بجسده النحيف وقدميه الهزيلتين اللتين لا تقدران على حمله، بعد أن أنهكهما المرض. السيد صلاح السيد عبدالرحمن، الذى لم يتجاوز عمره اثنى عشر عاماً، ولم يعش طفولته كباقى أقرانه فى اللعب واللهو أمام منزله أو فى فناء مدرسته، فجميع زملائه ابتعدوا عن مخالطته خشية إصابتهم بالمرض اللعين. دعاؤه اليومى بأن يجنبه الله وعمه المصاب بنفس المرض مصير جارته ذات السنوات الأربع التى توفيت منذ ثمانية شهور بعد إصابتها به. الطفل السيد صلاح أمنيته بعد أن يمن الله عليه بالشفاء أن يصبح طبيباً حتى يتمكن من علاج كل من أصيب من أقاربه وأصدقائه وجيرانه فى منطقته التى يعيش فيها. يروى والده صلاح السيد عبدالرحمن «42 عاماً» يعمل بورشة لتصنيع الأحذية، كم الآلام التى يتعرض لها وأسرته بعد حالات الوفاة المتعددة لإصابتها بالسرطان، يقول: تحملت المسئولية عن أسرتى وأهل منطقتى بحى السلام بمدينة كفر صقر محافظة الشرقية، كى أدفع عنهم المصير المؤلم بعد إصابة أكثر من 40 شخصاً منهم بالسرطان. وتابع: «نبحث منذ عدة سنوات عن السبب الرئيسى وراء إصابة أكثر من 40 شخصاً ممن يقطنون فى المنطقة السكنية التى أقطن فيها بحى السلام بمدينة كفر صقر بأمراض السرطان، علماً بأن المنطقة يحيط بها أربعة أبراج لشبكات المحمول، فضلاً عن انتشار كثيف لتلال القمامة وطفح دائم لمياه المجارى فى الشوارع، والدى توفى منذ ثمانى سنوات بعد إصابته بسرطان القولون، وأصيب شقيقى علاء الذى يعمل فى تركيب فرم الجبس منذ عام 2011 بسرطان فى الغدد الليمفاوية، وابنى السيد ذات «12 عاماً»، الطالب بالصف السادس بالمعهد الحسينى هاشم الأزهرى بمدينة كفر صقر، مصاب بخلايا نشطة فى الغدد منذ عام، وتوفيت خالتى منى عبدالمنعم محمود متأثرة بسرطان فى الرحم منذ اثنى عشر عاماً، والطفلة حبيبة إيهاب إبراهيم طلعت ذات السنوات الأربع - إحدى أقربائى - متأثرة بإصابتها بسرطان النخاع والتى لم تتحمل أوجاعه ولا آلالمه أكثر من ثلاثة شهور. وأضاف أن المرض لم يرحم صغيراً طفلاً ولا صبياً بالغاً شاباً أو كهلاً، فتاة أو أمراة، ويستطرد قائلاً: «توفى بسببه عدد من الاهالى بينهم: سامح محمد عامر «عجلاتى» ذو الأربعين عاماً توفى منذ ثلاث سنوات بسرطان المخ، والطفلة چنا محمود ذو الأربع سنوات منذ عام ونصف بسرطان المخ، السيد أحمد العربى، منجد دراجات بخارية، منذ ست سنوات بسرطان الدم، حسن السيد عبداللطيف «مبيض محارة» بسرطان الدم، بدرية عبدالمجيد «ربة منزل» بسرطان الدم، هيثم أحمد السلام «مدرس» سرطان النخاع وكانت حالته تحتاج إلى زرع نخاع، محمد محمد عبدالله الجلاد «نجار» بسرطان المخ وتوفيت والدته أيضاً بسرطان الدم، محمد فتحى عطية بسرطان الدم، فاطمة محمد أحمد غياتى، توفيت منذ تسع سنوات متأثرة بإصابتها بسرطان الدم، خالد رمضان بهلول، صاحب مزرعة فراخ متأثراً بإصابته بسرطان فى الكبد، هيثم السيد يوسف «بائع متجول» بسرطان الدم منذ عشر سنوات، علماً بأن شقيقه وزوج والدته توفيا قبل وفاته بتشخيص ارتفاع فى درجة حرارتهم دون أن يتم الكشف عن السبب الرئيسى عن وفاتهم. وعن المصابين الأحياء، أشار إلى بعضهم وهم: سهير محمد على صفية، ربه منزل مصابة بسرطان الثدى، زينب عبدالرحمن، ربة منزل مصابة بسرطان الثدى، عبدالعزيز أحمد امين، سائق توك توك مصاباً بسرطان فى الخصيتين، أمين عبدالعزيز الدمياطى، كهربائى سيارات مصاباً بسرطان فى الأمعاء والده توفى بذات المرض، بطة شحاتة مصابة يسرطان الثدى، رضا محمد بورم فى المخ، فضلاً عن شقيقه ونجله. حبيبة إيهاب إبراهيم طلعت ذات أربع سنوات - إحدى أقربائى - توفيت متأثرة بإصابتها بسرطان النخاع والتى لم تتحمل أوجاعه ولا آلالمه أكثر من ثلاثة شهور. وتقول والدة الطفلة «حبيبة إيهاب طلعت»، توفيت نجلتى متأثرة بإصابتها بسرطان النخاع الذى أصابها لمدة 6 أشهر فقط، طرقنا خلالها جميع الأطباء ومستشفى سرطان الأطفال بجامعة الزقازيق حتى توفاها الله بعد اخذ جرعتها بثلاثة أيام. أحمد عبدالله الجلاد «محامى»، يقول: والدتى توفيت متأثرة بإصاباتها بالسرطان وشقيقى محمد أصيب بعدها مباشرة، العشرات من سكان حى السلام بمدينة كفر صقر مصابون بهذا المرض اللعين، السبب حتى الآن غير معلوم لأحد، إلا أن هناك أربعة أبراج للمحمول قائمة منذ عدة سنوات ويخرج منها إشاعات لم نعلم حتى الآن مدى تأثيرها علينا كسكان للمنطقة، خاصة وأن هذه الأبراج تحيط المنطقة السكنية التى نحن فيها، ولا نعلم قانونية هذه الأبراج هل صدر لها تراخيص أم لا، وهل تم تركيب الأجهزة الخاصة بامتصاص الإشعاع من هذه الأبراج، فضلاً عن انتشار دائم للقاذورات والقمامة فى شوارع الحى وطفح مستمر لمياة المجارى، طرقنا كل الأبواب حنى نصل إلى حقيقة المسئول عن انتشار السرطان فى مربع سكنى لا يزيد على مائتى متر فقط، معظم من أصيبوا بهذا المرض حالتهم المادية ضعيفة لا تقدر على تكاليف العلاج، والبعض منهم توفى بسب عدم قدرته على توفير علاجه، والبقية معرضة للإصابة مستقبلاً ولا نعرف من عليه الدور، نتمنى من المسئولين النظر برعاية لسكان الحى والعمل على معرفة أسباب انتشار السرطان حتى يتم القضاء عليه ووقف انتشاره. الحاجة سهير محمد على صفية «55 عاماً» ربة منزل، تقول: أسكن بشارع الجزارين بذات الحى، أصبت بورم فى الثدى منذ أربعة شهور، أجريت جراحة لازالة الورم بمستشفى السرطان بمدينة فاقوس، إلا أن رحلة استكمال العلاج تحتاج منى إلى أموال كثيرة لا أقدر عليها لعدم قدرتى المالية على ذلك، وحالتى مهددة بالتدهور فى حالة عدم استكمال العلاج الكيماوى. علاء السيد عبدالرحمن «33 سنة» يعمل فى تشكيل ولصق الفرم الجبس، يقول: «كنت اعمل بحيوية ونشاط لأكثر من 18 ساعة يومياً، حيث أمتهن هذه المهنة منذ سنوات، والجميع يصفوننى بالبارع فى لصق الفرم، حتى أصبت بسرطان الغدد الليمفاوية منذ أربع سنوات، الامر الذى أثر على نشاطى فى العمل، فلا أقدر إلا على عمل الشاى لزملائى فقط، وفى كثير من الأيام لا أخرج من مسكنى لشدة التعب وعدم قدرتى على الحركة وأقضى بقية أيامى فى المستشفيات بحثا عن علاج جديد. الدكتور خالد فوزى، مدير عام إدارة الشئون الوقائية والرعاية الأساسية بمديرية الصحة بالشرقية، أكد أنه ورد إليه شكوى بانتشار مرض السرطان فى حى السلام بمدينة كفر صقر، وأنه قام بإرسال فريق طبى لدراسة الموضوع محل الشكوى، وأنه تم أخذ عينات من مياه الشرب والسلع الغذائية المعروضة فى المحال والأسواق التجارية، وأن نتائج هذه العينات أثبت سلامتها، وأن معظم من توفوا المذكور أسماؤهم فى الشكوى لم يشار إلى إصابتهم بالسرطان فى شهادات الوفاة، وأن الإصابة بهذا المرض لا تعتبر ظاهرة حتى الآن، وأن الفريق الطبى مازال فى دراسة الشكوى حتى تاريخه. ونشير إلى أن اصابة أكثر من 40 شخصاً من أهالى المنطقة بمرض السرطان، تتطلب تضافر كل الجهات للبحث عن المتسبب الرئيسى وراء إصابة هذا العدد، خاصة أن هذه المنطقة كانت أرضاً زراعية خالية من السكان فى منتصف القرن الماضى، ويحتمل أن تكون قد شهدت إحدى المعارك العسكرية التى كانت دائرة هناك بحسب روايات المصابين وذويهم، الذين أشاروا إلى احتمالية وجود مواد مشعة مدفونة تحت الأرض، خاصة أن جميع الدراسات والأبحاث العلمية لم تثبت حتى الآن وجود صلة علمية مباشرة بين إصابة الإنسان بأمراض السرطان، وتعرضه لموجات أبراج المحمول.