قال رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في مصر وفي رئيسها عبدالفتاح السيسي وفي شيخ أزهرها ما لم يقله مالك في الخمر . تصرف أردوغان مع مصر كما لو أنها مستملكة عثمانية، وهو كان يعتبرها كذلك وليس في الأوهام. التدخل التركي السافر في الشأن المصري بدأ منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير، ولم ينته حتى الآن . حتى وزير الخارجية المصري حينها أحمد أبو الغيط الذي كانت تجمعه مع أنقرة سياسات تابعة لواشنطن لم يتحمل الوقاحة التركية واحتج بشدة على ذلك . طالب أردوغان بصفته وصياً على القاهرة المحروسة الرئيس السابق حسني مبارك بالتنحي، وأن يتذكر أن مترين مربعين ينتظرانه في الآخرة . لم يكن الطلب شخصياً، بل كان يعكس سياسات مغرضة تهدف إلى ازاحة الدور المصري من أمام السياسات الجديدة لتركيا في ظل حزب العدالة والتنمية . كانت مصر تاريخياً، ولا تزال، السد الأكبر أمام أي توغلات تركية في المنطقة بمعزل عمن هو الحاكم في مصر . وكان الأتراك السابقون على أردوغان يعرفون حدودهم إلى حد ما، ولم تكن لهم مشاريع خاصة بهم، بل كانوا يتحركون في إطار سياسات حلف شمال الأطلسي والغرب عموماً . حتى إذا جاء أردوغان إلى السلطة كشّر عن وجه المشروع العثماني في التفرد بحكم المنطقة وضرب اللاعبين الأساسيين في المنطقة من إيران إلى السعودية ومصر . وبما أن مصر كانت القاعدة الأهم لجماعة الإخوان المسلمين فقد كانت عدة الشغل التركية تتركز عليها، وهو ما تجسد في السلوك التركي لدعم وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، ومن ثم رسم السياسات التي اتبعوها في الداخل، خصوصاً حيث كان إخضاع السلطة القضائية ومحاولة وضع اليد على المؤسسة العسكرية . غير أن مصر أكبر من كل من حكموها عبر التاريخ، وأكبر من أي دولة تحاول بلعها أو وضع اليد عليها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة . فكانت ثورة 30 يونيو التي توجت بانحياز الجيش إلى الجماهير وإطاحة حكم الإخوان المسلمين، قناع النفوذ التركي في مصر والمنطقة . لقد فشلت تركيا أولاً في سوريا، ومن ثم فشلت في مصر . فكان الانهيار المزدوج والكامل للمشروع التركي، حيث استكمل بتصفية فلوله في تونس، أما في ليبيا فلا تزال تركيا تلعب دوراً فتنوياً في الوقوف بجانب فصائل مسلحة ضد أخرى . لقد انتقلت سياسة تركيا الخارجية من دور العلاقة بين بلد وبلد في مرحلة ما قبل 2002 إلى التدخل المباشر في الشؤون الداخلية لكل بلد بعد وصول أردوغان إلى السلطة . غير أن الخطاب الأردوغاني تجاه مصر بعد انتخاب السيسي رئيساً كان خارج أي إطار وأعراف ومواثيق وأخلاق تحكم العلاقة بين أي بلدين . رفض الاعتراف بشرعيته السياسية، ووجه سهام نقده له من على أعلى منبر أممي في نهاية الصيف الماضي . واستكمل أردوغان حفلة هذيانه بالتطاول على أعلى مرجعية إسلامية معتدلة في العالم وهو شيخ الأزهر . اليوم تنقل الأنباء عن وساطة قطرية لحل الخلاف التركي - المصري . لا أحد يريد استمرار أي خلاف بين بلدين عربيين أو مسلمين . لكن وزير الخارجية التركية كما الناطق باسم الخارجية قالا إن تركيا مستعدة لتطبيع العلاقات مع مصر، شرط أن يعيد السيسي الديمقراطية والحريات إلى مصر . وبلغة الشارع "شحاذ ومشارط" (أي يفرض شروطه)، أي أن من ينتهك الحريات ويقمعها في بلاده يطالب غيره باحترامها وعلى قاعدة طبيب يداوي الناس وهو عليل . إذا كان من مفتاح لعودة التطبيع مع تركيا فهذا رهن ب: 1- اعتذار أردوغان من الشعب المصري على اعتباره ثورة 30 يونيو انقلاباً عسكرياً . 2- اعتذار أردوغان من شيخ الأزهر على إهانته له وبالتالي لكل المسلمين . 3- تعهد خطي من قادة حزب العدالة والتنمية بعدم التدخل بالشأن الداخلي المصري . 4- وقف تقديم أي دعم لجماعة الإخوان المسلمين وبالتالي لأي حركة معارضة داخلية . 5- التعامل مع تركيا على قاعدة الند للند والمصالح المصرية الصافية . مصر هي التي تفرض شروطها وليس تركيا . مصر مطالبة بلعب دورها القومي والحقيقي الذي يحول دون أن يحاول البعض إعادتها إلى تاريخ مضى فكيف إذا كان تحت يافطة "العثمللي"؟ نقلا عن صحيفة الخليج