لقاء السيسي والمثقفين كان يضم أغلب الوجوه والشخصيات التي كانت تلتقي بمبارك! وقد خرج بعضهم بعد اللقاء ليشيد ويردد نفس الأكلشيهات ونفس الكلام أو شبهه! يعني سيادة الرئيس يعرف كل شيء وسيادة الرئيس لديه خطط وسيادة الرئيس طمنا جداً، وطلب تقديم الإسلام السمح والمناهج والتعليم والأزهر.. إلخ.. إلخ، والحقيقة أنني انزعجت جداً لهذه النغمة السائدة. أولاً - لأننا لا يجب أن نطمئن أبداً فالظرف الذي نعيش فيه مازال حرجاً والدولة المايعة والمايصة والصايصة والفسدانة في عهد مبارك، أصبحت أكثر مياصة وتفككاً وفساداً. ثانياً - لأني كنت أتصور أن يقابل الرئيس ناس معارضين ولا أقول المعارضة السياسية فقط، بل مفكرين معارضين واقتصاديين معارضين وأدباء معارضين، وأن يوسع الدائرة التي تختار من يقابلهم، بعيداً عن اتحاد كتاب سلماوي وعن الفضائيات، مصريون لم يرهم من قبل لديهم رؤي مختلفة لحل المشكلات، وأفكار خارج الصندوق، ويحبون الوطن ويريدون الخروج به سالماً من محنته. ثالثاً - رغم أن كلام الرئيس منطقي، وهو الحفاظ علي مؤسسات الدولة، ومكافحة الفكر المتطرف؟.. دور التعليم؟.. والنهوض بالحركة الفكرية؟.. ودعم دور الأزهر الشريف في محاربة الفكر المتطرف؟.. إلا أنني تذكرت ليلي مراد وهي تغني (كلام جميل وكلام معقول ما أقدرش أقول حاجة عنه) ولكن إزاي؟.. وكيف؟.. وبمن؟.. إزاي التعليم يبقي كويس؟.. وإزاي الأزهر يبقي وسطي؟.. وإزاي المؤسسات تبقي قوية؟.. وإزاي الإعلام يبقي معتدل؟ كيف نطور التعليم بوزير تعليم يظهر في التليفزيون ليقول كل شىء تمام وأنهم أنجزوا أشياء كثيرة وأن المناهج قد طورت، والمسرح المدرسي قائم وعظيم؟.. وكله يتم بزيطة وزمبليطة، دون عمل مؤسسي حقيقي وجاد؟ وكيف يكون الأزهر وسطياً بنفس المناهج ونفس جبروت الأساتذة والطلبة الذين ينتمون إلي الفكر المتطرف؟ وكيف تكون في مصر نهضة ثقافية شاملة دون أن يكون الاهتمام الأول للدولة العمل الثقافي والفني خارج القاهرة في كل ربوع مصر في القري والنجوع والعمل فيها؟.. ولكي نمحو عار الأمية الأبجدية والثقافية، فالأوبرا والبروتوكولات لن تحل مشاكل مصر الثقافية، ولكن تحل مشاكل مصر الثقافية حينما تنتشر المكتبات والمراكز وقاعات الثقافة العلمية البسيطة التكاليف من أجل الأطفال والشباب والمناسبة لطبيعة البيئة وروح العصر حتي تستطيع أن تلبي طموح شبابنا ولا تتركهم للفراغ القاتل ولا ينقض عليهم دعاة التطرف وزبانيته. وكيف يكون لدينا إعلام معتدل أو مهني، وهو مكبل بآلاف الموظفين وآلاف الساعات التي يجب أن يبثها من عشرات القنوات التي تعمل وبالطبع أتحدث عن إعلام الدولة. وكيف نقضي علي الفساد، والبعض يتستر علي الفاسدين بل يعيدهم إلي الصدارة رغم فشلهم السابق؟.. ومازال إهدار المال العام يتم وبصفاقة. أما التعليم فهو المشروع الذي يجب أن يكون قومياً الذي يحتاج عملاً من جميع الشعب، فلا تعليم دون مدرس مؤهل، ودون مناهج محايدة ومواكبة للعصر بعيداً عن الحشو والحفظ ونفاق الحكام. دون تعليم لا ثقافة ولا صحة ولا مواطن صالح يستطيع أن يختار رئيسه ويختار أعضاء مجلس الشعب، ويختار أعضاء المجالس المحلية، ويستطيع أن يحاسب الحكومة والوزراء بموضوعية، ويستطيع أن ينتمي إلي بلده ويستطيع أن يواجه الإرهاب، وألا يقع فريسة لأفكار سياسية مغلوطة أو دينية بعيدة عن سماحة الإسلام. ولكن من يقوم بذلك وكيف؟