تزايدت عمليات الاعتداء على المسادجد والمنشآت الإسلامية فى العديد من البلدان الأوروبية فى الأيام القليلة الماضية. يأتى ذلك متزامنا مع الفظائع التى يرتكبها تنظيم " الدولة الاسلامية " ضد رهائن غربيين سواء فى العراق او سوريا او ليبيا . ولا يمكن بأى حال من الأحوال فصل ما تتعرض له المساجد فى أوروبا والمسلمين من مضايقات واعتداءات ، عما يحدث من عمليات إرهابية فى منطقة الشرق الأوسط ، وتنسب لجماعات متطرفة تسيىء للاسلام والمسلمين . وبلغ الأمر إلى حد وصف البعص ما يحدث بأنه عودة للعصور الوسطى فى أوروبا. وتعتبر العصور الوسطى في أوروبا والتي تمتد من القرن الخامس الميلادي وحتى القرن الخامس عشر تقريبا من أحلك وأظلم عهود أوروبا , فبينما كانت أوروبا غارقة في ظلام الجهل والتخلف والعنصرية والحروب الدينية , كانت الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها وعطائها. ولعل أبرز ما يميز تلك الحقبة الزمنية في القارة العجوز هي العنصرية الدينية والتعصب الديني الكنسي المقيت , الذي صادر حريات الناس وأفكارهم. وأطلق مصطلحات الخيانة والخروج عن آراء الكنيسة لكل من ينادي بالمساواة أو الحرية أو ما شابه ذلك من أفكار علمية أو فكرية أو حتى دينية تناقض أفكار الكنيسة , ومن ثم كان الموت والحكم عليه بالإعدام هو العقاب المنتظر حينه. فقد شهدت ألمانيا منذ أيام مظاهرات تدعو لطرد المسلمين وارتفعت أصوات المناوئين للمسلمين بشكل ملحوظ في القارة العجوز , وأضحت المظاهرات سمة واضحة كل أسبوع في ألمانيا , حيث تنظم حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" مظاهرات مناهضة للإسلام والمهاجرين الأجانب في ألمانيا مساء كل اثنين منذ عدة أشهر , وما زالت هذه الحركة تستثير النزعة العنصرية الأوروبية تجاه المسلمين إلى الآن. ففي مظاهرات مناوئة للمسلمين تقودها حركة (بيغيدا) الألمانية شارك حوالي 18 ألف شخص منذ أيام - وهو أكبر عدد حتى الآن- في الاحتجاجات في مدينة دريسدرن , مما يشير إلى عودة بعض ملامح ومظاهر العنصرية التي كانت سائدة في أوروبا في العصور الوسطى. لقد حركت هذه المظاهرات المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للقول : إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رفع صوته عاليا في وجه المجموعات التي تسعى لزيادة الكراهية تجاه الأجانب ، بما في ذلك حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" المعادية للإسلام , وأشار دوجاريك إلى أن رسالة الأمين العام للأمم المتحدة حول هذا الموضوع شددت على التسامح وقبول الآخر، وأعربت عن رفضه جميع مظاهر التطرف في أوروبا والعالم. ولم يتوقف الأمر عند ألمانيا فحسب، بل وقعت اعتداءات متكررة على المساجد فى السويد وتزايدت الاتجاهات المطالبة بمنع هجرة المسلمين الى السويد ، وهى البلد التى تعتبر اكثر بلدان اوروبا تسامحا ونموذجا للحريات والديمقراطية ، وأشهر هذه الاعتداءات الحرق الذي أدى إلى إصابة بعض المسلمين بحروق لأحد المساجد فى استكهولم العاصمة , ورسوم عنصرية على جدران مساجد بألمانيا , و تعليق رأس خنزير على باب مسجد في النمسا , وأخيرا زعيم حزب المعارضة التشيكية يدعو لمحاربة المسلمين في دولة التشيك , ويقوم بنشر ملصق على موقعه الخاص على الفيس بوك يدعو فيه التشيكيين للتجول مع الكلاب والخنازير في المساجد أو في محيطها. وجاء حادث الهجوم الإرهابى الأخير على مقر صحيفة " شارلى إيبدو " فى باريس ليصب الزيت على النار ، حيث وجهت الاتهامات لإسلاميين متشددين ، ولم يكد يمر يوم واحد على الحادث ، حتى وقعت اعتداءات على المساجد فى انحاء متفرقة من فرنسا . فقد وقع انفجار قرب مطعم "كباب" بالقرب من مسجد في "فيلفرانش-سور-سون" في وسط شرق فرنسا دون أن يوقع ضحايا. وصرح رئيس بلدية المدينة برنار بيرو أن "الأمر مرتبط للوهلة الأولى بالوضع المأساوي" الناجم عن الاعتداء على الصحيفة، ودعا إلى "التضامن والوحدة والاحترام". وألقيت ثلاث قنابل يدوية صوتية على مسجد في مدينة "لومان" (غرب) وأطلقت رصاصة على الأقل على مسجد في حي شعبي بعيد منتصف الليل. وفي "بور-لا-نوفيل" (جنوب)، أطلقت رصاصتان على قاعة صلاة للمسلمين بعد ساعة تقريبا على انتهاء صلاة العشاء. وهناك مؤشر آخر يعكس الشعور المتنامى ضد المسلمين فى اوروبا ، فقد تزايدت قوة الأحزاب اليمينية المتشددة في الفترة الأخيرة في معظم دول القارة الأوروبية , حيث فازت هذه الأحزاب في انتخابات البرلمان الأوروبي مؤخرا وبفارق كبير عن الاشتراكيين , الأمر الذي أعطى جرعة جديدة لتنامي قوة هذه الأحزاب في القارة . ومن المعلوم أن هذه الأحزاب تحمل في فكرها وجيناتها الكثير من الموروث الأوربي العنصري والمتعصب الذي كان سائدا في العصور الوسطى , فهي تعارض الاتحاد الأوروبي , كما تعارض الهجرة ووجود الأجانب في بلادها , ولا بد من بيان ملاحظة جديرة بالاهتمام , ألا هي أن المقصود بمصطلح الأجانب في أوروبا هم "المسلمون" , إذ إن الأجانب من غير المسلمين لا يطالهم أي اعتداء أو عنصرية , بل إن المساس بحقوق اليهود في أوروبا معاقب عليه في معظم قوانين أوروبا باسم "معاداة السامية" , وما استخدام لفظ المهاجرين الأجانب إلا ستارا وغطاء للعداء والعنصرية الأوروبية تجاه المسلمين فقط. ووصف البعض ما يحدث بأنه عودة لظاهرة "الإسلاموفوبيا" والخوف من المسلمين بلا تفرقة بين متشدد ومعتدل . والأمر المقلق هو الاحتمالات القوية لتزايد حالة العداء للمسلمين فى القارة للعجوز خلال الفترة المقبلة وتطورها لتأخذ اشكالا متعددة ، وبالتالى تتزايد العمليات الارهابية وهو ما يؤشر لمواجهات لا تحمد عواقبها.