الذين تجاوزوا سن الخمسين سنة بخمس سنوات من أمثالي، ربما يتذكرون جيدا قصة «الاتحاد قوة» التي كانت مقررة على أجيالنا في المرحلة الابتدائية بكتاب القراءة، قيل أيامها إن بطلها هو لقمان الحكيم مع أنها تشبه قصة وصية يعقوب لأولاده في التوراة، قصة الاتحاد قوة تحكى عن أحد الحطابين جمع أولاده وهو على سرير الموت، وطلب من كل منهم أن يكسر عود حطب فكسره بسهولة، بعدها قدم لهم حزمة حطب وطلب من كل منهم بمفرده أن يكسرها، ففشلوا جميعا، وهنا قال لهم: الاتحاد قوة، وفى التفرقة ضعف، وطلب منهم أن يتحدوا بعد مماته فى مواجهة الحياة، وكان المغزى من هذه القصة فى هذه المرحلة التبرير للوحدة العربية، ففي اتحاد الدول العربية قوة تستطيع أن تهزم إسرائيل، وفى التفرقة انكسار وهزيمة ونكسة واحتلال. في نفس السياق مع اختلاف المغزى استمعت لقصة بطلها يعود إلى حياتنا المعاصرة، وهو ميكانيكي في أحد الأحياء الشعبية، المصادفة قادتني إليه لكي يقوم بإصلاح عطل فى السيارة، لطول الفترة الزمنية ولكثرة الكلام حكي لي قصة تشبه قصة سليمان الحكيم ويعقوب، لكنها تختلف فى مغزاها كثيرا، قال: بعد وفاة والده وكان موظفا بالحكومة، صرفوا لهم المعاش وكان مبلغا زهيدا جدا، حوالي 150 أو 250 جنيهاً لا أذكر الرقم على وجه التحديد، وكانت الأسرة مكونة من الأم و4 شباب ذكور وفتاتين، فى أحد الأيام دب خلاف شديد، وقرر كل منهم أن يحصل على نصيبه من المعاش ويستقل بنفسه، جلسوا وأحضروا ورقة وقلماً وقام بتوزيع المعاش بينهم حسب القانون، بعد لحظات بسيطة فوجئوا أن نصيب كل فرد على حدة حوالي 19 جنيها، فكيف يعيش كل منهم بهذا المبلغ طوال الشهر؟، يأكل ويشرب ويسكن ويلبس ويذهب إلى المدرسة، ويزور الطبيب فى مرضه، شعروا بخوف شديد فقرروا أن يتراجعوا عن قرارهم الأحمق، كما قرروا أن يعملوا على زيادة دخل الأسرة لكي يلبوا احتياجاتهم ولا يمدوا أيديهم للأقارب والجيران، الذكور فكروا فى العمل فى شهور الصيف وادخار مبلغ يكفى الأسرة طوال الشهر، الأخ الأكبر قرر أن يعمل طوال العام، وكان تلميذا في مدرسة صنايع، فالتحق بالعمل فى إحدى ورش ميكانيكا السيارات كانت في الحي، ودخل الامتحان وأنهى دراسته وحصل على المؤهل المتوسط وهو يعمل بالورشة، وإخوته التحقوا بالجامعات وتخرجوا منها، منهم المدرس، والمهندس والمحاسب، وبحمد الله قاموا بتزويج البنات بعد تخرجهن من الجامعة، وتزوج الذكور أيضا، والميكانيكي قبل زواجه بشهور فتح ورشته الخاصة وربنا فتح عليه، وهذه الورشة هى التى قادتني المصادفة إليها لإصلاح عطل السيارة. قيل إن الرئيس السيسى طالب الأحزاب المتشابهة بالاندماج، وقيل إنه تمنى أن تختزل فى خمسة أحزاب فقط، فهذا أفضل للحياة الحزبية والتعددية المنشودة، قبل سنوات، وعلى وجه التحديد فى عهد الرئيس مبارك، سمحت الدولة بتأسيس أكثر من حزب ليبرالي بجانب حزب الوفد، وسمحت بأكثر من حزب يسارى، أيامها تساءلنا: ما الفائدة من أحزاب ليبرالية ومن أحزاب يسارية؟، لماذا سمحت الحكومة بتعدد الليبرالي واليساري؟، هل لطمع البعض فى منصب أو زعامة؟، لماذا لا يندمجون ويبحثون عن آلية تتسع للجميع تحت لواء حزب واحد؟.