5 مارس 2011 كان موعداً لتنفيذ خطة إسقاط جهاز أمن الدولة وكسر البقية الباقية من وزارة الداخلية لتشن هجمات عنيفة ومرتبة ضد مباني جهاز أمن الدولة لتصيبه بالتدمير والحرق والاستيلاء علي ملفات مختلفة وعديدة، من داخل المقار التي كان البعض يخشي مجرد المرور من أمامها قبل ثورة 25 يناير، وتمت هذه الخطة تحت غطاء ثوري فتجمع الآلاف من الشباب أمام المقرات المختلفة بالكثير من محافظات مصر بتخطيط ودعم من الإخوان وحركة 6 أبريل مثلما كشفت التحقيقات بعد ذلك ليستولوا علي وثائق رسمية وملفات ضخمة من المؤكد أنها كانت تعني أو تخص أطرافاً بعينها ممن قرروا تنفيذ هذه العملية. بدأ حصار المقر الرئيسي لجهاز مباحث أمن الدولة بمدينة نصر في الساعة الرابعة عصر 5 مارس 2011 بدعوة نظمها جروب علي «فيس بوك» ومع دقات السابعة مساء بدأت عملية الاجتياح، لواحد من أكبر مقار جهاز أمن الدولة علي مستوي الجمهورية وقاموا بالبحث عن أوراق رسمية ومستندات مهمة تابعة للجهاز، واستولي المتظاهرون أيضاً علي سيارة نظافة تابعة للمحافظة ووجدوا بداخلها أوراقاً ومستندات رسمية ممزقة تماماً ومبعثرة، متهمين المسئولين بتقطيعها لإخفاء معالمها وإبعادها عن أعين الجميع، وهتف المتظاهرون عقب خروجهم من مقر أمن الدولة حاملين كراتين عصائر يقومون بتوزيعها علي المتظاهرين «اشرب عصير أمن الدولة مجاناً ولأول مرة»! وفي الإسكندرية اقتحم متظاهرون مبني مباحث أمن الدولة بعد إلقاء قنابل حارقة وإطلاق رصاص وحطموا قطعاً من أثاث وصالة ألعاب في الطابق الأرضي وهشموا زجاج ست سيارات تابعة لمباحث أمن الدولة بينها سيارتان مدرعتان بعد إلقاء القنابل الحارقة في اتجاههما وقاموا بالاستيلاء علي أوراق كثيرة وملفات ضخمة من داخل مبني أمن الدولة. ونفس الشيء تكرر في معظم مقار جهاز أمن الدولة وبنفس الطريقة سواء في مرسي مطروح والجيزة والقليوبية والإسماعيلية والسويس وبورسعيد والبحيرة، لم يتركوا مقراً إلا وتم اقتحامه أو محاولة اقتحامه.. ولأن الأمر كان في توقيت واحد ترك علامة استفهام لمدة طويلة، إلي أن كشفت التحقيقات من وراء ذلك.. وهو ما دفع جماعة الإخوان والموالين لهم من التيارات السياسية بالمطالبة بحل جهاز أمن الدولة بعد ذلك! ففي الاجتماع الذي عقده الفريق أحمد شفيق رئيس حكومة تسيير الأعمال عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير مع رؤساء تحرير الصحف المصرية في الأسبوع الأول من توليه رئاسة الوزراء ألمح بأن هناك اتجاهاً لحل جهاز مباحث أمن الدولة، الأمر الذي قوبل بارتياح من جانب البعض من موالي جماعة الإخوان وخلاياهم النائمة، وقام مجموعة من شباب الفيس بوك التابعين لميليشيات التيارات الإسلامية بتنظيم حملة للتأكيد علي فكرة إلغاء هذا الجهاز. وللحقيقة أنه في عام 1913 وفي ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر تم إنشاء جهاز للأمن السياسي لتتبع الوطنيين والقضاء علي مقاومتهم للاحتلال، سمي «قسم المخصوص» ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط، وقد استعان الإنجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولي إدارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقرباً من الاحتلال، وبعد توقيع معاهدة 1936 تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخري للإسكندرية، بالإضافة إلي قسم مخصوص يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية علي هذا القسم، حيث كان قائده يتلقي أوامره مباشرة من الملك. وعلي الرغم من التغيرات العميقة التي قامت بها ثورة 23 يوليو في معظم مناحي الحياة المصرية، إلا أنها أبقت علي آليات عمل القلم المخصوص ومارسها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة في أغسطس 1952 تحت اسم المباحث العامة، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته بمباحث أمن الدولة، ثم تغيرت لافتته إلي قطاع مباحث أمن الدولة، ثم سمي جهاز أمن الدولة، وأخيراً جهاز الأمن الوطني. ودفع نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 البعض إلي الدعوة لحل جهاز أمن الدولة بزعم أنه هو الذي استحل حرمات المواطنين وحرياتهم دون مساءلة لعقود طويلة، ولن يجدي تغيير مسماه أو استبدال لافتته، فالفساد انتشر فيه بما لا يجدي معه ترقيع أو إصلاح، فالجهاز أنشئ بهدف حماية الأمن المصري ومحاربة الإرهاب والتطرف وكل ما يهدد الأمن المصري، لكن هناك من يقول إن الجهاز يعمل علي إضعاف المعارضة السياسية بكل أشكالها وحماية النظام السياسي القائم، كما أنه يمتلك الكثير من الصلاحيات، كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشح بعضهم للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية، بالإضافة إلي أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة. خرجت كل الجماعات والقوي لتعلن أنها ضد أي تقييد علي حق الناس في حفظ خصوصياتهم، لينتهي الأمر بالإقرار العلني بذلك مجدداً، بدون أن ينفي هذا أن أجهزة الأمن أصبحت أكثر قوة، وقدرة، ويمكنها الآن عبر وسائل العلم أن ترصد كل ما يقوم به الناس في أي وقت، تليفونياً وفي داخل الغرف وبما في ذلك في كافة شوارع المدن. حين قامت ثورة يوليو 1952 كانت سمعة القلم السياسي، وهو جهاز الأمن السياسي وقتها في الحضيض، فهو الأداة التي كان يستخدمها أمن المملكة المصرية لمواجهة كل الأنشطة المناوئة له، وقد تم حل هذا القلم ولكن الذي كان علي كل حال إدارة في وزارة الداخلية ولديه ارتباط وثيق بأدوات أمن الاحتلال البريطاني، هذا الحل لم يؤد إلي اختفاء الأمن السياسي، بل إن الذي جري هو أنه تم تأسيس جهاز المباحث العامة، الذي أصبح بمضي الوقت جهاز أمن الدولة، ومن ثم زادت اختصاصاته واتسعت، وأصبح ركناً ركيناً في حماية البلد، كما تم استخدامه خلال الفترات المختلفة في حماية أمن الأنظمة المتتالية. وبينما كان من أدوار القلم السياسي مواجهة الأنشطة الخارجية، فإن الثورة أضافت إلي أجهزة الدولة أداة أخري لها دور مختلف، ولها ضرورة حتمية، هي جهاز المخابرات العامة بكل ما له من أبعاد وطنية، تطورت علي مدار السنوات الماضية، والجميع يذكر دور علي صبري وصلاح نصر في تأسيس الجهاز حتي لو كان صلاح نصر قد اتهم فيما بعد بالانحراف، وهي مسألة محل جدل تاريخي، فإن هذا الرجل كان ولم يزل صاحب مدرسة مؤثرة وتاريخية في أمن البلد، الملاحظ في هذا السياق أن جهاز المباحث العامة - بديل القلم السياسي - لم يتخل عن بعض المهام التي كانت موكولة للقلم السياسي قبل الثورة، ومنها إدارات انشغلت بالأنشطة الصهيونية، والدينية والشيوعية والعمالية، وما شابه ذلك، وهي مسائل جوهرية في مختلف أجهزة الأمن حول العالم، والأمثلة عديدة جداً. والملاحظ أيضاً أن التغيير الذي أحدثه الرئيس السادات فيما بعد ما سمي بثورة التصحيح، وحرقه بنفسه لشرائط التسجيلات الصوتية التي كانت تقوم بها أجهزة الأمن، صاحب حملة موسعة هاجمت ما سمي بدولة المخابرات، وقد سبق هذا في نهاية عصر الرئيس عبدالناصر محاكمات مشهورة لقيادات في أجهزة الأمن، لكن هذه الإجراءات لم تنف بمضي الوقت وجود أجهزة الأمن، وتطورها وقيامها بمهام مختلفة حيوية وأساسية من أجل حفظ أمن البلد علي مستويات عديدة. والمؤكد أنه لن يعود جهاز أمن الدولة أو الأمن الوطني كما كان علي الأقل من حيث الاسم والتكوين الإداري وكان لدي الكثيرين من العاملين فيه ملاحظات جوهرية علي طريقة أدائه، وهو يحتاج تنظيماً وتدريباً وتمويلاً وعملاً علمياً يتيح له حماية أمن البلد في ذات الوقت الذي يحافظ فيه علي قيم حقوق الإنسان ومراعاة حقوق الأفراد، حتي لو كان هناك من يقول إن جهاز الأمن الوطني يجب أن يكون واجبه فقط حماية مصر من الإرهاب، فإن هذا كلام رومانسي حالم، لأنه ببساطة يغفل أن مكافحة الإرهاب تعني أن يكون اهتمامه بمصادره الفكرية، وهي الآن دينية في الأغلب، وأن هناك أدواراً مهمة يقوم بها جهاز الأمن علي المستوي الاقتصادي منها مثلاً جريمة غسيل الأموال التي لها علاقة بالجريمة المنظمة دولياً، ومصر مرتبطة باتفاقات دولية محددة في هذا السياق، ناهيك عن أمور أخري كثيرة، المسألة التي يجب أن تخضع للتمحيص هي دور الجهاز الأمني بعد تطويره في الحياة السياسية وتفاعلات الديمقراطية، وتلك سوف تحددها قواعد التفاعل الديمقراطي، ومن المسلم به أن جهاز أمن الدولة أو الأمن الوطني أياً ما كان اسمه الجديد لن يكون مطلوباً منه أن يتدخل للقيام بدور سياسي حين تكون هناك أحزاب تتفاعل وتقوم بما عليها في إطار القانون، وعبارة «في إطار القانون» هذه تستوجب أن تكون هناك أداة أمنية تتأكد من أن الجميع يلتزم بالقانون فعلاً، سواء كانت في الأمن الوطني أو الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة. ويبقي السؤال: أين ذهبت ملفات الإخوان عقب هوجة اقتحام مقار أمن الدولة في 5 مارس 2011؟.. جميع المصادر الأمنية أكدت أن جميع الملفات الخاصة بالإخوان مازالت بالحفظ والصون وكل ما استولي عليه الإخوان أوراق وملفات لا تؤثر في شيء لأن البيض لا يلقي في سلة واحدة. يقول اللواء حمدي بخيت، الخبير الأمني والاستراتيجي: إن أمن الدولة أو الأمن الوطني حالياً لم يفقد شيئاً من ملفاته وجميع المعلومات موجودة لدي الجهاز وإلا كيف تلتقط أجهزة الأمن عناصر الإخوان وخلاياهم النائمة ومن يتعاملون معهم في الخفاء الآن.. خاصة أنك الآن تتعامل مع جميع الخلايا الإخوانية النائمة وجميع المناوئين للدولة فقد ظهروا بشكل واضح وفج بعد أن حكم الإخوان واطمأنوا أن الدولة سقطت وأن الإخوان سيحكمون للأبد بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما اللواء محسن حفظي، مساعد وزير الداخلية الأسبق ومحافظ الدقهلية الأسبق فيؤكد أنه لم يختف ملف واحد من ملفات التيارات الإسلامية من جهاز الأمن الوطني وأن ما حدث من هجوم من ميليشيات الإخوان وجماعة 6 أبريل علي مقار أمن الدولة في مارس 2011 لم يمكنهم من الوصول للديسكات المحفوظ عليها المعلومات أو الأرشيف المحفوظ به تلك المعلومات وأن الهدف من هذه الهجمة كان محاولة محو تاريخهم الأسود الذي رصدته الدولة عليهم وكذلك كسر جهاز أمن الدولة، ولم يستفيدوا شيئاً من الأوراق التي حصلوا عليها، فجميع لقاءاتهم مسجلة وكذلك عمليات شراء السلاح التي قاموا بها والمؤامرات التي دبروها ضد الدولة، لذا لا خوف علي تلك الملفات فهي محفوظة في أماكن يصعب عليهم أو غيرهم الوصول إليها. ويقول أحمد بان، الباحث في تاريخ الحركات الإسلامية: لا أظن أن ملفاً واحداً من ملفات الجماعة الإسلامية أو الإخوان فقد لأنه ببساطة جميع هذه الملفات محفوظة في المخابرات العسكرية وهي أبية علي وصول الإخوان أو غيرهم إليها والإخوان سعوا لإتلاف هذه الملفات سواء عن طريق الاقتحام أو عن طريق تغيير القيادات الموالية لهم عبر محاولات خيرت الشاطر ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.. والمؤكد الذي لا شك فيه أن جميع المعلومات والملفات لم تسرق أو تضيع أو تم الاستيلاء عليها.