حينما تدفقت المساعدات الخليجية علي الحكومة عقب ثورة 30 يونية مع سقوط حكم الإخوان، كان الهدف إنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، بعد أن صار مهلهلاً وينذر بكارثة في ظل ارتفاع الدين الداخلي والخارجي إلي أعلي مستويات وصلت إلي 2 تريليون جنيه، وظل الحال هكذاً إلي أن شهدت الأوضاع السياسية حالة استقرار بانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي للرئاسة، معها تحولت موجة المساعدات إلي حلبة الاستثمار، وصار المشهد ماراثون عربي «إماراتي - سعودي» علي «كعكة» البيزنس بالسوق المصري. الاستثمارات السعودية ظلت محافظة علي صدارتها، لكن مؤخراً راحت الشركات الاستثمارية الإماراتية تزاحمها، ومع هذا النشاط الإماراتي أصبح الموقف مغايراً تماماً وبات الطريق مفروشاً بالورد للجميع، لتشتعل المنافسة مع السعودية والكويت في مجالات الاستثمار المباشر وغير المباشر بامتلاك حصص بالشركات المقيدة في البورصة، وحينما قال المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء: إن الإمارات والسعودية أعادتا الثقة للاقتصاد المصري، لم يكن فض مجالس أو تصريحات من منطلق الشو الإعلامي بل تأكيداً علي النشاط الكبير في الاستثمارات الخليجية. «الوفد» رصدت خريطة البيزنس المباشر وغير المباشر للدول الخليجية.. بالأمس القريب اشترت شركة «آبار» للاستثمار والتابعة لحكومة أبوظبي 5.1٪ من أسهم شركة بالم هيلز للتعمير، الذي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال ياسين منصور، واليوم قامت مؤسسة أبراج الإماراتية من خلال شركات تابعة بعرض الاستحواذ علي شركة «بسكو مصر» بسعر 80.58 في صفقة تصل قيمتها إلي مليار جنيه، ومن قبلها عرضت شركة «صافولا» السعودية الاستحواذ علي الشركة، ولكن تراجعت عنه نهاية سبتمبر الماضي لإفساح الطريق أمام الاستثمار الإماراتي. الحراك الذي شهدته الاستثمارات الخليجية زاد من المنافسة الشرسة والمشروعات بين الدول لتعزيز استثماراتها والحصول علي حصة من «تورتة» الاستثمارات المحلية المتعددة والمتاحة، والاستفادة من نسب النمو المتوقعة في هذه المشروعات. بتحليل حجم الاستثمارات السعودية، وفقاً لبيانات هيئة الاستثمار يتكشف أنها لاتزال تحافظ علي مكانتها في الصدارة علي مستوي الدول العربية والعالمية من إجمالي 151 دولة مستثمرة، بقيمة استثمارات 6 مليارات دولار مقابل 5.7 مليار العام الماضي بارتفاع 300 مليون دولار بنسبة 5.2٪ وبعدد شركات مؤسسة 3302 شركة خلال 40 عاماً وبالتحديد منذ 1/1/1970، وحتي الآن مقابل 3056 شركة عن العام الماضي بزيادة 246 شركة بنسبة 8٪، وتتوزع الاستثمارات علي 29 محافظة تحتل القاهرة والجيزة نصيب الأسد بواقع 1398 شركة، و1018 شركة علي التوالي، ويحتل القطاع الصناعي المرتبة الأولي باستثمارات تبلغ 2.3 مليار دولار بعدد شركات 727 شركة، يليه القطاع الإنشائي باستثمارات 1.2 مليار دولار، وبعدد 516 شركة، وتأتي الاستثمارات السياحية في المرتبة الثالثة ب 938 مليون دولار بعدد شركات مؤسسة 273 شركة، بينما تحل الاستثمارات في القطاع التمويلي بالمرتبة الرابعة ب 113 شركة باستثمارات تبلغ 694 مليون دولار، تليها الاستثمارات الخدمية ب 1022 شركة باستثمارات 561.3 مليون دولار، ثم القطاع الزراعي 382 شركة باستثمارات 522.33 مليون دولار، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بعدد 269 شركة بقيمة 68.2 مليون دولار. هذه الاستثمارات لا علاقة لها بالمساعدات والدعم المالي المقدم من الدول الثلاث الإماراتوالكويت والسعودية الذي وصل إلي 20 مليار دولار، منها المبالغ المدفوعة كمساعدات من المملكة العربية السعودية بنحو 6 مليارات دولار، بدأت في يوليو 2013، عقب توجيه حزمة مساعدات إلي مصر تقدر ب 5 مليارات دولار، بالإضافة إلي إيداع السعودية ملياري دولار كقرض مدته 5 سنوات بدون فوائد، وتوزعت باقي حزمة المساعدات السعودية بنحو 2 مليار دولار في صورة منتجات نفطية وغاز، و2 مليون دولار كوديعة بالبنك المركزي، بالإضافة إلي مليار دولار نقداً. وفي «البيزنس» غير المباشر تعد السعودية اللاعب الرئيس في 7 شركات مقيدة بالبورصة، حيث تصل مساهمة شركة السعودية للتنمية والتجارة في شركة السعودية المصرية للاستثمار التمويل إلي 50٪، وفي شركة جنوب الوادي للأسمنت تصل مساهمات شركة النهلة للتجارة والمقاولات السعودية إلي 8.15٪، وتستحوذ شركة المهيدب القابضة علي نسبة 14.72٪ في بايونيرز القابضة، وفي السادس من أكتوبر «سوديك» تستحوذ مجموعة العليان السعودية للاستثمار المحدودة علي 12.39٪ وتبلغ حصة نوف بن دايل علي 20.6٪ بالمصرية للدواجن، ويمتلك المستثمر علي عبدالله سعيد بقشان 26.72٪ بالجزيرة للفنادق والسياحة، ويستحوذ عبدالرحمن شربتلي علي 21.6٪ بجولدن بيراميز بلازا، ويبلغ عدد المستثمرين السعوديين الأفراد النشطاء بالبورصة المصرية وفقاً لإحصائيات البورصة 1.988 مستثمراً بزيادة 155 مستثمراً عن العام الماضي، بالإضافة إلي 196 مؤسسة مالية وبارتفاع 12 مؤسسة. إذا كان هذا الحال في قيمة الدعم والاستثمارات السعودية، فإن موقف الإمارات لا يختلف، إذ وقعت علي اتفاقية مع مصر تقدم بموجبها مساعدات للقاهرة بقيمة 4.9 مليار دولار لدعم البرنامج التنموي المصري الذي يهدف إلي تنفيذ مشروعات لتطوير القطاعات والمرافق الخدمية، وذلك بعد قرض بملياري دولار قدمته الإمارات لمصر عقب أحداث 3 يوليو 2013، بالإضافة إلي أن الدعم يشمل منحة مالية قدرها مليار دولار تمت إجراءات تحويلها إلي مصر في يوليو 2013، وكذلك تخصيص أكثر من مليار دولار للمساهمة في توفير جزء من كميات الوقود والمحروقات التي تحتاجها مصر، وتخصيص ما يقرب من 2 مليار دولار لتنفيذ حزمة من المشروعات التنموية التي تشمل مختلف القطاعات، بخلاف تمويل بناء 50 ألف وحدة سكنية، وإنشاء 25 صومعة قمح، واستكمال شبكات الصرف الصحي في 151 قرية، وبناء 100 مدرسة وإنشاء 479 مزلقاناً، فضلاً عن توفير 600 أتوبيس نقل عام، وإنشاء 78 وحدة طب أسرة في المحافظات. الاستثمارات الإماراتية يصل حجمها إلي 5.2 مليار دولار مقابل 4.5 مليار دولار وبزيادة 700 مليون دولار بنسبة 15.5٪ وبعدد 681 شركة، تتوزع علي 22 محافظة والنسبة الأكبر في القاهرة بواقع 353 شركة، والجيزة 173 مؤسسة، وتحتل المرتبة الثانية بعد السعودية في ترتيب الدول وتزاحمها في ملكية شركات البورصة، ويتصدر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بواقع 50 شركة باستثمارات تبلغ 2.8 مليار دولار، والقطاع التمويلي بعدد 47 شركة باستثمارات 1.4 مليار دولار، والاستثمارات الصناعية بنحو 126 شركة بقيمة 531 مليون دولار، والإنشائية بنحو 96 شركة بنحو 382 مليون دولار، والخدمية ب 248 مؤسسة بنحو 399.54 مليون دولار، والسياحية 46 مؤسسة ب 258.3 مليون دولار، والزراعية 68 مؤسسة بنحو 125.4 مليون دولار، وتتوزع المساهمات في حصص الشركات المقيدة بسوق الأوراق المالية في 8 مؤسسات تتوزع في مصرف أبوظبي الإسلامي - مصر، حيث ملكية مصرف أبوظبي الإسلامي 49.62٪ الإمارات الدولية للاستثمار ذ. م. م 9.51٪، وتستحوذ «آبار» للاستثمار علي 5.1٪ من رأسمال بالم هيلز، ويمتلك بنك الاتحاد الوطني 94.89٪ في بنك الاتحاد الوطني «مصر»، وتبلغ حصص مجموعة دبي المالية في المجموعة المالية «هيرميس» 11.05٪، والإمارات الدولية للاستثمار تمتلك 10.01٪ في رأسمال القلعة للاستشارات المالية، وإم تي إم باكدجينج 2 في الشرق الأوسط للزجاج بنسبة 37.33٪، وكريد هيلثكير إل تي دي في مستشفي القاهرة التخصصي بنسبة 52.71٪، وهسكلاي هولدنج في رأسمال القاهرة للاستثمارات والتنمية بنسبة 51٪، ويبلغ عدد المستثمرين النشطاء بالبورصة 290 مستثمراً، وبارتفاع 21 مستثمراً عن العام الماضي، و295 مؤسسة بنمو 19 مؤسسة. الاستثمارات الكويتية تتسم بالثبات، ويصل حجمها إلي 2.7 مليار دولار مقابل نفس الرقم العام الماضي بعدد 944 مؤسسة تتوزع في 29 محافظة، وتستحوذ كالعادة القاهرة والجيزة بواقع 380 و292 مؤسسة علي التوالي، ويحتل القطاع الصناعي المرتبة الأولي باستثمارات 824.6 مليون دولار، بعدد شركات 173 شركة بقيمة 824.6 مليون دولار، يليه القطاع السياحي باستثمارات 578 مليون دولار وبعدد 106 شركات، وتأتي الاستثمارات التمويلية في المرتبة الثالثة ب 506 مليون دولار، والإنشائي في المرتبة الرابعة ب 208 شركة باستثمارات تبلغ 427.7 مليون دولار، تليها الاستثمارات الخدمية ب 260 شركة باستثمارات 253.9 مليون دولار، ثم القطاع الزراعي 94 شركة بقيمة 105.5 مليون دولار، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بعدد 47 شركة بقيمة 63.46 مليون دولار، ورغم ذلك إلا أن مساهمتها في الشركات المصرية المقيدة بالبورصة محدودة للغاية، حيث تستحوذ الشركة الكويتية علي 57.16٪ القابضة المصرية الكويتية، وكذلك تساهم مجموعة أمريكانا علي المصرية للمشروعات السياحية العالمية، بنسبة 90.43٪ وتصل حجم مساعدتها إلي - وفقاً ما أعلنته - 4 مليارات دولار، بينها ملياران في صورة وديعة بالبنك المركزي المصري، ومنحة بقيمة مليار دولار، إضافة إلي منحة أخري بقيمة مليار دولار من النفط ومشتقاته، وأعلنت الكويت أنها ستقدم أربعة مليارات دولار لمصر، بينها ملياران في صورة وديعة بالبنك المركزي المصري، ومنحة بقيمة مليار دولار، إضافة إلي منحة أخري بقيمة مليار دولار من النفط ومشتقاته. ويبلغ عدد المستثمرين النشطاء بالسوق الذين يقومون بعمليات البيع والشراء، ووفقاً لبيانات البورصة 654 مستثمراً، بزيادة 30 مستثمراً علي العام الماضي، ويبلغ عدد المؤسسات 183 مؤسسة بارتفاع 11 مؤسسة. هذه الدول ساهمت وبدور كبير في انتشال السوق المصري من محنته والوصول به إلي بر الأمان، لكن دول محور الشر ممثلة في قطر وتركيا وإيران، رغم أنها اتخذت موقفاً معادياً ضد مصر نتيجة انتمائهم لجماعة الإخوان وولائهم للمرشد تحت زعم إحياء الخلافة العثمانية، وبالتالي التحريض علي ضرب الاقتصاد بتجميد استثماراتهم وعدم زيادتها، ورغم سحبها وديعتها من البنك المركزي، إلا أنها ضاعفت استثماراتها بحسب إحصائيات هيئة الاستثمار من 617 مليون دولار العام الماضي إلي 1.8 مليار دولار بنسبة زيادة 99.7٪، من خلال تأسيس 169 شركة تتوزع في 17 محافظة في مختلف المجالات والأنشطة تستحوذ القاهرة 86 شركة، والجيزة 59 شركة، وفي الاستثمارات غير المباشرة، تعد قطر في البورصة المصرية وفي الشركات المدرجة بسوق الأوراق المالية أقل الاستثمارات العربية عدداً، وإن لم تكن أقلها قيمة، فبعد استحواذ بنك قطر الوطني علي البنك الأهلي سوسيتيه جنرال ارتفعت قيمة الاستثمارات بشكل كبير بعد الاستحواذ علي ثاني أكبر البنوك المدرجة في البورصة المصرية بنسبة 97.6٪ وحصوله علي حصة أكثر من 90٪ من أسهم جلاكسو سمثكلاين في قطاع الأدوية الذي تم وقت الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي شهدت فترة حكمه انفتاحاً كبيراً علي الاستثمارات القطرية، ويبلغ عدد المستثمرين الأفراد القطريين المقيدين بالبورصة 98 مستثمراً بزيادة 5 أفراد عن العام الماضي، و31 مؤسسة بارتفاع 4 مؤسسات فقط. أما بالنسبة لكل من إيران وتركيا، فلم تشهد استثماراتهما نشاطاً ملموساً، ربما سبب موقفهما من ثورة 30 يونية والهجوم المتواصل من قبل الحكومة التركية علي مصر ودعمهما للإرهاب والجماعات الإرهابية، لذا بلغت الاستثمارات التركية ارتفاعاً ملموساً بنحو 333.90 مليون دولار مقابل 312 مليون دولار العام الماضي، وبلغ عدد المقيدين بالبورصة مستثمرين أفراد 116 مستثمراً، مقابل 99 مستثمراً العام الماضي، فيما لم تشهد المؤسسات أي تغير فاستقرت عند 16 مؤسسة فقط، فيما بلغت الاستثمارات الإيرانية 155.93 مليون دولار مقابل 135.86 مليون دولار العام الماضي بزيادة طفيفة، ولم تشهد أي ارتفاع في عدد المستثمرين بالبورصة، إذ توقف عددهم عند 6 مستثمرين فقط، ولم توجد مؤسسات مالية. «المشهد بدأ عبارة عن دعم ومساعدات في أول الأمر، إلا أنه من الإصلاحات الاقتصادية سارعت الشركات إلي الاستثمار» هكذا علق الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أستاذ التمويل علي الاستثمارات العربية الوافدة بصورة كثيفة مؤخراً. وتابع: إن الإصلاحات والقوانين التي تعمل علي تيسير تدفق الاستثمار ستساهم بشكل كبير في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، خاصة أنه لم يعد أي تهديدات قانونية من شأنه «تطفيش» المستثمرين. ربما حرصت الحكومة - وفقاً لما قاله نافع - علي خروج العديد من القوانين الخاصة بالاستثمار بشكلها الحقيقي سيعمل علي فتح الأبواب أمام المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية. الاستثمارات العربية تساهم في إضافة قيمة مضافة - هو ما قاله الدكتور سيد عبدالفضيل المتخصص في مجال التمويل - حيث إن الشركات الخليجية حينما تدخل السوق المحلي تجذب معها كافة المستجدات الخاصة بتكنولوجيا العمل، وهو ما يعد من الخبرات التي تخدم العمالة المصرية، بالإضافة إلي أن ما تحققه هذه الشركات من أرباح يتم ضخه مرة أخري بالسوق وبالتالي يساهم في توفير فرص عمل وتوظيف العشرات من الشباب. ليس هذا فقط، وإنما قيام الشركات من الضرائب يساهم في زيادة إيرادات الدولة، مما يساعد علي تقليص عجز الموازنة. لايزال السوق المحلي هو الأفضل بين الأسواق الناشئة - بحسب تحليل أحمد العطيفي المتخصص في مجال الاستثمار - إذ إن فرص نموه كبيرة، ومن مصلحة هذه الشركات الاستثمار في كافة المجالات بالسوق المحلي، بسبب موقعها الجغرافي وانخفاض أجور العمالة والأراضي إذ ما قورنت بأسعارها بالدول الأخري. إذن تدفق الاستثمارات الخليجية بدأت في صورة مساعدات بعد ثورة يونية، وتحولت إلي استثمارات.. فهل تكون نعمة علي الاقتصاد أم نقمة في المستقبل؟