميز مشروع قانون الاستثمار «المشروع الاستثمارى» المستهدف بالتنظيم بحد أدنى لرؤوس الأموال المستثمرة، بل ويميز متطلبات رؤوس الأموال وفقاً لنوع النشاط، والمشروع يراعى من ناحية أخرى اعتبارات الشكل والاتساق فى نصوصه، وإن كنت ما زلت أرى إلغاء القانون 230 مع تضمين المادة 20 فى متن المشروع الحالى بهدف وحدة النص المنظم للاستثمار. وقال: إن القانون لا يستخدم التعبيرات الفضفاضة مثل المستثمر «حسن النية» ولا يعرّف الماء بالماء كما جاء فى تعريف الاستثمار بالمشروع السابق، كما تلافى المشروع كثيراً من الملاحظات التى أبديتها على مشروع القانون السابق ومنها اسم القانون الذى أصبح مباشراً وسهلاً يعكس محتوى ميسّراً للاستثمار، منها أيضاً التخلى عن فكرة إنشاء هيئة للترويج خاصة مع وجود قطاع للترويج داخل الهيئة العامة للاستثمار، علماً بأن استبدال الهيئة بشركة مساهمة للترويج (على نحو جوازى) يحل معضلة تعدد الهيئات وتداخل الاختصاصات فى مجال تنظيم الاستثمار فى مصر، ويوفّر على الدولة الكثير من النفقات غير الضرورية. وقال: إن تخصيص مكاتب معتمدة للفحص وإصدار شهادات هو فكرة جيدة للغاية لكن إنشاء شركات للتيسير قد تتداخل مع مقاصد النافذة الاستثمارية. كذلك أفرد المشروع مزايا إضافية للاستثمار الذى تتوافر فيه شروط خاصة للحجم والتشغيل وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة..وهو ما سبق أن ناديت به، أسوة بما اتخذه البنك المركزى المصرى مؤخراً من تدابير إدارة المخاطر المؤسسية، وبما اتجهت إليه كبرى الهيئات المالية غير المصرفية فى العالم عقب أزمة الرهن العقارى فى عام 2008، خاصة فى المملكة المتحدة، يقترح النص صراحة على اضطلاع الهيئة العامة للاستثمار بتطوير نظام نموذجى لإدارة المخاطر المؤسسية وإتاحته للمستثمرين بسعر التكلفة مع إلزام أنشطة بعينها بتبنى نظام لإدارة المخاطر المؤسسية حرصاً على متطلبات الاستدامة فى المشروعات الجديدة فى خطوة نحو تعميمها فى مختلف مؤسسات الدولة. ويضيف الدكتور مدحت نافع: إنه بالنسبة للملاحظات على نصوص المشروع فان مشروع القانون وضع أهداف الاستثمار ومبادئه الحاكمة فى صدارة النصوص وقبل الحديث عن الضمانات وذلك منعاً للترخّص فى فتح البلاد لأنواع من الاستثمارات الضارة والملوثة للبيئة والمدمرة للصحة العامة وألا تتحول مصر إلا مكب نفايات لدول العالم الأول ولا موطئاً رخيصاً للأموال الساخنة التى لا تحقق أياً من الأهداف الاقتصادية للدولة ولا تعالج الخلل الهيكلى فى الاقتصاد الوطنى كما ان إلزام الهيئة بالمحافظة على سرية المعلومات الفنية المقدمة من المستثمر هو أيضاً التفاتة ذكية من اللجنة واضعة المشروع. ومشروع القانون يراعى متطلبات التخطيط ويلزم الهيئة العامة للاستثمار بوضع الخطة الاستثمارية العامة للدولة وتحديثها بالتعاون مع مختلف الأجهزة المعنية، ويضع سلطة عليا لإقرارها هى المجلس الأعلى للاستثمار، كما أن الفصل المخصص للأحكام العامة لنظم الاستثمار يخرج بنا من دائرة العشوائية فى تحديد اولويات الاستثمار ويضفى أهمية وثقلاً للتخطيط الاقتصادى بصورة عملية ملزمة بحكم القانون. ويضيف نافع ان المشروع نص صراحة على «النافذة الاستثمارية» ووضع تعريفاً لدورها ومهامها، بعد أن ظلت تتردد ضمناً وبشكل مبهم بتعبير «الشباك الواحد» الذى لم يرد على ذكره القانون رقم 8 ولا أى من مشروعات القوانين المقترحة لاستبدال القانون رقم 8. وفيما يتعلق بالمواد المنظمة لتخصيص العقارات اللازمة للاستثمار فهى أكثر صيانة لحقوق الدولة والمجتمع من كافة مشروعات القوانين السابق تداولها.. وقال: أرى ألا يحدد القانون ولا لائحته التنفيذية الحد الأدنى لرأس المال المستثمر لتمييز المشروع الاستثمارى كقيمة مطلقة، وأن يترك الأمر للتقدير الدورى للهيئة بعد موافقة المجلس الأعلى للاستثمار. وبالنسبة للمادة 12 من المشروع، أرى إضافة «وموافقة المجلس الأعلى» عطفاً على أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة، كما أرى التوسّع فى المادة 18 لتشمل خارطة للتشغيل يتم تحديثها بصفة دورية لتشمل نسب البطالة على مستوى المحافظات والأقاليم واحتياجات الاستثمار كثيف العمالة فى تلك الأقاليم مع وضع امتيازات وحوافز خاصة لتلك المشروعات التى تقوم بتوظيف عمالة مصرية لا تقل عن حد معين فى عدد العمال لكل جنيه مستثمر. ويضيف أن آليات عمل المندوب المفوّض تفتح بابين يجب أن نتحرى الحرص على غلقهما.. الباب الأول باب اليد المرتعشة وهذا بحكم الصلاحيات الواسعة التى سوف يحصل عليها المندوب والتى سوف يتخذ بموجبها قرارات حاسمة لم يعتد اتخاذها فى الجهة الإدارية التابع لها من قبل.. وقد وضع الشارع حلاً لتلك الأزمة فى نص المادة 22 التى أعفت المندوب المفوّض من المساءلة الجنائية أو التأديبية عن الأعمال المرتبطة بنظام النافذة الاستثمارية إلا فى أحوال الانحراف والمخالفة والخطأ الجسيم، وهنا تأتى أزمة الباب الثانى الذى يجب أن نتحرى غلقه وهو باب الفساد الإدارى الذى ربما أنشأته صلاحيات وحصانة المندوب.. وهذا أقترح التعامل معه فى إطار من تطبيق ضوابط CONTROLS إدارة المخاطر المؤسسية التى أرى أن تكون ملزمة لعمل الهيئة كافة وعمل نظام النافذة على وجه الخصوص. كذلك إضافة عبارة «قيمة لا ترد» إلى المادة 26 فى سياق الحديث عن رسوم الفحص والمراجعة. وفى المادة 27 أقترح وضع 20 يوم عمل لغلق باب التأويل (وهو ما يعادل شهر تقريباً).. الفقرة الثانية من ذات المادة سقطت منها كلمة واحدة.. ربما «إطار» أو «جو» من الشفافية. ومادة 29 «سبعة أيام عمل» منعاً للتأويل ما إذا كان المقصود بالنص أيام عادية شاملة العطلات أم أيام عمل. كما أقترح استبدال مجلس النواب بمجلس الوزراء فى متن المادة 33 التى أراها أكثر حرصاً على المال العام من سابقتها المادة 26 فى مشروع القانون السابق، ومع هذا فموافقة نواب الشعب على تخصيص أراضى الدولة تكون أكثر صيانة لها وأدنى ألا تنجر إليه البلاد لما سبق أن تعرضت له من مخاطر التفريط فى أراضيها على عهد الإخوان.. علماً بأن الدستور الجديد وضع نظاماً للحكم أقرب للنظام شبه الرئاسى منه إلى البرلمانى وعليه فاستقلال مجلس النواب عن رئاسة الجمهورية محل نظر. وبالنسبة للمادة 34 أقترح أن تحدد مدة الانتفاع بعشرين عاماً قابلة للتجديد وفى المادة 41 أقترح أن تضم لجان التثمين فى تشكيلها خبراء مستقلين على سبيل الإلزام بغرض ضمان مزيد من الحياد والشفافية. ومادة 46 وضعت شرطاً عبقرياً وعادلاً للتمتع بالإعفاءات الضريبية مفاده ألا يترتب على الإعفاء الضريبي خضوع المستثمر للضريبة فى دولته. كما ميزت المادة 46 بين أنواع الحوافز وفقاً لطبيعة الإقليم الاقتصادى وحجم النشاط كما سبق أن طالبنا مراراً تعديلاً على نص المادة 26 فى مشروع القانون السابق تداوله. وجاءت المادتان 49 و 50 لتنظم الحوافز الإضافية وفقاً لمتطلبات مشروعة عادة ما تتضمنها القوانين المنظمة للاستثمار فى مختلف دول العالم وبالنسبة للبند 4 من المادة 47 والخاصة بالإعفاء الجمركى. أرى أن يشمل الإعفاء السلع والمعدات الرأسمالية ومستلزمات وخامات الإنتاج التى لا يوجد لها مثيل فى مصر وذلك بغرض تشجيع الصناعة المحلية وعدم امتداد الإعفاء ليشمل أية سلع استهلاكية. وبالنسبة للمادة 82 أقترح أن تكون تبعية الهيئة للوزير المختص، خاصة أن وزارة الاستثمار قد تكون فى طريقها إلى الإلغاء وفقاً لتصريحات الوزير نفسه، (ملحوظة: تم تحرى هذا فى نص المادة 87 لكن أعيدت الإشارة صراحة إلى وزير الاستثمار فى المادة 88). وأكد «نافع» أن المشروع لم يزل يمر بمرحلة القراءة الأولى وهو مفتوح للمساهمة الجادة من مختلف المؤسسات، وبالتالى من المبكّر تقييمه كنسخة نهائية.