لعب تراجع الوعى والثقافة العامة، دورًا كبيرًا فى ظهور أمراض اجتماعية كثيرة، عانى منها المجتمع المصرى على مدى عقود، كغيرها من ملامح الفساد التى شابت مظاهر حكم الأنظمة السابقة، ومن أبرزها ظاهرة "التبول فى الشارع"، التى فرضت نفسها بقوة فى السنوات الأخيرة. وبرغم تداخل عوامل عدة فى انتشار الظاهرة كانتشار النار فى الهشيم، كغياب التوعية الدينية، بعد أن بات الخطاب الدينى يسير فى اتجاه واحد لا يحيد عنه، فإننا لا نجد على الجانب الآخر، أى تحرك يذكر من الجهات الحكومية والمجتمع المدنى، لإخضاع الظاهرة إلى دراسة علمية تتناولها من النواحى الاجتماعية والدينية والثقافية، تستطيع تفسير أسباب هذا الانتشار الغريب، واستخلاص النتائج والحلول التى من شأنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الصورة الحضارية المصرية التى أضحت على المحك. واستطلعت "بوابة الوفد" آراء بعض المواطنين، وتنوعت ردود أفعالهم ما بين الرفض والقبول، بدعوى وجود مرضى، لا يسعفهم الوقت لإيجاد دورة مياه، وآخرين اعتبروا أن الدولة تقع عليها مسئولية بناء دورات مياه عمومية فى الشوارع والميادين.. وكانت النتيجة كالتالى : التبول على الأشجار أفضل من الجدران يوسف: "طبعًا الكلام دا ما ينفعش، عشان الريحة والمنظر برضه مش حلو، والصراحة لما بكون مش قادر أمسك نفسى، بروح لأقرب شجرة وأصرف نفسى، وبفضل الشجرة لأنها بتدارى". أما أحمد جمعة، فينظر إلى الظاهرة باعتبارها "شكل" غير حضارى، قائلًا: "إحنا بنتعامل من 7000 سنة بالحضارة، والفراعنة كانوا بيبنوا حمامات عمومية كتيرة جنب المعابد، وفيه حمامات دهب تم اكتشافها مؤخرًا، زى حمام حتشبسوت وحمام كليوباترا وحمام أبو سمبل". لافتًا إلى أنه يلتمس العذر لكبار السن والمرضى، ملقيًا فى الوقت ذاته المسئولية على عاتق وزارة الرى، المنوط بها - من وجه نظره - إقامة حمامات عمومية، للاستفادة من الثروة المائية الناجمة عن مياه التبول، التى يمكن استغلالها فى زراعة الموالح، وخصوصًا الليمون واليوسفى والبرتقال. وأشار حسن كيلانى، إلى أن التبول فى الشارع، مخالف للقانون، كونه يدخل فى إطار الفعل الفاضح، بالإضافة إلى كونه حرام شرعًا، فيما قال محمود فتحى: "دى حاجة غير آدمية وما يصحش، والمفروض اللى بيعملوا كده يلبسوا بامبرز أحسن، وأنا عمرى ما عملت حاجة زى كده لأنى عادة بكون مظبط أمورى". وأكد المواطن الكويتى "جوزيف" أن الدول المتحضرة، تقوم ببناء حمامات عمومية فى الشوارع، معتبرًا فى الوقت ذاته، أن من يقوم بهذا الفعل "ناس مو كويسة ومو متربية، ولازم تتربى". التبول على الجدران "حرام شرعًا" من جهته أبدى الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، استياءه من ظاهرة "التبول فى الشارع"، معتبرًا إياها تتناقض مع منطق الدين الإسلامى، الذى يمنع أشكال الأذى والضرر للطريق العام كافة، لافتًا إلى أن الكشف عن العورة والتبول فى الطريق العام، أو على الجدران حرام شرعًا ويدخل فى إطار الأذى. وأضاف الجندى، أنه لا مانع من أن يتنحى الإنسان جانبًا بحيث يكون بمعزل عن الناس، من أجل قضاء حاجته، إذا وجدت الضرورة لذلك، مستندًا إلى الآية القرآنية "إلا ما اضطررتم إليه". وأشار عضو مجمع البحوث الإسلامية، إلى أن الدين يحث على الحياء، لافتًا إلى أن لكل دين خلق، والحياء هو خلق الإسلام، وهو ما يتناقض مع هذه الظاهرة، التى تخل بالحياء والمروءة، مضيفًا أنه لا ينبغى اللجوء إليها إلا فى حالة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات. وقال: "ينبغى أن نعترف بأن الإسلام دين يحافظ على المظهر العام، فالحديث النبوى قال إن الدين بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وإماطة الأذى عن الطريق، وحديث آخر يقول إن الحياء شعبة من شعب الإيمان". الفيفا رفضت مصر لغياب الحمامات العمومية قال الدكتور صفوت العالم، خبير البروتوكول وفن الإتيكيت، إن مدينة القاهرة وغيرها من المدن المصرية، يحكمها اعتبارات وظواهر كثيرة، مثل ظاهرة "التبول فى الشارع"، التى كان السبب وراءها الغياب التام لدورات المياه العامة فى الشوارع، برغم أنها حق أصيل من حقوق الإنسان، معتبرًا أن الدولة لم تتعظ من رفض ملف مصر من الاتحاد الدولى لكرة القدم "الفيفا"، لإقامة بطولة كأس العالم فى عام 2010، موضحًا أن لجنة التفتيش التابعة للاتحاد، بينت أسباب رفض الملف فى تقرير صادر عنها، وعلى رأسها غياب دورات المياه العامة. وأشار العالم إلى وجود كبار السن ومرضى السكر، الذين لا يتحملون السير لمسافات طويلة، بدون قضاء حاجتهم، مُضيفًا أن الأزمة تمتد إلى أماكن عمل رسمية، غير مهيئة لهذا الأمر من الأساس، وهو ما يسهم فى زيادة هذه الظاهرة، فى الوقت الذى توفر فيه كل دول العالم، دورات مياه عمومية فى أماكن التجمعات، والشوارع والميادين العامة. وأكد خبير البروتوكول وفن الإتيكيت، أننا بحاجة ماسة إلى وجود دورات مياه عامة فى الشوارع، حتى ولو مقابل رسم بسيط، قائلًا: "ينبغى على الدولة، أن تعمل على إعادة مظهرها الحضارى، يعنى شكلنا هيبقى عامل إزاى لو سائح مثلا عايز يقضى حاجته ولم يجد دورة مياه؟ دا حتى سفح الهرم مفيهوش دورة مياه واحدة..بالتأكيد هذا أمر غير جائز، وعلى الدولة التحرك بأقصى سرعة". وتابع: "ألم يخطر ببال السيد رئيس الوزراء، لإقامة مثل هذه المنشآت فى الشوارع، خصوصًا وأنه تعدى الستين عامًا؟ زمان كانت البلديات بتبنى حمامات عمومية فى الشوارع، ووسط البلد شاهدة على ذلك، وكان بيتم تنظيفها بالفنيك، ويمر عليها مسئول البلدية مرتين يوميًا للتأكد من نظافتها، مش عارف إحنا بنتقدم ولا بنتأخر؟".