أخيرا وبعد ثلاث سنوات أسدل الستار أمس الأول على ما عرف إعلاميا بمحاكمة القرن عندما جرت وقائع النطق بالحكم فى قضية قتل المتظاهرين والفساد المالى والادارى ونطق القاضى المستشار «محمود كامل الرشيدى» بالأحكام القاضية بتبرئة الرئيس الأسبق «مبارك» فى قضية قتل المتظاهرين وقضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، وكذلك تبرئة اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق ومساعديه الستة فى قضية قتل المتظاهرين. وكان المستشار الجليل قد قال فى بداية الجلسة: (وما الحكم إلا لله الحق العدل)، وقال: (أرى مرقدى فى قبرى وأحاسب نفسى على ما فعلت طوال حياتى العملية بما يرضى الله منذ 42 عاما). ثم قال: (لن نلتفت للصيحات والضوضاء التى تمنعنا من الوصول إلى الحقيقة). وكأنما أراد أن يطمئن الجميع بأنه لا يحكم إلا من خلال ضميره ومراعاة الله وحده. تبنى المستشار الجليل مبدأ العدل والحسم فى أحكامه ولهذا لم يعقه شىء عن أن يصدر الحكم العادل الناجز بعد أن تكشفت له الحقائق. حكم بضميره الحى وكان صادقا مع نفسه ومع الآخرين، فلم يصدر حكما فى قضية القرن إلا بعد أن ألم بالأدلة كاملة واطلع على كل الوقائع المثبتة بالبراهين. ويجسد المستشار «الرشيدى» تاريخا مشرفا لقاض جليل خاض العمل بحسم فى ساحة القضاء على مدى أكثر من أربعين عاما فكان النموذج الفريد للقاضى المنصف والحكم العادل الصادق المصلح. ونجح بمواصفاته تلك فى أن يدخل تاريخ القضاء النزيه من أوسع أبوابه. لقد اعترض البعض على أحكام البراءة التى صدرت السبت الماضى بحق الرئيس الأسبق ونجليه ووزير داخليته ونسى هؤلاء أن القضاء مستقل وفقا للدستور وبالتالى فهو يتمتع بالعصمة ولا يمكن لأحد أن يعقب على أحكامه أو يصادرها، فالحكم عنوان الحقيقة ومن ثم لا يمكن التشكيك فى الأحكام بعد صدورها وإلا يكون هذا اجتراء على القانون. ما أحوجنا اليوم إلى العدالة الناجزة القاطعة التى ترتكز على سيف القانون وهو بحر تتلاطم فيه الأمواج بيد أن القضاة الاجلاء يمكن أن يكونوا السد المنيع فى تطبيقه من خلال علمهم وجسارتهم وقدرتهم على النطق بالحقيقة. وهذا ما فعله القاضى الجليل المستشار «محمود كامل الرشيدى» المسكون بإعلاء المبدأ وتحرى العدل وإنقاذ الحقيقة. أما من يلتحفون بالخارج وبالغرب وبأمريكا تحديدا فأقول لهم إن لا أحد فى أمريكا والغرب يجرؤ على انتقاد حكم أصدره القضاء كما لا يجرؤ أحد على المطالبة بإلغائه، فأحكام القضاء خط أحمر. وأيا كان، فالحكم الذى أصدرته محكمة جنايات القاهرة ليس باتا ويظل للنيابة الحق الوحيد فى الطعن على الحكم على أن يكون هذا خلال ستين يوما من صدوره.