بقلم: خالد شرابي الأحد , 07 أغسطس 2011 16:32 كان المجلس العسكري قبل جمعة التاسع و العشرين من يوليو محل إنتقاد كثير من القوي السياسية , و كانت الأحداث متصاعدة من إعتصامات و محاولات البعض منهم للذهاب إلي مقر وزارة الدفاع ,, و إتهام العسكري ل " حركة 6 إبريل " بالعمالة و التمويل من الخارج .. فكانت الأحداث متناثرة ما بين غضب المعتصمين و تصريحات عشوائية من أفراد العسكري و إتهام بلا دليل ل 6 إبريل . فمن المنطقي أن الجمعة التي ستلي تلك الأحداث أن تكون فرصة حقيقة للإستمرار في المطالبة بحقوقنا الثورية و توجيه الإنتقادات لأداء المجلس العسكري .. و لكن حدث عكس ذلك تماماً فإنحرفت مليونية هذه الجمعة عن أهدافها المتفق عليها من القوي السياسية و التي لا تتعارض مع أهداف الثوار و تحولت من جمعة لّم الشمل و الإرادة الشعبية إلي جمعة إستعراض العضلات و خرق الإتفاقات و التسلق علي إرادة الثوار و الأنانية السياسية . هذا ما فعله الإسلاميون في الجمعة الماضية و الذين إتخذوا من الميدان مقراً لغزوة التحرير و الذين لم يروا فيه إلا أنفسهم و بدلاً من توافقهم مع باقي الفصائل حتي نستغل تلك المليونية لتحقيق مزيد من الضغط علي المجلس العسكري و مواجهته بأخطائه في كثير من الأمور , جعلوا من هذه المليونية فرصة للتأييد الصارخ للعسكري من لافتات و شعارات و هتافات كان غرضها كسب مزيد من الود مع العسكري . سيطر الإسلاميون علي الميدان بوصول الحشود من كافة المحافظات و تعالت الهتافات و كثرت اللافتات و التي لا يخرج أي منها عن تأييدهم للعسكري , فإنسحبت باقي القوي و الفصائل من الميدان تاركين الساحة للاسلاميين مما أدي إلي تفرق القوي و فتح باب من الخلاف الذي لا أعلم حد له . أصبحت الجمعة " جمعة التأييد " للمجلس العسكري و التغاضي عن أخطائه و تصدرت الأحداث تفرقة الشمل بدلاً من المطالبة بحقوق شرعية و أهداف ثورية . في الواقع لقد أظهر المجلس العسكري كارت الإسلاميين و أستغله جيداً لإظهار مؤيديه من الإسلاميين و ما أعظم تأثيرهم علي عامة الشعب بإسم الشعارات الدينية و حماسة الهتافات الصاخبة التي تسيطر علي عقل الفرد منا دون التفكير في عمق الأمور . و هو الكارت الذي بدأ المجلس العسكري إستخدامه منذ إستفتاء التعديلات الدستورية مستخدماً ورقة " المادة الثانية " مستغلاً إندفاع الإسلاميين و نزعتهم الدينية المتأصلة , فكان هذا هو بداية العهد بين العسكري و الإسلامي ! أحدث الإسلاميون شرخاً عميقاً في حائط الإرادة السياسية و التي كانت موحدة منذ بداية شرارة يناير , فأصبحت القضية الآن هي المطالبة بلّم الشمل بدلاً من المطالبة بحقوق و توحيد الصف بدلاً من توجيه الإنتقادات للعسكري ! فالإسلاميون طالبوا بمطالب لا وقت لها من تطبيق شريعة و مطالبتهم بالدولة الإسلامية و نبذ المدنية , و بالتالي كانت أشبه بحفل صاخب سيطرت عليه الأصوات العالية مرددة بآمال و أحلام ظلت حبيسة في صدورهم منذ وقت طويل . لا أريد أن أقدم أعذاراً إلي الإسلاميين بعد إستعراض قوتهم في التحرير و التي من الممكن أن يستغلوا هذه القوة في المطالبة بحقوق الشعب و الثوار و وقتها سيكسبون مزيد من التأييد طالما لم يخرجوا عن روح الثورة الواحدة , و لكن أريد تقديم أسباب واضحة لما حدث لأن تقديم الأعذار سيعفي الإسلاميين مما تسببوا فيه من تفريق للشمل و اختلاف و تنازع في الرأي بين كافة الفصائل و التي تحول فيها طريق الثورة ذو الإتجاه الواحد إلي طرق فرعية يسير فيها كل فصيل بمفرده . من ضمن الأسباب التي دفعت الإسلاميين لذلك أنه لماذا أعارض المجلس العسكري و أنا أصبحت الآن حراً طليقاً أمارس حياتي السياسية بكامل حريتي و إراداتي؟! و لكن نسي الإسلاميون أن هذه الحرية كانت بأيد شعب قام بثورة عظيمة لا مجلس عسكري , فالفضل يرجع إلي هذا الشعب و كان يجب علي الإسلاميين ألا ينكروا هذا الفضل و أنهم إذا أرادوا أن يستعرضوا قوتهم فكان لابد أن يكون ذلك من أجل الشعب كرد للجميل و الإعتراف بفضل هذا الشعب العظيم . و نأتي إلي سبب آخر و هو كيف أعارض المجلس العسكري و قد خرج الإخوان من نفق الحظر إلي جماعة استطاعت أن تكون الأحزاب و تمارس دورها السياسي في علانية و حرية كاملة ؟! لابد أن ننسب الفضل لأصحابه و أن الشعب وحده هو الذي صنع جو الحرية و أصبح كل فصيل سياسي يمارس مبادئه و أهدافه دون تقييد أو تضييق الخناق عليه . أخذ الإسلاميون عهداً علي أنفسهم بأن يخرجوا من جلباب المعارضة و التي أضاعوا في ارتدائه عمراً طويلاً و أن يرتدوا جلباب التأييد بعد أن ذاقوا مرارة المعارضة في عقود طويلة فأرادوا أن يتذوقوا حلاوة التأييد و التصفيق للحاكم و أن يخرجوا من هذا النفق المظلم بتأييدهم للمجلس العسكري دون النظر إلي أهداف الثورة و مطالب الشعب متسلقين علي إرادته فرحين برضا السلطان !! و لكن لماذا خلط الإسلاميون بين هذا " النيولوك السياسي " و إرادة هذا الشعب و التي من الواجب إحترامها و وضعها فوق رؤوسهم ؟! و لماذا استعرضوا قوتهم منتظرين تصفيق المجلس العسكري دون النظر إلي أن للشعب يداً يمكن أن تصفق لهم إذا استغلوا هذه القوة لصالح ثورتهم ؟! لقد أصبح الميدان مقراً مناسباً لعرض الصفقة بين المجلس العسكري و الإسلاميين و جعلوه ميدان " التحرير شو " حتي يستعرض المجلس مؤيديه و يحرك الإسلاميين في الطريق الذي سيحسن من صورته !! في النهاية , لا يجب ألا نغفل عن قدرة العسكر في التظاهر بقوتهم " السياسية " و إن كانت زائفة أو مصابة بشيء من الإهتزاز و هذا ما حدث في جمعة " تفرقة الشمل للدفاع عن الهوية " و التي كانت فرصة سانحة لإظهار المجلس لمؤيديه دون فتح المجال لإنتقادهم أو المطالبة بحقوق الشعب أو الدخول في طريق الإنتقاص من أداء العسكر فيما بعد الثورة ! أتمني أمنية يحيطها الحزن و الإحباط " و كأني بلعت طُعم العسكر " بأن تعود القوي السياسية إلي التوافق مرة أخري مثلما كانت عليه منذ بداية الثورة و أن ينبذوا روح الفرقة و الخلاف حتي لا يتركوا الثورة للسلطان و يدخلوا في مرحلة النزاع أو محاولات التوافق تاركين الهدف الأسمي و هو حماية الثورة و الإستمرار في المطالبة بحقوق هذا الشعب .