«أضغاث أحلام». هكذا هتفت بصوت مبحوح لا يكاد يسمع، وأنا أقبع خلف أغطية ثقيلة أعانى من نزلة برد متوحشة لا مثل لها، لازمتنى مع نهاية العام وبداية العام الجديد، فسليت نفسى بمتابعة تهديدات جماعة الإخوان وأنصارها من القوى الثورية والقومية، وبعض السذج ممن يصدقون خطاب مظلومياتها، وبعض حلفائها من الباحثين عن دور، وبعض الانتهازيين والمأجورين الذين يتنعمون بأموالها وعطاياها،عما يسمونه ثورة 25 يناير القادمة، التى ستطيح بسلطة الانقلاب العسكرى فى مصر. وأضغاث أحلام، هى الأمانى الكاذبة، التى يخلط فيها النائم بين أوهام مضطربة وملتبسة وبين الحقيقة والواقع، ومن بين هذه الأمانى المتخيلة ما يبثه هؤلاء على مواقعهم الإليكترونية والفضائيات التى تدعمهم، عن حملة «يناير من جديد» و«مصر بتتكلم ثورة» التى يعد لها ما يطلقون على أنفسهم شبابا وطلابا ضد الانقلاب، بالتعاون مع تحالف دعم الشرعية الذى تفكك مؤخرا وانسحب منه بعض داعميه، فضلاً عما يسمونه جبهة التحرير المصرية، و6 أبريل - جناح أحمد ماهر، بالدعوة للنزول إلى الميادين فى 25 يناير المقبل. ومن اللافت للنظر والمثير للدهشة والعجب ان يربط هؤلاء بين هذه الدعوة وبين ما يقولون إنه قطار الثورة الذى انطلق من محطته الأولى «بدعم من انتفاضة جمعة المساجد 28 يناير 2011» فى اعتراف صريح بأن الجماعة لم تشارك فى ثورة 25 يناير سوى بعد أن تأكد لها أنها فى سبيلها إلى النجاح فى 28 يناير وهو اليوم الذى تم فيه الهجوم على السجون المصرية للإفراج عن قادة الجماعة، وعن مجرمين جنائيين وتهريبهم خارج الحدود، والهجوم المتزامن على كل اقسام الشرطة ومقرات مباحث أمن الدولة فى أنحاء محافظات الجمهورية، ونهب أرشيفها ومعداتها، وحرق مبانيها وتهريب وثائقها. ويتوقع هؤلاء أن تجربتهم الثورية فى 25 يناير ستكون محل نجاح ساحق ودراسة على المستوى العالمى، وتأثير على المستويين العربى والإسلامى، وصولا إلى ما يقولون إنه «تحقيق الريادة وانقاذ الإنسانية»! وبعد الدعوة للثورة على الانقلاب فى 25 يناير، بدأت ميليشيات الجماعة الإليكترونية تقدم على شبكات التواصل الاجتماعى مسوغات تلك الدعوة، ونشرت على نطاق واسع «بوست» مع بداية العام يتساءل: هل هو عام 2015 أم 1984 فى إشارة إلى رواية جورج أورويل الشهيرة «1984» التى كتبها عام 1949 ناقداً فيها سطوة أنظمة الحكم الشمولى، وتدميرها لشعوبها، محذراً من أن الأمم والحضارات التى تبنى على القسوة والخوف والكراهية، لا يمكن أن يكتب لها البقاء، فى مسعى خبيث فاشل للمقابلة بين ما يجرى على أرض مصر الآن، وبين عالم الرواية الكابوسى والقمعى. مع أن القمع الذى يروجون لوجوده فى مصر،لم يمنعهم من الانتشار على تلك الشبكات، والكتابة فى الصحف المصرية والظهور شبه اليومى على محطات فضائية، وترويج الشائعات والأكاذيب والأوهام، واقتناص كلمات المسئولين من سياقها، وتأويلها تأويلاً يلائم نفوسهم المريضة ومشاعرهم المتربصة، وأكاذيبهم التى لا تتوقف عن الانسياب والتدفق، لعجزهم التام عن نقد الذات والاعتراف بالجرائم والأخطاء التى ارتكبوها.، وإنكارهم للحقائق الساطعة على الأرض، ورفضهم للقبول بوقائعها الجديدة. ففى خطابه فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، دعا الرئيس «السيسى» إلى تجديد الخطاب الدينى، وهى دعوة يطالب بها الرئيس منذ ظهوره فى المشهد العام، دفاعا عن الإسلام ممن ينسبونه إلى القتل والنحر والسبى والإرهاب والدمار والخراب، فأمست دعوته لدى ميليشيات الجماعة وذيولها، دعوة للثورة على الإسلام، وحين طالب «السيسى» بالتصدى لمن يريدون افتعال مواجهة بين مليار مسلم وبين ستة مليارات من بقية البشر، أصبح طلبه الذى يتوافق مع أصحاب الضمائر الحية وذوى الحس الدينى والأخلاقى السليم والصحيح، هو تحريض للغرب على الإسلام والمسلمين، أما زيارته للكنيسة المرقسية للتهنئة بأعياد الميلاد المجيد، التى أسعدت قلوب المصريين، وملأتها دفئاً وعذوبة وحرارة، فلم يروا فيها سوى مغازلة للقوى الغربية وإرضاء لها وللمسيحيين، ونشر للفتن الطائفية، التى كانوا هم، ومن خرجوا من معاطفهم، من أسسوا لإشعالها، بحرق الكنائس، وإصدار الفتاوى التى تحرم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، ونشر الأكاذيب عن تكدس الكنائس بالأسلحة، وقيادة المظاهرات للمطالبة بمسيحيات محتجزات فى أديرة، زعموا أنهن قد أسلمن! وعلى طريقة من يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته، فإن أكثر الخزعبلات فجوراً التى يروج لها إعلام الجماعة وأزلامها دون خجل، هو القول بأن أجهزة المخابرات هى التى تتعقب رجال الشرطة والجيش، وهى التى تقتلهم، كى تكرس حالة الاستقطاب فى المجتمع، بما يبرر بقاء سلطة الانقلاب فى الحكم بزعم مكافحة الإرهاب، ويوغر صدور المواطنين ضد جماعة الإخوان، وضد المشروع الإسلامى بمجمله، وهو كلام لا تهذى به سوى عقول مريضة وموتورة، تخشى مواجهة حقيقة أن المصريين لم يعودوا تنقصهم الأدلة على أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية مخربة لا علاقة لها بالدين، اللهم إلا للمتاجرة به، ولا بالوطن إلا سعياً لاستعادة سلطة، فشلت باقتدار فى إدارتها، حين حازت عليها بالتزوير والتحايل والخديعة والتهديد والمساندة من قبل أعداء الخارج، وأن الجماعة باتت هى العدو الأول لهم الذى يحرمهم من أبنائهم، ويعرقل استقرار حياتهم، ويسعى لتشتيت جهودهم من أجل إعادة بناء بلدهم، وأن العمليات الإرهابية التى تقوم بها الجماعة وأنصارها ليست مواجهة بينها وبين الدولة فحسب، بل بينها، وبين الشعب والمجتمع والدولة معاً، وقد قبلت كل هذه الأطراف حجم التضحيات الجسيمة التى فرضت عليها، كى يكون النصر فى هذه المواجهة، هو الخيار الوحيد المقبول لديها. ثورة جماعة الإخوان فى 25 يناير القادم هى أضغاث أحلام لفلول جيش مهزوم بات يحدث نفسه، وحديث أنصاره فى وسائل الإعلام المختلفة عن الاستقطاب الحاد الذى يقسم المجتمع المصرى على نفسه، هو خطاب يبرر لجماعة الإخوان إرهابها، ويمارس نوعا من البلطجة السياسية التى تهون من الحرب على الإرهاب و تتغاضى عن الجرائم شبه اليومية التى ترتكب فى حق الشعب والوطن ومؤسسات الدولة، وهو خطاب يتحدث عن استقطاب بين جماعتين متماثلتين فى الحجم، ومتناقضتين فى المواقف،بينما الواقع يشير إلى أننا نتكلم عن دولة بكل مؤسساتها وشعب بمعظم فئاته وأحزابه ونقاباته يتبنى وجهة نظر عبر عنها فى ثورة الثلاثين من يونيو، وفى خارطة المستقبل التى أسفرت عنها، وأقلية محدودة تمثلت فى جماعة الإخوان، التى ينسى أنصارها أنها دعيت للمشاركة فى التوقيع على خارطة المستقبل، لكن مكتب الإرشاد رفض الاستجابة للدعوة، وفضلت هذه الجماعة المحدودة، أن ترفض الاستجابة للإرادة الشعبية،وأن تقف فى وجه شرعية جديدة، أقامتها الانتخابات الرئاسية، ودستور جديد جرى الاستفتاء عليه، وتلاشى العيوب فى دستور 2012، الذى أعدته لجنة مطعون فى شرعيتها، وحوصرت المحكمة الدستورية لكيلا تصدر قرارا بذلك، وها هى تواصل حماقتها وتدعو حشودها المتخيلة لثورتها القادمة التى لا تعدو أن تكون أضغاث أحلام!