الفساد السياسى عدو الاستثمار.. والفساد الإدارى يعطل المستثمر عن إنجاز استثماراته قبل ثورة يوليو 1952 كان الجنيه المصرى يساوى 3 دولارات.. الآن الدولار يساوى 7 جنيهات ونصف الجنيه!!.. وقبل يوليو 1952 - أيضاً - لم تكن مصر مدينة لأى دولة فى العالم.. أى أن ديون مصر الخارجية كانت صفراً.. بل كانت بريطانيا العظمى - الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس - كانت مدينة لمصر ب 450 مليون جنيه إسترلينى.. أى ما يساوى 5 مليارات جنيه مصرى بأسعار اليوم!! الآن ديون مصر الخارجية بلغت 45 مليار دولار - أى ما يوازى 320 مليار جنيه - أما ديون مصر الداخلية فبلغت تريليوناً و543 مليار جنيه.. أى أن إجمالى الديون الداخلية والخارجية بلغ تريليوناً و863 مليار جنيه.. وهو رقم مخيف وبالغ الخطورة!! ونحن الآن لسنا بصدد البحث عن أسباب هذا الانهيار الاقتصادى.. فجميعنا يعلم ما حدث لمصر على مدى 52 عاماً مضت.. نحن بصدد البحث عن إجابة لسؤال مهم.. كيف نهضت مصر اقتصادياً وصناعياً وتجارياً خلال سنوات ما قبل يوليو 1952 فى ظل سيطرة المحتل البريطانى؟!.. وكيف يمكن استدعاء هذه السنوات الرائدة لعودة الروح إلى مصر؟! فى مطلع القرن الماضى.. كان فى مصر رجل وطنى من الطراز الأول.. استطاع بعبقريته وإخلاصه وحبه لتراب هذا الوطن أن يحدث نهضة اقتصادية وصناعية لم تشهدها مصر من قبل أو بعد.. هذا العبقرى هو «طلعت باشا حرب».. الذى لا يعرف المصريون عنه سوى أن هناك شارعاً بالقاهرة يحمل اسمه!! كان طلعت باشا حرب تاجراً مصرياً موهوباً.. لم يتخرج فى كلية الاقتصاد.. ولم يتلق تعليمه فى جامعات أوروبا وأمريكا.. ولم يحصل على الدكتوراه من أى جامعة لا مصرية ولا غربية.. ولم يسع للحصول على شهادة دكتوراه مضروبة مثلما يفعل الكثيرون فى مصر من أجل الشهرة والمنظرة.. بل إنه لم يسع للحصول على لقب الباشوية.. اللقب هو الذى سعى إليه وتشرف به.. وكان همه الأول وشغله الشاغل هو نهضة مصر اقتصادياً وصناعياً وثقافياً ومن ثم سياسياً واجتماعياً.. فقد كانت مصر تخضع للاحتلال البريطانى.. وكانت بريطانيا تحتكر كل مواردنا وخاماتنا الزراعية والتعدينية.. تحتكر استيراد القطن - مثلاً - ثم تقوم بتصنيعه فى إنجلترا وتعيد تصديره إلى مصر مرة أخرى فى صورة أقمشة.. وتفرض الأسعار التى تريدها هى. فى ظل هذه الظروف تفتقت فى عقل طلعت حرب فكرة إنشاء بنك أعمال، يتخذ المبادأة فى تأسيس المشروعات الإنتاجية.. واستطاع الرجل بعد محاولات عديدة ومريرة وجهود شاقة أن يحقق حلمه وحلم المصريين.. فأنشأ «بنك مصر» عام 1920.. أول بنك مصرى وطنى.. بل أول بنك عربى.. بعد أن نجح فى جمع مدخرات المصريين.. وخلال سنوات قليلة تمكن العبقرى طلعت حرب من إنشاء 32 شركة وطنية مصرية كبرى تعمل فى مجالات المال والصناعة والتجارة والطيران والسياحة والإسكان والسينما والكيماويات والخدمات.. ولم يطلق اسمه على أى من تلك الشركات.. بل كان يصر على أن يسبق اسم «مصر» اسم كل شركة.. ومن بين هذه الشركات العملاقة: شركة مصر للتمثيل والسينما «ستوديو مصر».. شركة المحلة الكبرى للغزل.. مصر حلوان للغزل والنسيج.. مصر كفر الدوار للنسيج.. مصر لحليج الأقطان.. مصر للسياحة.. مصر للفنادق.. مصر للطيران.. مصر للتأمين.. مصر للنقل والملاحة.. مصر للملاحة البحرية.. شركة بيع المصنوعات المصرية.. مطبعة مصر.. مصر لأعمال الأسمنت المسلح.. مصر للعقارية.. وهى شركات كبرى وعلاقة استوعبت أعداداً كبيرة من العمالة المصرية.. وجعلت من مصر قوة اقتصادية فى ذلك الوقت.. وأصبح إنتاجها يغزو الأسواق العالمية حتى إن الأقشمة المصرية كانت تطلب من دول أوروبا وأمريكا. إن ما فعله «طلعت باشا حرب» كان بمثابة معجزة لرجل عبقرى.. ولا يمكن مقارنة ما أنجزه كفرد بما فعلته حكومات كاملة فى عهود سابقة. ففى عهد جمال عبدالناصر (1954 - 1971) رغم ارتكاب جريمة التأميم للشركات إلا أن عبدالناصر أضاف للصناعات المصرية وخاصة الثقلية منها.. فأنشأ المصانع الحربية والحديد والصلب والنصر للسيارات وغيرها.. علاوة على إنشاء السد العالى.. وبسبب السياسات الهوجاء تورطت مصر فى حرب اليمن عام 1964 وهزيمة يونية 1967، وكانت النتيجة استنزاف الاقتصاد المصرى ومن ثم توقف التنمية وتطوير مصانعنا.. لأن الميزانيات كانت توجه لشراء السلاح.. ورغم ذلك لم يفرط عبدالناصر فيما أنجزه طلعت باشا حرب. وفى عهد أنور السادات (1971 - 1981) انشغل الرئيس بتحرير الأرض، فتحقق نصر أكتوبر العظيم عام 1973، ثم انشغل السادات بتحقيق السلام والانسحاب الإسرائيلى من سيناء، وإعادة افتتاح قناة السويس.. ثم دخل فى دوامات وصراعات سياسية داخلية.. وخلال هذه السنوات أهملت مصانعنا وتوقفت تماماً عمليات الإحلال والتجديد لوسائل الإنتاج، فأصاب مصانعنا فيروس التخلف، بينما كان العالم من حولنا يطور ويجدد ويحدث ويتفوق.. فخرجنا من المنافسة. وفى عهد حسنى مبارك (1981 - 2011).. وهو عهد أقل ما يوصف به، أنه عهد الفساد والإفساد، حيث تحول الفساد إلى سياسة دولة ومنظومة عمل.. فبدلاً من أن يلجأ مبارك إلى إصلاح شركات القطاع العام الخاسرة.. بدأ فى بيعها وتشريد عمالها.. كانت الشركات تباع بأبخس الأثمان.. وحقق بعض رجاله وشلة نجله «جمال» المليارات فى صفقات البيع الفاسدة التى كان يديرها مكتب «بيكر اند ماكينز» بالقاهرة.. فى حوار مع الرئيس مبارك نشرته مجلة «أكتوبر» عام 1999، أجراه الأستاذ رجب البنا، رئيس التحرير، فى ذلك الوقت.. قال مبارك: لن نبيع أى بنك من البنوك الوطنية الأربعة.. ولن نبيع القطاع العام.. وبعد سنوات قليلة، تم بيع بنك الإسكندرية.. ثم عندما طرح بنك القاهرة للبيع.. تصدت جديدة «الوفد» فى ذلك الوقت لعملية البيع.. فتوقفت الصفقة.. ثم باع مبارك عشرات من شركات القطاع العام.. ودخلت المليارات جيوب السماسرة. وفى عهد محمد مرسى (2012 - 2013).. كان عاماً أسود بكل المقاييس.. كانت مصر كلها ذاهبة إلى الجحيم.. اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً ووجودياً.. كان مرسى منشغلاً ببيع مصر كلها. باختصار.. عندما نجح طلعت باشا حرب.. كان المناخ الاقتصادى والسياسى فى مصر صالحاً للاستثمار الحر.. وكانت الحكومات وقتها تساند كل ذلك دون عوائق.. ولم يكن هناك فساد سياسى، فهو العدو الأول للاستثمار.. ولم يكن هناك فساد إدارى، فهو يعطل المستثمر عن إنجاز استثماراته.. كانت هناك روح الوطنية.. وكانت هناك إرادة للنهوض.. ورغبة من الشعب المصرى فى بناء اقتصاده ومواجهة المد الاقتصادى الأجنبى.. كان هناك تحد للاستعمار. أما خلال العهود السابقة - عبدالناصر، السادات، مبارك، مرسى - فلم يكن هذا المناخ موجوداً على الإطلاق.. بل كان لدينا مناخ يسوده الاستبداد بالحكم وتخبط السياسات والقوانين والقرارات، وعدم الاطمئنان أو الشعور بالأمان فيما يتعلق بالمستثمر.. فضلاً عن الفساد الإدارى المستشرى وغياب القوانين التى تحكم حقل المال والأعمال.. وهى قوانين يتوه فيها فقهاء القانون أنفسهم.. لأن القوانين التى تحكم الاستثمار وضعت بطريقة تحتمل أكثر من تفسير.. أى أنها تحمل الشىء وضده فى آن واحد!! والآن.. مثلما وثق المصريون من قبل فى العظيم طلعت حرب ومنحوه أموالهم لإنشاء بنك مصر و32 شركة كبرى.. فإن المصريين وثقوا فى الرئيس عبدالفتاح السيسى ومنحوه 64 مليار جنيه فى 8 أيام لإنشاء قناة سويس جديدة.. ومن ثم فإن أمام الرئيس السيسى فرصة تاريخية لتكرار التجربة مرة أخرى لإنشاء مشروعات قومية كبيرة.. جربوا ولا تخافوا.. فالشعب المصرى العظيم وضع ثقته الكاملة فى الرئيس السيسى.