قنابل موقوتة تتنظر البرلمان، فإما أن يسحب فتيل الأمان وتمرر هذه القوانين، وإما أن تشتعل الأحداث من جديد، أقدم الرئيسان عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي بعد ثورة 30 يونيو، بمالهم من سلطة التشريع، على إصدار قرارات بقوانين للضرورة وللاستعجال، وبهدف تسيير الحياة وضبط إيقاع الأمور في البلاد، هذه القوانين لاقت الكثير من الاختلاف بين الاعتراض بدعوى سلب الحرية والجور على حقوق الإنسان التى تقرها المواثيق والأعراف الدولية. وما بين الموافقة لضرورة تستلزمها مصلحة البلاد العليا والحرب على الإرهاب.. عبء كبير ملقى على عاتق هذا البرلمان، فالأيام القادمة ستشهد المواجهة بين الرفض والقبول لهذه القوانين، ونرصد في هذا التقرير أبرز هذه القوانين، التي وصفها الكثيرون بالقنابل. القنبلة الأولى: قانون التظاهر أصدر الرئيس السابق عدلي منصور قرارًا بقانون لتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. واحتوى القانون على 25 مادة؛ حيث تناولت المادة الأولى: حق المواطنين في تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية والانضمام إليها وفقًا للأحكام والضوابط المنصوص عليها في هذا القانون. وناقشت المادة الثانية تعريف الاجتماع العام بأنه كل تجمع يقام في مكان عام أو محل عام يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص دون دعوة شخصية مسبقة لا يقل عددهم عن عشرة للمناقشة أو تبادل الآراء. واهتمت كل من المادة الثالثة والرابعة بتعريف كل من مصطلحات "الموكب والتظاهر". ونصت المادة الخامسة على حظر الاجتماع العام لأغراض السياسة في دور العبادة أو ملحقاتها وتسيير المواكب منها أو إليها، وحظرت المادة السادسة من القانون على المشاركين في الاجتماعات العامة حمل الأسلحة بكافة أنواعها وأشكالها أو المواد التي تعرض حياة الأفراد أو المنشآت للخطر، كذلك حظرت ارتداء الأقنعة أو الأغطية لإخفاء ملامح الوجه، كما أكدت المادة السابعة على ضرورة الالتزام بالنظام العام وعدم الإخلال بالأمن وتعطيل عجلة الإنتاج أو الدعوة إلى تعطيل مصالح المواطنين. وناقش الفصل الثاني من القانون "الإجراءات والضوابط التنظيمية للاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات"؛ حيث نصت المادة العامة على ضرورة الإخطار عن طريق الكتابة للقسم أو المركز الشرطي التابع له التظاهرة، وأن يتم ذلك قبل التظاهرة أو الموكب بثلاثة أيام على الأقل. وجاء نص المادة التاسعة على النحو التالي: "يصدر وزير الداخلية قرارًا بتشكيل لجنة دائمة في كل محافظة برئاسة مدير الأمن بها تكون مهمتها وضع الإجراءات والتدابير الكفيلة بتأمين الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات المخطر عنها وطرق التعامل معها في حالة خروجها عن إطار السلمية وفقًا للقانون. ويجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن طبقًا "للمادة العاشرة" في حالة الحصول على معلومات أو دلائل تفيد بتهديد التظاهرة للأمن أو السلم إصدار قرار بمنع الاجتماع، والإخطار قبل الميعاد أربعة وعشرين ساعة على الأقل، كما لقوات الأمن تولي كافة الإجراءات والتدابير وطرق التعامل التي تضعها اللجنة المنصوص عليها في المادة التاسعة وفقًا لنص القانون. وأكد القانون في المادة "الثانية عشرة" على ضرورة التزام قوات الأمن في الحالات التي يجيزها القانون فض أو تفريق التظاهرة طبقا على مراحل ووسائل معينة. كما أجاز القانون جواز استخدام الطلقات التحذيرية وقنابل الصوت وطلقات الخرطوش المطاطي وغير المطاطي، في حال فشل المحاولات السلمية التي نص عليها، وأوكل القانون في مادته "الرابعة عشرة" لوزير الداخلية أو المحافظ تحديد حرمًا آمنًا أمام المواقع الحيوية كالمقار الرئاسية، وعلى المحافظة المختصة توفير مكانًا كافيا داخل المحافظة للاجتماعات العامة. وناقش القانون بالفصل الثالث "العقوبات"؛ حيث أكد عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب على الأفعال المنصوص عليها في المواد التالية بالعقوبات المقررة لها، وهي يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنين وبالغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حاز أو أحرز سلاحًا أو مفرقعات أو ذخائر أو مواد حارقة أو مواد نارية أثناء مشاركته في الاجتماع العام أو التظاهرة، ونصت المادة "الثامنة عشرة" على عقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف أو إحدى العقوبتين كل من عرض أو حصل على مبالغ نقدية أو أية منفعة لتنظيم اجتماع عام أو تظاهرة. وأكدت المادة "الثالثة والعشرون" من القانون على إلغاء القانون رقم (14 لسنة 1923) وإلغاء كل ما يخالف هذا القانون من أحكام، وجاءت المادة الرابعة والعشرون بضرورة إصدار مجلس الوزراء القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون، ويعمل بهذا القانون اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشره بالجريدة الرسمية طبقا للمادة "الخامسة والعشرون" والأخيرة من نص القانون الصادر اليوم 24 نوفمير الجاري. اعتراض القوى السياسية هذا القانون لاقى اعتراضًا كبيرًا من عدد كبير من القوى السياسية والحركات الشبابية، نظرًا للتشدد الكبير الذى حوته مواد القانون، وكذلك النص علي ضرورة الرجوع للداخلية في الإذن وصلاحيتها في الموافقة وعدم الموافقة على الفاعلية أو التظاهرة. وأكد محمود عفيفى، عضو جبهة 30 يونيو، أن حق التظاهر حق أصيل للشعب المصرى وأحد مكتسبات ثورة 25 يناير، وهذا القانون بهذا الشكل وضع لتقيد الحريات ووصف حظر الاعتصام والمبيت فى أماكن التظاهر بالتعدى على الحريات ومكتسبات الثورة، الأمر الذي رفضه تماما، فعلى السلطات من الأساس العمل على تلبيه مطالب المواطنين والمحتجين فى لأساس بدلا من منعهم من التظاهر. ووصفه بعض المراقبين أنه ضرب للحرية والديمقراطية وسيادة القانون سواء فى قانون التظاهر أو فى قانون الجمعيات أو فى تشكيل لجان الدستور وكتابته، وكل تلك الإجراءات تدل على نزعة استبدادية عسكرية تقوم على القهر والإرهاب ولا مجال لأى حرية أو سيادة قانون إطلاقا. وأضاف أن خطأ وقع فيه 99.9% من القانونين فى مصر وهو الخلط بين التظاهر والاعتصام . التظاهر ينتظر أمل البرلمان عوّل عدد من السياسيين الكثير من الأمل على البرلمان القادم بعد انتخابه، آملين تصديه لقانون التظاهر وما جاء به من نصوص تحجر على حرية الرأي والتعبير، مؤكدين بأنه "ظالم"، وأن تعديله يجب أن يكون إحدى المهام الرئيسية والأولى للبرلمان المقبل، خاصة وأنه أدى إلى دخول عدد كبير من الشباب إلى السجون . من جهته، أكد الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد وعضو المجلس الرئاسي لتحالف الوفد المصري، في تصريحات صحفية له، إن تحالف الوفد المصري الانتخابي سيتقدم بمشروع قانون لتعديل قانون مجلس النواب من خلال نوابه بالبرلمان المقبل. وأشار رئيس حزب الوفد إلى أن الدولة رأت خلال مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو أهمية إصدار قانون التظاهر إلا أن القانون ينبغي تعديله دون الإضرار بالحريات التي يكفلها الدستور أو استقرار الدولة. والحكومة من جهتها، استشعرت غضب الشارع والرفض الذي لاقته هذا القانون، وأكدت على لسان المستشار محفوظ صابر، وزير العدل، أن الرئيس الجمهورية هو المسئول عن إصدار التشريعات الهامة والضرورية خلال المرحلة انتقالية الحالية، في ظل عدم وجود مجلس نواب، موضحًا أن قانون التظاهر سيتم تعديله بعد انتخاب البرلمان القادم. القنبلة الثانية: تنظيم الطعن على العقود الحكومية القنبلة الثانية.. عندما أصدر المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق، قرارًا بقانون ينص في مادته الأولى على: "مع عدم الإخلال بحق التقاضى لأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد، يكون الطعن ببطلان العقود التى يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات والمؤسسات العامة، والشركات التى تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التى أبرمت هذه العقود استنادا لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات؛ من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفى العقد أو أحدهما فى جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها فى البابين الثالث والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، وكان العقد قد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة". وجاء نص المادة الثانية: "مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها، بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما فى ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون". غل يد القضاء انقسم الشارع السياسي بشأن قانون تنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة الذي يقضي بأن يكون الطعن ببطلان العقود، التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها أو إحدى شركاتها المملوكة لها أو المساهمة فيها، من أطراف التعاقد دون غيرهم. ورأى بعضهم أن هذا القانون يغل يد القضاء عن نظر قضايا تخص الوطن، وأنه إذا كان الهدف من القانون تشجيع الاستثمار فإن المستثمرين الحقيقيين يتدفقون على البلاد التي يتمتع قضاؤها بالاستقلال والنزاهة، وأن ما يمنع المستثمرين عدم توافر الأمن فقط. دعاة الشهرة في حين ذهب البعض إلى ضرورة وجود آلية للرجوع إلى المحكمة عند الحاجة إلى الطعن على العقود وأخرى لمعاقبة الطاعن بغرض الشهرة . القنبلة الثالثة: عدم وضع حد أقصى للحبس الاحتياطي أصدر الرئيس عدلي منصور رئيس الجمهورية الأسبق قرارًا جمهوريا يسمح بتمديد غير محدود لفترات الحبس الاحتياطي للمتهمين في قضايا يمكن أن يحكم فيها بالإعدام أو السجن المؤبد. ونص القرار الرئاسي على استبدال نص الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص التالي: "ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة، إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة". مبررات الحكومة من جهته، وافق مجلس الوزراء، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، بشأن مدة الحبس الاحتياطي . ويقضي التعديل بأنه في حالة صدور حكم بالإعدام أو بالمؤبد، فإن لمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة 45 يومًا قابلة للتجديد، دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية. ويأتي هذا التعديل، حسبما أعلن مجلس الوزراء، نظرًا لأن جرائم العنف والجرائم المضرة بأمن الدولة تتطلب تحقيقًا موسعًا لكشف الحقيقة، خاصة ما يتصل بالطب الشرعي والأدلة الجنائية، وهو ما يتطلب ضرورة توافر فترة زمنية للبحث وتحقيق الأدلة، وهو الأمر، الذي قد لا يتوافق مع السقف الزمني لمدد الحبس الاحتياطي الواردة في المادة 143. يتنافي مع حقوق الإنسان وانتقد عدد من القانونيين هذا التعديل موضحين بإن هذا التعديل يتنافى مع حقوق الإنسان، مؤكدا أنه ليس من المقبول مد فترة الحبس الاحتياطي إلى ما لا نهاية وأنه قرار خطير للغاية لأنه يبقي مدد الحبس الاحتياطي غير محددة بسقف زمني. القنبلة الرابعة: توسيع اختصاص القضاء العسكري أصدر في 27 أكتوبر قرارا بالقانون رقم 136 لسنة 2014، والذي يوسع من اختصاص القضاء العسكري، ليشمل جرائم التعدي على قطاع كبير من المنشآت والمرافق العامة، بما فيها "محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها"، على أن يمتد العمل بهذا القانون لمدة عامين . ضرورة الحفاظ على التوازن توسيع اختصاص المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين يمثل خرقا للمادة 204 من دستور 2014، والتي اشترطت لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وأن القانون بمثابة حالة طوارئ غير معلنة، ودعت عدد من المنظمات الحقوقية السلطات المصرية إلى سحب القانون المعني والسعي إلى الحفاظ على التوازن الضروري بين الإجراءات الفعالة لمكافحة الإرهاب والاحترام اللازم لحقوق الإنسان الأساسية، بموجب الدستور المصري والاتفاقيات الدولية المصدقة عليها مصر. القنبلة الخامسة: تشديد الرقابة على المنظمات الحقوقية أصدر الرئيس السيسي قانونا تم نشره بالجريدة الرسمية بتعديل نص المادة 78 من قانون العقوبات والتى تنص على معاقبة كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دوله أجنبية أموالاً سائلة بأى طريقة بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه إذا كان الجانى ذا صفة نيابية عامة أو موظفاً عاماً ويعاقب بنفس العقوبة كل من أعطى أو عرض أو وعد بشيء مما ذكر بقصد ارتكاب عمل ضار من الأعمال المبينة. التوضح من البرلمان أثارت التعديلات الجديدة لقانون العقوبات (تركزت على سن أحكام بالمؤبد والغرامة 500 ألف لكل من يتلقى تمويلا أجنبيا) حالة من الجدل فى أوساط الحقوقيين فى مصر، وأكد المراقبون أن الهدف وإن كان في مجمله وظاهره التمويلات للجماعات الإرهابية، ولكن لابد من العرض على البرلمان لإيضاحه.