أثارت الدورة ال36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الكثير من الجدل الذي امتد لما بعد الدورة الأخيرة علي عكس الدورات السابقة لها التي لا يتذكر القائمون عليها ميعادها إلا قبل انعقادها بشهر علي الأكثر كما لا يهتم الإعلام بها لأكثر من أسبوع بعد انقضاء الدورة ليقدم ما طاب ولذ من سلبيات وشتائم. ولكن الدورة ال36 أو دورة سمير فريد التي تنسب لرئيسها مازالت تثير الجدل حتي بعد انقضائها مع تأرجحها بين ايجابيات وسلبيات وإنجاز وتخبط ومصداقية وخداع وآخر حلقة من حلقات الدورة كانت اعتذار الناقد سمير فريد عن رئاسة الدورة المقبلة بعد قرار وزير الثقافة بتشكيل لجنة لمراجعة حسابات الدورة ال36 رغم أن حسابات كل دورة تخضع للنظام الحكومي، الذي يقدم ميزانيته ضمن حساب ختامي للسنة المالية التي تبدأ في أول يوليو وتنتهي في 30 يونيو من كل عام. ويأتي اعتذار سمير فريد لأسباب صحية مغايرا للحقيقة خاصة أنه في المؤتمر الصحفي الأخير أكد مقاضاته لكل من يتهمه بالفساد المالي أو ينال من ذمته أو ذمة أي من العاملين في المهرجان، بعد نشر خبر اتهمه بالكذب عن خضوعه للتحقيق أثناء انعقاد المهرجان وأشار لانحياز وزير الثقافة له في الاتهامات التي وجهت للدورة مشيرا الي أنها اتهامات مضحكة الهدف منها النيل من النجاح الذي تحقق، وأن يستقيل سمير فريد الآن بعد قرار وزير الثقافة، فإن اعتذاره يعد انتصارا لكرامته وليس لأسباب صحية بعد أن خذله وزير الثقافة بهذا القرار الاستثنائي. كما تسهم توصيات سمير فريد التي ساقها في بيانه في النهوض بالمهرجان رغم عدم تطبيقه لبعضها مثل توصيته بإلغاء حفلي الافتتاح والختام وشراء أجهزة عرض بدلا من استئجارها وأيضا ترشيح رئيس المهرجان لدورتين متتاليتين كحد أدني. ورغم كل ما أثير حول الدورة ال36 لمهرجان القاهرة السينمائي إلا أنها تؤكد أن هناك بادرة أمل تلوح في الأفق حتي مع الأزمات التي عصفت بها سواء بإهمال بعض العناصر المنظمة، أو بوقوف الكثير من المتربصين خلف إثارة أزمات للنيل منها وهو ما لا يعني أن الدورة كانت نموذجية ولكن نسبة النجاح كانت أكثر من الإخفاق خاصة علي مستوي اختيار الأفلام المميزة داخل وخارج المسابقة الرسمية ولجان التحكيم التي شاركت فيها يسرا وليلي علوي من مصر وتقديم عدد من المطبوعات السينمائية بأقلام نخبة متميزة من نقاد الفن السابع وإصدار نشرة يومية مختلفة كثيرا من حيث الشكل والمضمون عن مثيلاتها وفعالية المركز الصحفي وكلها إيجابيات تحسب لهذه الدورة. وبغض النظر عن تناول حفلي الافتتاح والختام والانتقادات التي نالت منهما سواء لسوء اختيار مكاني الحفلين أو لسوء تنظيم هذه الدورة فهناك الكثير من الأزمات التنظيمية التي ضربت عروض الأفلام والندوات وهما الأهم لأهل السينما، فإدارة المهرجان التزمت بمواعيد عروض الأفلام ولكنها لم توفر تنظيما يليق بالجمهور الذي تكدس علي أفلام المسابقة الدولية المهمة والأفلام المصرية ولم يستطع مشاهدتها. كما خصص مركز الإبداع لإقامة الندوات وهو ما يجب إعادة النظر فيه خاصة أن مساحته صغيرة لا تستوعب نصف عدد الصحفيين ومراسلي الفضائيات، ولكن المهرجان واجه في يومه الثاني أزمة سحب الامتياز الذي أعطته الدورات السابقة للسينمائيين بطبع بطاقات خاصة بهم، ومع ثورة شباب السينمائيين طلب مدير المهرجان خالد عبدالجليل طبع دعوات خاصة إضافية وزعت بمعرفة رئيس المهرجان، وأرسل عددا منها لنقابة المهن السينمائية لتوزيعها علي اعضائها، وهو ما سبب تزاحما في العروض رغم أن المهرجان أعلن في البداية عن تخفيض نصف تذكرة للسينمائيين سيحقق نفس الغرض إذا ما منحهم كارنيهات مثل الدورات السابقة لأنها كانت تسمح بالحفلات الصباحية فقط، والعروض المهمة في الغالب تعرض في المساء، وبالتالي من يرغب في حضورها كان يدفع ثمن التذكرة ليشاهد الأفلام ولكن الإدارة الجديدة أرادت أنت تخدع الجمهور، الذي من المفترض أنه هو المستهدف من هذا العرس، فنحن بلد بلا ثقافة سينمائية والجمهور الذي يقف وراء الأفلام غير المصرية أو الأمريكية محدود للغاية ولا يزيد علي الثلاثة آلاف مشاهد الذين تزاحموا علي العروض ولم يشاهدوا أغلبها. استمرار حالة خداع الجمهور قد يثير حفيظة السينمائيين والنقاد تجاه المهرجان مع سعي إدارته لإعادة أمجاد سعد الدين وهبة، الذي تميزت الدورات التي أدارها بإقبال جماهيري كبير وهو ما ترجم لإيرادات العروض التجارية في دور العرض المختلفة لا في دار الأوبرا فقط، وهو ما أشار اليه سمير فريد في مؤتمره الصحفي الأخير ذاكرا أرقاما تؤكد بيع 4200 تذكرة وتحقيق إيرادات تصل الي 32 ألف جنيه في الأيام الثلاثة الأولي وهو ما يراه إنجازا وقام في سبيله بتوجيه المنظمين بتمييز حاملي التذاكر علي حاملي البطاقات، والدعوات الخاصة في دخول الأفلام حتي أن بعض الصحفيين والنقاد كانوا يقفون قبل موعد الفيلم بنصف ساعة ولا يستطيعون الدخول كما في عروض فيلمي «ديكور» و«القط» والأخير منع حتي منتجه من الدخول لأنه لم يبادر بإلقاء دعوة المهرجان، وشراء تذكرة لتضاف الي رصيد التذاكر وترفع أرقام الإيرادات، ليقول سمير فريد لنفسه انه حقق انجازا لم يسبقه إليه سوي سعد الدين وهبة الرجل الذي أصبح قاعدة يقاس عليها كل من يتولي المهرجان. والاهتمام بالإيرادات شيء صحي والعروض التجارية للجمهور لم تغب عن المهرجان من قبل باستثناء الدورة الرابعة والثلاثين التي أقيمت مع حلول عيد الأضحي فلم يجد الموزعون بدا من تفضيل الأفلام المصرية التي تدر في هذا الموسم وما بعده عشرات الملايين، وأنقذ الراحل ممدوح الليثي المهرجان بتخصيص سينما «فاميلي المعادي» التابعة لجهاز السينما الذي كان يرأسه وقتها لاستضافة بعض العروض خاصة المصرية، وباستثناء الدورتين كانت دور العرض السينمائي تتلقي نسخا من أفلام المهرجان، وتعرضها للجمهور ولم تكن الأفلام تحقق الكثير من الأرباح ومع اختلاف مستوي الأفلام كما في الدورة الحالية، قد لا يحتاج رئيس المهرجان لإيرادات هزيلة مثل ال32 ألف جنيه لا تكفي أجر الشركة المنظمة للعروض، ومن الجميل أن تعرض خارج أسوار الأوبرا لتتحقق أسطورة سعد الدين وهبة خاصة مع اختيارات الأفلام المتميزة وهو العنصر الأهم في المهرجان.